جلالة الملك يجدد ببرازافيل التزامه الثابت والراسخ من أجل القارة الإفريقية

قادة أفارقة يدعون في افتتاح أشغال القمة الأولى لرؤساء الدول والحكومات للجنة المناخ والصندوق الأزرق لحوض الكونغو إلى تنمية نهر الكونغو

 

دعا عشرة قادة أفارقة في قمة بكينشاسا، يوم الأحد الماضي، إلى تنمية نهر الكونغو وغاباته الاستوائية وطالبوا المانحين الدوليين بدعم مالي لهذا الغرض.
وقال رئيس الكونغو برازافيل دنيس ساسو نغيسو “أدعو جميع شركائنا الماليين إلى الوفاء بوعودهم وإلى مواكبتنا من خلال دعمهم (..) يجب أن نكون بمستوى مسؤولياتنا”.
وشارك في القمة إضافة إلى جلالة الملك محمد السادس والرئيس نغيسو رؤساء رواندا بول كاغامي وغينيا الاستوائية تيودورو اوبيانغ والسنغال ماكي سال وانغولا جواو لورينشو والغابون علي بونغو وإفريقيا الوسطى فوستين ارشانج تواديرا والنيجر محمد يوسف وغينيا الفا كوندي وساو تومي وبرنسيب ايفاريستو كارفالهو، في المقابل لم تتمثل الكونغو الديموقراطية أكبر دول المنطقة والوحيدة التي يعبرها نهر الكونغو بالكامل، إلا على مستوى وزاري.
ودعا جلالة الملك محمد السادس إلى الحفاظ على نهر الكونغو وتنميته وأيضا إلى تنمية الغابات الاستوائية.
وقال “إذا أردنا حماية الكرة الأرضية (..) علينا تحويل اقتصاداتنا على قاعدة التنمية المستدامة” مضيفا “أن التحدي البيئي لم يعد ينظر إليه كتهديد بل كأولوية”.
وحوض الكونغو يضم 220 مليون هكتار من الغابات وهو ثاني أكبر غابات العالم بعد الامازون. وتعبر سلسلة غابات الكونغو خصوصا الكونغو الديموقراطية والغابون والكونغو برازافيل.
والمشاريع المطروحة للتمويل تتمثل خصوصا في تحسين طرق الملاحة وإقامة سدود مائية وتعزيز أنظمة الري والصيد.
ويجسد الخطاب المؤسس الذي ألقاه جلالة الملك محمد السادس، الأحد ببرازافيل، في افتتاح أشغال القمة الأولى لرؤساء الدول والحكومات للجنة المناخ والصندوق الأزرق لحوض الكونغو، من خلال قوة وأهمية مضمونه، الالتزام الملكي المتجدد من أجل الإقلاع المشترك لقارة إفريقية موحدة وقوية تسير بثبات نحو تحقيق التنمية الشاملة والمندمجة.
وهكذا، جدد جلالة الملك الذي أجمع قادة الدول الحاضرون ببرازافيل على الإشادة بمبادراته النبيلة من أجل إفريقيا، التزامه الثابت والراسخ من أجل القارة الإفريقية، وهو الالتزام الذي يشكل الركيزة الأساسية في السياسة الخارجية التي تنتهجها المملكة.
أفلم يؤكد جلالة الملك في خطابه السامي أن توحد البلدان الإفريقية يظل السبيل الأمثل لرفع مختلف التحديات التي تواجهها القارة ؟
فمن خلال هذه الوحدة، فإن الدول الإفريقية – يؤكد جلالة الملك “ستتغلب على كل الصعاب والتحديات التي تعترض سبيلنا، وترسي نموذجا رائدا كدول قادرة على التحكم في زمام أمورها، وتغيير واقعها، من منطلق الرؤية والطموح اللذين يوحدانها، والأخذ بالأسباب الكفيلة بقيام قارة موحدة، تعتز بهويتها المتعددة وبجذورها المتنوعة، وتمضي بخطى ثابتة على درب التقدم”.
وهنا يتعلق الأمر برؤية ملكية تجلت في كامل بهائها خلال السنوات الأخيرة، وذلك بفضل الزيارات المتعددة التي قام بها جلالة الملك لمختلف الأقطار الإفريقية، من غرب إفريقيا إلى شرقها ووصولا إلى المناطق الأكثر بعدا بجنوب القارة.
