توارد مخاطر

«قد نشترك في الجلوس على نفس الكراسي، لكننا لا نشترك في نفس الهويان» ريني شار

«لا تحس الشجرة بواجبها في البكاء على ما ضاع منها.. ولأنها تمنح الظل حتى لقاتلها، فيكفي أن تطمئن لظلها الممتد كأثر حياة لتتخلص من نيران الأحقاد.. ولأنها لا تعلم مصائر أطرافها، فقد استغرقها تفكير حزين في بحر تأملات مجردة.. انبنت عليه أسئلة وجودية، طفيفة تسائل تاريخ الحطب.. هنا غيض من فيض ما أسعفها البوح به لنا، شجرة رفضت ذكر اسمها، نعيد صياغته بضمير الغائب، كي لا ترمينا أي شجرة بتهمة السب والقذف».
أيهما أجدى: خشب للحطب، هبة لإلاه الرماد ولدفء أيتام الأطلس أيام الصقيع، أم خشب تمثال يزين منزلا باردا، بلا حب ولا فن.. باب لتلصص الفضوليين ونافذة يحط عليها الغمام أو زوج حمام.. سقف بيت للأمل ولاستمرار النسل والأحلام، أم كرسي بارد في حديقة مهجورة، حيث لا غيث ولا شدو؟ أي أطراف الشجرة أسعد، خشب تحول إلى ورد الخلود وترياق الحضارات أم ذاك الذي ترقى في مراتب العدل، منصة المتهم أو مطرقة المحكمة في يد قاض يدق الخشب بالخشب لفرض هبة الصمت، أساس الحكم.. خشب يهتك عرض المطرقة الحديدية أو الفأس الصدئ أم خشب مائدة يجتمع حولها عاشقان، أو مكاتب تزور عليها الوثائق وتعقد عليها مآدب اللئام؟ خشب محراث لا يريد التسلل عميقا في التربة كي لا يجرح أسرار الحقل، أم خشب لصنع مشنقة الحلم أو كرسي الإعدام الرؤوم بالعباد، أم أنين خشبة آلة الكمان في يد عازف مبتدئ؟
أي أطراف الشجرة أشقى: التي في الأسفل أم في الأعلى، خشب المهد أم خشب اللحد.. عود الصعود أم مدارج الهبوط، خشب المدارج الملتوية أم المستقيمة.. قبضة سكين تصلح لاعتراض سبيل المارة أو لجز رؤوس الثوم أو البصل.. خشب نبال الحروب الذي يصنع الهزائم والانتصارات.. عصا حارس ليلي أو أعرج للحفاظ على إيقاع الخطو وتوازن الوجود أم عكاز ينير الضياء لخطوات العتمة؟ خشب في مكتبة باذخة أم خشب رف تأكله الوحدة قبل السوس، أم خشب في جسر على نهر من سحاب؟
إطار لوحة تقي الجدار من ظلال العزلة.. وخشب بالصدفة كان سريرا للحلم وحارسا للرغبات، أو صندوقا للأسرار وخزانا للذكريات المعتقة ودموع الفرح.. خشب الصليب للتكفير عن أخطاء البرية، أم خشب في عربة يجرها حمار يضرب بعصا خشبية من أعلى، عصا خرجت من الجنة مطرودة لعصيان ما أو هداية للكائنات؟
قارب للنجاة أو يخت لرهافة الوقت.. كرسي يؤرخ للمؤخرات أم كرسي منعزل ويتيم يشكو فجائع جوعه لطاولة بها أشهى المأكولات وأطيب المشروبات والأحلام والذكريات، أو خشب إطار ساعة لسجن الوقت وتعليقه انتقاما على جدار بارد؟
هل يختار عود الشجر مصيره بعيدا عن مشيئة منشار الحطاب؟ أي الخشب أسعد في أي غابة.. خشب شجر الدوح، الزقوم، الزيزفون، السدر، الكاليبتوس، العليق، الذراق، السرو، العرعار، الصفصاف أو التين.. أيها يحس بجراح الذبح أكثر؟
الغابة لو تؤذ أحدا وبناتها تمنح ظلها للحطاب، فكيف ترسل فلذات كبدها إلى جحيم الحروب، موائد النيران، المنازل، المدارس، المحاكم، طعم المواقد والمواجع الأخرى.. ولم لا يدخل السجن الخشب هل لأنه بقلب هش أم لأنه بلا دليل جريمة؟


الكاتب : عبد العزيز كوكاس

  

بتاريخ : 21/02/2020

أخبار مرتبطة

روني شار يقول بأن على الشاعر أن يستيقظ قبل أن يستيقظ العالم لأن الشاعر حافظ وجوه الكائن اللانهائية.شعراء أساسيون مثل

رَفَحْ جرحٌ أخضرُ في مِعْصم غزَّةَ، وَنَصْلٌ في خاصرة الريحِ. ماذا يجري؟ دمُ عُرسٍ يسيلُ أمْ عروسُ نِيلٍ تَمْضي، وكأنَّ

– 1 – هل الرمز الشعري الأسطوري ضروري أو غير ضروري للشعر المغربي؟ إن الرمز الأسطوري، اليوناني، خاصة، غير ضروري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *