حسن بنطسيل لـ«الاتحاد الاشتراكي»: النقاش حول تدريس اللغة العربية في فرنسا يشوبه سوء النية في بعض الأحيان

حول الجدل الأخير الذي شهدته فرنسا بخصوص تدريس اللغة العربية بمدارسها، طرحنا مجموعة من الأسئلة على الأستاذ حسن بنطسيل من جامعة باريس نانتير وهو متتبع للشأن الفرنسي وكذلك للقضايا اللغوية والثقافية بفرنسا. أسئلة لفهم هذا الجدل وخلفياته بالإضافة الى معرفة تأثير اللغة العربية على الفرنسية الذي مازال مستمرا حتى الآن ولم يقتصر على الماضي.

n كيف تتبعت النقاش والجدل الذي عرفته فرنسا حول  التوصية التي قدمها  حكيم القروي  حول تدريس العربية والتجاوب الذي قابلته من طرف وزير التربية الوطنية ميشال بلانكير،  والتي  وجدت معارضة كبيرة خاصة لدى اليمين المتطرف أو اليمين المحافظ بصفة عامة، تحت عدة تبريرات  وهي «أسلمة» فرنسا ونشر التطرف، كيف تفسر هذا العنف الذي  واجهه هذا المقترح؟
pp لنضع أولا ملاحظات ميشال بلانكير في سياقها الموضوعي بعيدا عن التهويل والسياسوية التي طبعت نقاشا مفتعلا حول اللغة العربية وتدريسها في جميع أسلاك التدريس في مدارس الجمهورية الفرنسية،  بدءا بالتعليم الأولي ومرورا بالتعليم الابتدائي والثانوي ووصولا الى التعليم الجامعي بأسلاكه. فوزير التربية والتعليم الفرنسي اعتبر خلاصات توصيات مؤسسة موتاني للبحث والدراسات في تقريرها (تقرير فاق 600 صفحة)الأخير، والمفصل حول أسلمة مجموعة من القطاعات بما فيها تدريس اللغة العربية في فرنسا  للمتعلمين من أصول عربية ومغاربية بالخصوص من طرف جمعيات يطغى عليها التطرّف في أغلب الأحوال، وتنقصها الشفافية في مجتمع لم تندمل فيه بعد جروح العمليات الإرهابية التي ارتكبت باسم الدين الاسلامي السمح. فهدف وزير التعليم الفرنسي هو رد الاعتبار للغة العربية وتدريسها على أوسع نطاق من طرف جسم تعليمي مكون أحسن تكوين . فانطلاقا من اعتباره اللغة العربية ركنا من أركان التنوع الثقافي للبشرية واعتبارا أن اللغة العربية هي إحدى اللغات الأكثر انتشارا واستخداما في العالم، إذ يتكلمها يوميا أزيد من 290 مليون نسمة من سكان المعمور. وهذا هو الأهم فميشال بلنكير لم يتكلم عن إحداث دروس للغة العربية وإنما «دمقرطة» تدريسها وإخراجها من دهاليز الضواحي الهامشية لمختلف المدن الكبرى الفرنسية. كيف لا ومناهج التعليم الفرنسية متمرسة في هذا الباب إذ يعود إحداث أول ديبلومات  بما فيها Agrégation و Capes اللغة العربية الى سنة 1905. واللغة العربية تدرس في أعرق ثانويات باريس ، كثانوية هنري الرابع وثانوية لوي لوغران، ناهيك عن شعب اللغة العربية هنا وهناك في الجامعات الفرنسية وعلى رأسها معهد اللغات الشرقية بباريس.

