تنظمها العديد من المؤسسات التعليمية : «الزيارة الموسمية» لمعرض الكتاب وأسئلة «العزوف الجماعي» عن القراءة ؟

أول سورة نزلت على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. هي سورة إقرأ. لأن الله تعالى جعل من القرآن الكريم معجزة نبينا الكريم. وبقراءة سوره وآياته يتمكن القارىء من دينه الإسلامي الحنيف، ومن هنا تتضح مزايا وأهمية القراءة. ثم لاننسى أن حضارات الأمم والشعوب تعتمد على القراءة والمعرفة. وبالقراءة أيضا نتعرف على الحضارات السابقة  ونطلع على عادات وتقاليد من سبقونا.
بل إن تاريخ الأمم والشعوب بالقراءة نتعرف عليه. إذن كان ومازال للقراءة الدور الكبير في تثقيف الإنسان بعد تربيته وتعليمه. وكان الكتاب المرجع الوحيد في التثقيف في جميع العلوم وحتى في مجالات أخرى مختلفة، وأضحى بالتالي الكتاب ذا أهمية بالغة في العملية التعليمية والتثقيفية، فأصبح الرفيق والأنيس لكل طالب للعلم والمعرفة يجاوره أينما حل وارتحل. ولاشك أن جل العلماء والمخترعين في مجالات شتى – قديما وحديثا – توفروا ويتوفرون على خزانات تضم بين رفوفها عشرات الكتب اعتمدوا عليها في بحوثهم ، فاغتنت بها عقولهم ويسرت لهم اكتشافاتهم واختراعاتهم وابتكاراتهم ، دونوها بدورهم لتصبح سراجا منيرا لمن أراد مستقبلا الاعتماد عليها والذهاب قدما بمجال البحث العلمي ، و كل ما هو في صالح البشرية عموما.
مناسبة هذه المقدمة ترتبط بسؤال العزوف عن القراءة من طرف شريحة كبيرة من المواطنين ، سواء كانوا طلبة او متمدرسين أو موظفين أو باحثين، بعد أن طغت الحواسيب وابتكرت في المجال الرقمي طرق علمية إلكترونية وعممت في مختلف بقاع العالم، وأصبحت الوسيلة المفضلة الوحيدة عند الجميع؟ وضع أصاب المكتبات بالكساد مما جعل عددا مهما منها يغلق أبوابه لقلة الزائرين والوافدين من المهتمين بمجال العلم والثقافة والفن والأدب، في وقت انتشرت قاعات ومقاهي الانترنيت بمختلف الأحياء الشعبية للمدن المغربية ، حيث فضل أغلب الناس ولوج عالم هذه التقنيات في كل شيء  ، وانتقلت عدوى العزوف عن القراءة إلى شريحة مهمة من التلاميذ الذين أصبحوا “مجبرين “على دخول عالم الأنترنيت للحصول على المعلومة التي كلفوا بجمعها وتحويلها إلى “بحوث “لعرضها على المدرس بالمدرسة. وأمام تزايد تكليفات المدرسين والأساتذة غزت الأجهزة الإلكترونية البيوت والمكاتب والإدارات والمحلات التجارية، وأصبحت شيئا لابد منه، وأمرا يصعب الاستغناء عنه، وذلك على  حساب القراءة ، لتنتشر “مكاتب” من نوع آخر… إنها “المكاتب الرقمية”؟
لقد احتضنت العاصمة الاقتصادية ، الأسبوع الماضي ، معرض الكتاب في نسخته  24 ، والذي لقي إقبالا “كبيرا ” وزارته أفواج من الزائرين من مختلف المدن المغربية للتعرف على الكتب والمؤلفات والقصص والمجموعات الشعرية والدينية وكل ما جد في عوالم العلم والمعرفة ،كما أن العديد من المؤسسات التعليمية نظمت زيارات لتلاميذها لهذا المعرض، ويدخل ذلك في مجال الأنشطة التي تقوم بها كل مؤسسة تعليمية سواء كانت عمومية أو خصوصية. وما شجع كثيرا على ذلك هو أن هذا المعرض موسمي، أي أنه ينظم كل سنة . واستحضارا لدورات سابقة ، يلاحظ أن أروقة القصص والروايات هي المفضلة لدى أغلب الزوار من التلاميذ والمرتبطين بالمجال التربوي عموما، بالإضافة إلى أروقة ما هو جديد بالمناهج الدراسية.
إلا أن الملاحظ أن هذا الإهتمام سرعان ما يتلاشى بعد أن تنتهي المدة الزمنية الخاصة بالمعرض ويبقى بعدها التداول الممزوج بالتباهي ونوع من الافتخار لكل من زار هذا المعرض  ، خصوصا إذا كان الزائر من خارج الدارالبيضاء، بعدها ينقطع الحبل الرابط بين الأغلبية والمطالعة أو القراءة.
وما يحز في النفس هو “تذبذب” نشاط المكتبات المدرسية ، وهو الشيء الذي يساهم في تزايد مظاهر العزوف الجماعي عن القراءة، بعد إغلاق عدد كبير منها لعدم وجود  ( القيمين ) عليها ، وذلك راجع للخصاص الفظيع للموارد البشرية بوزارة التربية الوطنية، الشيء الذي جعل بعض رؤساء المؤسسات التعليمية يحولونها إلى قاعة متعددة الاختصاصات أو أي شيء آخر، ما عدا القراءة ؟.
وشيء طبيعي ان يؤثر ذلك على التلميذ أو الطالب في التثقيف والتمكن من تركيب المفردات والجمل وتوسيع ذاكرة الخيال المؤدي إلى الإبداع في الكتابة وفي التعبير وفي الحوار والنقاش. وهذا ما يفتقد لدى نسبة كبيرة من تلاميذنا وطلابنا اليوم.
وأكثر من ذلك ، وفي إطار الأيام التحسيسية التي نادت بتنظيمها الوزارة الوصية عن القطاع والخاصة بالعنف بالمحيط المدرسي، تبين أن من أسباب هذا العنف الذي اخترق أسوار المؤسسة التعليمية العمومية بشكل خاص ووصل إلى تعنيف الإطار التربوي،  هو عدم قدرة التلميذ على مسايرة أي حوار ومع أي كان، لعدم قدرته المعرفية على إيجاد كلمات هذا الحوار. فمخزونه في هذا المجال ضعيف جدا ،   ينفد سريعا فيلجأ هذا الأخير إلى مخزونه “العادي” المتوفر والمتجلي في الكلام الساقط والنابي الذي غالباً ما يكون المدخل والمقدمة لمجال العنف والتعنيف .
وتبعا لكل ما سلف ، تتبين جسامة عدم الاهتمام بالقراءة، ومدى خطورة إهمال المكتبات داخل المؤسسات التعليمية ودور الشباب ومن طرف المجتمع المدني الذي غيب بشكل فاضح جانب القراءة ؟


الكاتب : محمد تامر

  

بتاريخ : 23/02/2018