ولعل المشاريع التنموية والشراكات التي أطلقها جلالة الملك خلال تنقلات جلالته بالقارة، لهي خير شاهد على كثافة الالتزام من أجل إفريقيا.
ولقد جاءت هذه المشاريع، التي تتميز بقيمتها المضافة العالية وتأثيرها المباشر والفعال على الحياة اليومية للساكنة، لتطبع بشكل جيد هذه الإرادة الراسخة لجلالة الملك من أجل القيام بعمل مشهود لفائدة قارة إفريقية تستحق أن تتوفر على الموارد الضرورية التي تمكنها من الأخذ بزمام شؤونها.
وبرأي الخبراء ومراكز البحوث الإفريقية والأجنبية، فإن المقاربة الملكية للتنمية المندمجة بإفريقيا، تفرض نفسها بفضل طابعها الشامل والمتفرد.
وفي الواقع، فهي تمس جميع المجالات الحساسة بالنسبة لمستقبل القارة: من التنمية البشرية إلى القطاعات المجددة التي تشكل هندسة اقتصادات القرن الواحد والعشرين.
والأكيد أن البيئة، وتحديدا مكافحة التغيرات المناخية، تحتل مكانة جوهرية في سياق هذه الرؤية. وهنا، يتعلق الأمر يإدراك حقيقة لا تكاد تخفى عن أحد: إفريقيا، القارة التي تساهم بأقل قدر في الاحتباس الحراري لكوكبنا الأرض تعد الضحية الأولى للتغيرات المناخية.
وانطلاقا من هذه القناعة، حرص جلالة الملك ضمن خطابه السامي ببرازافيل، على التأكيد أنه، وفي سياق بناء إفريقيا الغد، يتعين أن يكون الحفاظ عل البيئة أساس الإقلاع المشترك للقارة والقاعدة التي سيشيد عليها نموها المندمج.
ويبدو جليا أن التزام جلالة الملك من أجل كل مبادرة تتغيى تحسين المعيش اليومي للإنسان، ليست وليدة اليوم.
إنه التزام تجسد منذ اعتلاء جلالة الملك عرش أسلافه الميامين، ليتجلى بعد ذلك في قالب أكثر واقعية هدفه تحقيق إقلاع القارة الإفريقية.
وهكذا، فإن خطاب برازافيل يأتي لتعزيز هذه الرؤية الملكية الحريصة على مصاحبة التغيرات العميقة التي تشهدها القارة، وذلك بروح من التضامن الفاعل، قصد رفع التحديات التي تنتظر إفريقيا الغد في إطار الوحدة.
وفي هذا الصدد يقول جلالة الملك “ينبغي أن نعمل سويا على مراعاة ارتفاع حرارة الأرض، وما يتصل به من مخاطر في مختلف سياساتنا، وعلى تحويل اقتصادياتنا، بما يجعلها تستجيب لمتطلبات التنمية المستدامة”، قبل أن يؤكد جلالته أن ‘المملكة المغربية لن تذخر أي جهد في سبيل تفعيل المشاريع الكبرى المهيكلة لقارتنا”.
ولعل هذا هو مغزى السياسة الإفريقية التي تنتهجها المملكة، والتي تجسدت من خلال الخطاب الملكي السامي، السياسة القائمة على توحيد جهود الأفارقة وتوجيههم نحو بناء إفريقيا قوية وموحدة، إفريقيا متحررة من الهواجس والمعيقات القديمة، والمتجهة بثبات صوب مستقبل أفضل.
وفي هذا الإطار قال المحلل السياسي مصطفى طوسى، إن الخطاب الذي ألقاه جلالة الملك محمد السادس أمام قمة لجنة المناخ والصندوق الأزرق لحوض الكونغو برازافيل، يجسد التزام المغرب لفائدة القضايا الكبرى لتنمية القارة الافريقية.
واضاف طوسى في مقال نشر بالموقع الفرنسي (اطلس أنفو) تحت عنوان “محمد السادس ، التزام ايكولوجي في خدمة افريقيا “انه بعد أن وقع على عودته المظفرة الى أسرته الإفريقية، فرض المغرب نفسه عبر الخطاب الملكي ببرازافيل كقوة محركة للتنمية بالقارة الإفريقية، وحاملا لانشغالاتها”.