n هل هناك خوف مرضي  لدى بعض سياسيي فرنسا من العربية، التي رغم الروابط التاريخية التي تجمعها بفرنسا، كشفت الإحصائيات ضعف تدريسها مقارنة مع الصينية والروسية؟
pp المجتمع الفرنسي كباقي المجتمعات الأوروبية الاخرى يجتاز  أزمة مرحلية على ما أعتقد هي أزمة هوية، نتيجة لتوافد عدد كبير من المهاجرين غير الشرعيين مما يصعب معه تحقيق اندماج سليم للوافدين الجدد، ناهيك عن أن السياسيين الفرنسيين منشطرون الى فئة تنادي بالإنصهار التام للوافدين الجدد وتخليهم عن عاداتهم وتقاليدهم ولغتهم، وفِي بعض الحالات حتى عن أسمائهم الأصلية ويعتبرون تشبث المهاجرين بلغتهم الأصل عائقا أمام هذا الانصهار. أما الفئة الثانية من السياسيين الفرنسيين والتي تُعتبر الأكثر احتراما لحقوق الإنسان وحقوق الأفراد، فهي ترى في توافد هذه الهجرة الجديدة على المجتمع الفرنسي إثراء، وأن أي تنوع ثقافي هو إيجابي إقتصاديا وثقافيا، وأن هوية متوازنة لهؤلاء للمهاجرين خصوصا الجيل الثاني والثالث منهم سيُسهم في تربية مواطنين يعرفون من أين أتوا والى أين هم «ذاهبون». وتوفير تدريس اللغة العربية وِفْق مناهج شفافة وحديثة شيء ضروري لتحقيق  عملية الإدماج في المجتمع الفرنسي. إلا أن النقاش حول تدريس اللغة العربية في فرنسا يشوبه سوء النية في بعض الأحيان، نتيجة لحسابات سياسوية بعيدة عن النقاش الرصين. وكنموذج على ما أقول، مداخلات الوزير السابق للتعليم لوك فيري فهو عوض الصمت أو تنوير الرأي العام الفرنسي حول وضع تدريس اللغة العربية من طرف وزارة التعليم الفرنسية، وهو العارف بخبايا التعليم الفرنسي، بمداخلته المتحاملة على الإسلام والمسلمين أنكر على اللغة العربية تواجدها بل وتجذرها في منظومة تعليمية فرنسية منذ 1905، إرضاء لرأي يسود ناخبيه هذا الرأي النافر من كل هو أجنبي ودخيل على المجتمع الفرنسي. ما تبع هذه المبادرة لوزير له من الشعبية والحنكة التي ستخدم انتشار تعليم اللغة العربية، بما فيها من فصحى ومن لهجات، هو من باب البوليميك ليس إلا وشبه مواضيع يركب عليها اليمين المتطرف واليمين الجمهوري المصاب بعدوى التطرّف والراكض وراء تيمات اليمين المتطرف. عملية التهويل هذه لا تعدو كونها طارئا عابرا لا يمس في العمق قافلة تدريس العربية للمواطن الفرنسي التي تفتح له الآفاق على لغة حضارة ومعرفة ذات أبعاد إنسانية.

n الاحتفال باليوم العالمي للعربية باليونيسكو كان متميزا هذه السنة؟
pp الاحتفاء باللغة العربية في سياق مثل الذي نعيشه والذي يشبه الى حد كبير ما أسماه هنتنغتون «صراع الحضارات»،هو نوع من رد الاعتبار لهذه اللغة وللمتكلمين بها، فالسياق الخاص الذي تعرفه فرنسا منذ العمليات التي أودت بحياة أكثر من 265 فردا في باريس وفي مدينة نيس جنوب فرنسا، أصبح بعد ذلك كل ما هو عربي يخيف ويزرع نوعا من الرهبة في نفوس المتلقين . المنابر الرسمية للدولة الفرنسية أو المنظمات الدولية مثل منظمة اليونيسكو كونها تستمر في تخليد هذا اليوم للاحتفاء باللغة العربية، هو نوع من الاحترام لها و لهذه الحضارة العربية.

