حراك الريف فرصة لتفعيل مبدأ التضامن الوطني

 

الريف جزء عزيز من وطن أسهم أبناء الريف في الذود عن وحدته واستقلاله وكرامته الوطنية. ومن ثم من حق أهل الريف، كما هو حق المغاربة قاطبة، أن يتظاهروا وأن يحتجوا تعبيرا عن تذمرهم من أوضاع اقتصادية واجتماعية متردية تضافر في نسجها ظلم الجغرافيا وعنف التاريخ وجور السياسة.
ما تعيشه الحسيمة وضواحيها اليوم من احتقان اجتماعي شبيه بعصيان مدني أمر لا يجب الاستهانة به، ولا ينبغي أن يكون موضوع مزايدات ولا محط رهانات سياسوية بئيسة، وفي ذات الوقت من الخطأ أن تختار الدولة المقاربة الأمنية في التعامل مع حراك الريف لأنها مقاربة لم تنجح أبدا في معالجة الأسباب الموضوعية والحقيقية للغضب الشعبي، وقد تؤدي في حالة قمع وإسكات صوت المحتجين إلى تعميق الشعور ب”الحكرة” وتغذية النزوع إلى التمرد.
فواقع التهميش والإقصاء قاسم مشترك بين كثير من مناطق المغرب العميق، مغرب الهامش، وهو نتاج جور بيّن وفاضح في توزيع الثروة الوطنية وفي تعبئة الإمكان التنموي لمختلف الجهات، كما أن الشعور بالغبن و”الحكرة” هو وليد استفحال الفوارق الاجتماعية ومستويات العيش بين مختلف الفئات الاجتماعية، بسبب اقتصاد ريعي ورأسمال جشع وغير اجتماعي، فاقد لأي حس وطني، نشأ وترعرع في أحضان الفساد السياسي والإداري، وتمكنت رموزه من الهيمنة على المشهد السياسي الذي فقد جراء ذلك بالذات صدقيته، حتى أضحت الأحزاب كلها غير قادرة اليوم على تأطير الحركات الاحتجاجية وترشيد فعلها النضالي.
إزاء هذا المأزق الذي يحبل بمخاطر لا يجوز استصغارها آجلا أم عاجلا، على الحكومة المغربية أن تبادر إلى إعداد مخطط تنموي تشاركي يهم إقليم الحسيمة في مرحلة أولى والعمل على تعميمه على كل المناطق المهمشة في مرحلة ثانية. وبما أن تعبئة الموارد المالية تمثل بلا شك حجر الزاوية في أي مشروع من هذا القبيل، فإن الحل الممكن والناجع هو إسهام أثرياء المغرب الذين راكموا أموالا طائلة على حساب التماسك الاجتماعي الوطني والعدالة الاقتصادية في إحداث صندوق التنمية للمناطق الأقل نموا. وإذا كانت ثقافة هؤلاء لا تسعفهم على المبادرة، فمن حق الدولة أن تلزمهم بذلك من باب رد الدين للدولة والمجتمع معا. لقد استفاد أثرياء المغرب من امتيازات لا حصر لها ( إعفاءات ضريبية على أهم القطاعات الإنتاجية، مؤسسات بنكية ومالية لتمويل الاستثمار الخاص، تفويتات لأملاك الدولة بأثمان رمزية، مأذونيات ورخص للاستغلال…)، أفلا يحق اليوم مطالبة هؤلاء بالإسهام الطوعي في المجهود التنموي المطلوب، ليس فقط لتفعيل مبدأ التضامن الوطني الذي كان من وراء مبادرات سابقة (صندوق 111 لمحاربة آثار الجفاف، اكتتاب بناء مسجد الحسن الثاني)، وإنما دعما للأمن والاستقرار الذي ينعم به وطننا، وهي نعمة لن تدون سوى في ظل مغرب الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
إن ترك الحبل على الغارب أو الرهان على القبضة الحديدية لن يزيد الغضب الشعبي إلا تأججا، ومساحة العنف سوى توسعا والدعوات المتطرفة والعدمية سوى انتشارا، خاصة بين شباب يائس ومحبط، وفي ظل عجز كلي لمؤسسات الوساطة على التأثير في مسار الأحداث.


الكاتب : عبد السلام الرجواني

  

بتاريخ : 28/06/2017