وذكر كاتب المقال في هذا الصدد بالمقاربة الشاملة التي تنهجها المملكة من أجل الدفع بقطاعات متعددة، وخلق مناصب الشغل، وحماية موارد إفريقيا.
وتساءل طوسى من من غير المغرب، البلد الذي يشكل همزة وصل بين أوروبا وإفريقيا، والذي نظم مؤتمر (كوب 22)، والقمة الإفريقية حول المناخ، التي انطلقت منها المشاريع الكبرى التي نوقشت ببرازافيل، يمكن أن يكون حاملا بقدر كبير من الرجاحة والواقعية للانشغالات الايكولوجية التي تواجهها القارة الإفريقية .
وأكد المحلل السياسي أن جلالة الملك محمد السادس يعبر عن الطموح الإفريقي في بعده القاري، معتبرا أن جلالته يعد من القادة القلائل جدا الذين يجسدون هذا الطموح بمصداقية مؤكدة.
وقال إن مشاركة جلالة الملك محمد السادس، وخطابه ببرازافيل شكلا مناسبة لإبراز إلى أي درجة يعتبر المغرب منخرطا في المسلسل الطويل والشاق، للتغير الهيكلي للاقتصاد الإفريقي كي يتمكن مواطنو القارة من الاستفادة الفورية منه، وضمان مستقبل أطفالهم .
وأكد أن الالتزام الافريقي لجلالة الملك محمد السادس، في شقه البيئي، جاء ليذكر الرأي العام الإفريقي، بحجم الريادة التي يضطلع بها المغرب في المعركة الحاسمة من أجل القارة وسكانها واقتصاداتها .
وخلص مصطفى طوسى إلى أن المملكة المغربية تحتل مكانة في قلب الأفارقة كقوة محركة للازدهار، والمشاريع الاقتصادية، مؤكدا أن المغرب يعمل من أجل المصلحة المشتركة، والازدهار الاقتصادي للجميع .
من جانبها أكدت النائبة بالبرلمان الأوروبي رشيدة داتي، الأحد، أن جلالة الملك محمد السادس، أكد مرة أخرى، بمناسبة قمة لجنة المناخ والصندوق الأزرق لحوض الكونغو، مدى قيادته المتبصرة والمفعمة بالأمل بالنسبة للقارة الإفريقية.
وأوضحت داتي في بلاغ أن ” جلالة الملك محمد السادس، والذي جعل من المملكة المغربية رائدة في مجال مكافحة الاحتباس الحراري من خلال تنظيمها، بنجاح باهر، المؤتمر ال 22 لأطراف اتفاقية الإطار للأمم المتحدة حول التغيرات المناخية (كوب 22)، يؤكد مرة أخرى، ومما لا شك فيه، أنه أحد الزعماء الأفارقة القادرين على رفع تحدي محاربة التغيرات المناخية بالنسبة لإفريقيا وما وراءها “.
وأشارت النائبة الأوروبية الفرنسية رشيدة داتي إلى أن المغرب، وبفضل جلالة الملك محمد السادس، يبرهن أيضا على أنه ” منخرط بشكل كامل في إعادة بناء روابطه مع قارته – إفريقيا – بفضل تطويره لعلاقة موجهة نحو المستقبل وتفعيل مشاريع استراتيجية تعود بالنفع على التعاون المشترك الإفريقي والاندماج الإقليمي”.
واعتبرت داتي أن الصندوق الأزرق لحوض الكونغو، الذي أحدث بمبادرة من جلالة الملك خلال قمة العمل لإفريقيا والتي انعقدت في نونبر 2016 على هامش كوب 22، سيكون من الآن فصاعدا قابلا للتنفيذ من طرف هذه القمة التاريخية، بفضل تعبئة الموارد المخصصة لدعم الاقتصاد الأزرق، والاقتصاد الأخضر ومحاربة التغيرات المناخية والفقر” .
وقالت داتي ” بدقة كبيرة، ذكر جلالة الملك محمد السادس في خطابه بأن حوض الكونغو، والذي يضم 220 مليون هكتار من الغابات، يعد ثاني مصدر للأكسجين في العالم. فجلالة الملك منخرط بلا كلل ليس فقط من أجل مستقبل القارة الإفريقية، بل من أجل مستقبل هذه الأرض” .