n بمعنى أن كتابا فرنسيا مثل كتاب « أجدادنا العرب وما تدين به لغتنا إليهم»هو مستفز في مثل هذه الظروف التي تعيشها فرنسا اليوم؟
pp كتاب «أجدادنا العرب وما تدين به لغتنا إليهم» لجون بيغيغو هو كتاب بالأساس أكاديمي، ولا يدخل في إطار الكتب التي تجتذب أكبر عدد من القراء،ورغم أكاديميته فهو تلميع وتحسين صورة التاريخ والحضارة العربية ويسهم أيضا في إقناع الرأي العام أن ما تتناقله وكالات الاعلام الدولية من عمل إجرامي تقوم به أقليات فقط، وأن الحضارة العربية ساهمت بشكل كبير في بناء الحضارة الانسانية و الدليل على ذلك هو التلاقح الذي يوجد في علاقتها باللغات الأخرى.والتأثير الذي مارسته اللغة العربية والذي هو موجود في الكتاب الذي ذكرت في سؤالك، هو نفس التأثير الذي مارسته على لغات أخرى مثل اللغة الاسبانية،الإنجليزية والألمانية، كلما كان هناك احتكاك مع هذه اللغة وشعوبها من تبادل نبيل وهو ما يعكسه هذا التواجد الكبير لمعجمها في باقي اللغات مثل الفرنسية.
والعربية لها دور في نقل العديد من العلوم الى الفرنسية. فمثلا ابن ميمون وابن رشد كانوا وراء ترجمة مخطوطات وكتب من الفلسفة اليونانية وهي التي وصلت الى أوربا. ولولا هذه الترجمة العربية ما وصلت هذه المعرفة الى بلدان مثل إسبانيا وفرنسا وغيرها من البلدان الاوربية،وهو ما يبين لنا أن أية حضارة تتقدم بالانفتاح والتلاقح مع الحضارات الاخرى وليس بالانكماش والانغلاق على الذات.أي زائر لإسبانيا اليوم يرى المعمار والآثار التي تدل على عظمة هذه الحضارة،والتي يمكن أن تعطي إذا توفرت لها الحرية، لأنها تحمل في طياتها معاني كبيرة للقيم الانسانية . والكراهية والعنف الذي نرى اليوم لا يمكن إلصاقه بهذه الحضارة وما نراه اليوم بالعالم العربي هو نتيجة انتشار الجهل في المنطقة والأرقام القياسية للأمية، وهو ما تعكسه كل الارقام والدراسات الموجودة اليوم في بلد مثل إسبانيا ينشر من الكتب سنويا أضعاف وأضعاف كل ما ينشره 22 بلدا عربيا مجتمعة اليوم.والأمية والجهل الذي تعيش عليه هذه المنطقة اليوم هو الذي يوجد وراء ترسيخ العنف والكراهية بهذه البلدان.

n هناك نقاش حاد بالمغرب حول المدرسة واللغة، وذلك إثر إدخال بعض الكلمات الدارجة الى المقرر الدراسي؟ وقسم هذا النقاش المجتمع بين مؤيد ومعارض لهذه الخطوة؟ ما رأيك في هذا النقاش، وهل يجب منع تفاعل اللغة العربية مع الدارجة المتداولة يوميا؟
pp بالنسبة للجدل /اللغط اللغوي من جراء إدراج كلمات تنتمي للقاموس العامي في أحد كتب المطالعة غير المقررة من طرف وزارة التربية والتعليم نحن ابإزاء محاولة استفزازية من بعض المتطفلين على مجال إشكاليات التعليم في المغرب بصفة عامة وعلى الاشكالية اللغوية بالمغرب بصفة أوسع. وكما يقال اذا تركت الأمور الى غير أهلها فانتظر اللغط/الفوضى. من مميزات هذا الجدل غياب إسهامات  أهل التخصص اللهم من مقالات محتشمة وكمثال نورد مداخلة أحد قدماء مديري معهد التعريب بالربط ونعني به الاستاذ المقتدر أحمد شحلان.
فسوق اللغة في المغرب الأقصى محدد بقوة القانون أولا وقبل كل شيء، واللغتان الرسميتان للبلد هما العربية الفصحى والأمازيغية والتدريس الرسمي يتم باللغة العربية الى جانب الانجليزية والفرنسية . فدعاة التدريس بالدارجة المغربية يخدمون أجندات أجنبية ويتوخون إضعاف اللغة العربية من جهة ومحاولاتهم هاته هي عملية جس النبض لعزل المغرب عن امتداده العربي الطبيعي. فالمغرب يتوفر على سوق لغوية هي المنوط بها إفراز الوضع اللغوي الذي يتماشى وتطلعات المغاربة.


الكاتب : التقاه بباريس: يوسف لهلالي

  

بتاريخ : 20/11/2018