وأشارت إلى أنه ” لا يمكننا، من أوروبا، إلا أن نشيد بهذه المبادرة الرائعة ” مبرزة أن ” إفريقيا، البعيدة عن تماطل الأوروبيين، تجسد، بفضل هذه القمة الالتزامات التي تم اتخاذها خلال قمة باريس حول المناخ، وفاء منها بفكرة أن الوعي العالمي بالتغيرات المناخية يجب أن يخلق أكثر من مجرد التزامات عادية”.
وأضافت قائلة ” إن على الاتحاد الأوروبي أن يستلهم بكل تواضع من ريادة المغرب في القارة الإفريقية وجعله شريكا استراتيجيا رئيسيا في محاربة الاحتباس الحراري “.
وخلصت إلى أن ” هذه القمة تؤكد مرة أخرى، أن زمن فرض بلدان الشمال، من خلال منح المساعدات من أجل التنمية، قراراتها على نظيراتها بالجنوب، قد ولى. فإفريقيا، ومن خلال حفاظها على تراثها المتمثل في نهر الكونغو، تتموقع كفاعل رئيسي لا محيد عنه في الحرب العالمية ضد الاحتباس الحراري”.
وخلال القمة الأولى للجنة المناخ والصندوق الأزرق لحوض الكونغو أشاد قادة الدول ورؤساء الحكومات، بالدور الرائد الذي يضطلع به جلالة الملك محمد السادس ورؤيته الحكيمة بخصوص إفريقيا قوية وفاعلة.
وهكذا، أشاد القادة المشاركون، في البيان الختامي الذي توج أشغال الدورة الأولى لقمة قادة الدول ورؤساء الحكومات الرامية إلى أجرأة وتفعيل لجنة المناخ لحوض الكونغو والصندوق الأزرق لحوض الكونغو، ب”الدور الرائد الذي اضطلع به جلالة الملك محمد السادس ورؤيته من أجل افريقيا قوية وفاعلة، والتي يتم بلورتها، بالخصوص، من خلال تقوية الالتزام الافريقي في مجال محاربة التغير المناخي وتعبئة جميع الرافعات المبتكرة والمهيكلة من أجل خدمة التنمية المستدامة والشاملة للقارة”.
كما نوهوا بكل حرارة بالحضور الاستثنائي لجلالة الملك محمد السادس في هذه القمة، والذي جاء ليجدد التأكيد على التزام جلالته الراسخ من أجل إقلاع مستدام مشترك لافريقيا.
ومن جهة أخرى، أشاد قادة الدول ورؤساء الحكومات، في البيان الختامي، بريادة المملكة المغربية واستعدادها الدائم، باعتبارها شريكا مؤسسا، لتقاسم تجربتها وخبرتها المشهودة من أجل البحث عن إجابات مبتكرة وملموسة للتحديات التي تفرضها التغيرات المناخية، وذلك في إطار تعاون جنوب-جنوب طموح، كفيل بضمان تنمية منسجمة ومستدامة في إفريقيا.
كما حرص المشاركون في القمة على التنويه بالتزام المملكة المغربية، التي وقعت على مذكرة التفاهم المتعلقة بأجرأة الصندوق الأزرق لحوض الكونغو، بالعمل من أجل مواكبة مسلسل تفعيل هذه الآلية المالية ولاسيما من خلال الدعم التقني الذي يوفره مركز الكفاءات للتغيرات المناخية.
واستحضروا في هذا السياق التوصيات الصادرة عن “قمة العمل الإفريقية” التي انعقدت بمبادرة من جلالة الملك محمد السادس، في نونبر 2016 بمراكش على هامش مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (كوب 22)، والتي شددت على تحقيق إقلاع مشترك للقارة الإفريقية، وما تمخض عن هذه القمة من إعلان عن إحداث ثلاث لجان، الأولى خاصة بمنطقة الساحل، تحت رئاسة جمهورية النيجر، والثانية خاصة بحوض الكونغو، برئاسة جمهورية الكونغو، والثالثة خاصة بالدول الجزرية برئاسة جمهورية السيشل.


بتاريخ : 05/05/2018