حكاية  أول  أغنية فنانون  مغاربة يسترجعون  البدايات 25 : ماجدة اليحياوي: «فطمة» وغيرها كانت وراء شهرتي وفضل أستاذي الحسين التولالي لن أنساه

للبدايات سحرها  الخاص ،تبقى  دائما عالقة  في الذاكرة والوجدان،  مثل ظلنا  القرين،لصيق بنا في الحل والترحال،  مهما  كانت الإخفاقات أو  النجاحات فلن  يستطيع  الزمن  طيها.
البدايات كانت  دائما  صرخة  اكتشف  معها  المرء  لغز  الحياة،
وككل  بداية  أو أول خطوة تحضر  الدهشة  بكل  ثقلها، نعيش  تفاصيلها  بإحساس  مغاير  تماما  ،وهو  الإحساس الذي  يكتب له الخلود  ،نسترجعه  بكل  تفاصيله  وجزيئاته، كلما ضاقت  بنا  السبل  أو ابتسم لنا الحظ وأهدانا  لحظة فرح  عابرة.
البدايات  في كل شيء،  دائما  هناك  سحر  غامض  يشكل برزخا  بين  الواقع  وماتتمناه  النفس  الأمارة  بالحياة والمستقبل الأفضل.
في هذه  الزاوية  نسترجع  بدايات  فنانين  مغاربة عاشوا  الدهشة في أول عمل  فني  لهم،  واستطاعوا  تخطي  كل  الصعوبات كل  حسب  ظروفه  المحيطة  به، ليبدع لنا  عملا  فنيا  ويهدينا أغنية تشكل  اليوم  له مرجعا  أساسيا في مسيرته  الفنية   ،وتشكل لنا  لحظة  بوح  من خلال  استرجاع  عقارب  الزمن  إلى  نقطة  البدء،  وتسليط  الضوء على ماجرى.

الولوج إلى عالم الفن بالنسبة للفنانة ماجدة اليحياوي يتم عبر مراحل، المرحلة الأولى تتجسد في الموهبة التي تكون لدى الطفل أو الطفلة، وتجعله متشبثا بنوع من الحلم وتحقيق هذه الرغبة في احتراف الغناء والاهتمام بالموسيقى، هذا في ما يتعلق بمرحلة  الطفولة، أما الولوج بشكل احترافي إلى عالم الفن بالنسبة للفنانة  القديرة ماجدة اليحياوي فقد جاء بعد سنوات من الدراسة بمعهد موسيقي بمدينة مكناس، ومشاركتها في مهرجان مسابقات بمدينة الراشدية، وبعد حصولها على الجائزة الأولى في هذا المهرجان الذي تحتضنه مدينة أرفود اقتُرح عليها تسجيل مجموعة من الأشرطة، وبدأ المشوار طبعا بعدما تكلف منتج بذلك.
وتشرح ماجدة اليحياوي موضوع القطعة قائلة، طبعا الموضوع  معروف، فعندما تسمع «فطمة» تعرف أن الأمر يتعلق بالغزل، لقد كتب ببراعة وبصور جمالية رائعة، وهنا نستشف قدرة شاعر الملحون وكيف يصور لك المرأة بقيم جمالية كان معترفا بها في تلك الفترة، طبعا هناك قيم جمالية مع كل جيل، وتختلف من جيل لآخر، وهنا نجد «فطمة» أخرى بعين الشاعر بمقاييس جمالية خاصة بتلك الفترة، فدقة الشاعر في الوصف جعلت هذه القصيدة بالإضافة إلى اللحن والأداء، محببة للجمهور، لا يمل من  سماعها، وهي تبقى من القصائد التي غنيت على مدى  سنوات طويلة، ومازال لها لحد الساعة، تقول الفنانة اليحياوي، عشاق كثر يطالبون دائما بسماعها.
في ما يخص رد فعل العائلة، تقول الفنانة ماجدة اليحياوي، كانت منذ البداية وراء تشجيعي، طبعا كان لديها تخوفات من أنني لن أتمم دراستي، وكان لديها شروطها المتجسدة في أن أقوم بالتوفيق ما بين الدراسة في الكلية والدراسة في المعهد. طبعا، تضيف  ماجدة اليحياوي، كان أفراد عائلتي  سعداء لكوني كنت واحدة من تلميذات الشيخ الكبير الهرَم الحسين التولالي، كما كانوا سعداء بطريقة اشتغالي على نفسي وعلى القطع الغنائية التي اخترت أن أؤديها، مما منحهم الإحساس بالسعادة والافتخار بابنتهم، لأنني كنت بين أياد أمينة، يعني أن علاقتي بالحسين التولالي هي التي جعلتهم يشعرون بنوع من الأمان.
وبخصوص الأغنية التي دشنت بها مشوارها الفنى، تقول ماجدة اليحياوي، أظن أنه في مجال التراث، كان الكل يغني ويتغنى بقطعة «فطمة»، التي هي مشهورة لحد الآن، وهي من أشهر القطع التي لديها مشاهدة كبيرة لدى المتلقي، بالإضافة إلى قطعة غيثة، هاتان الأغنيتان اشتغلت عليهما لأنني كنت أحفظهما قبل أن ألتقي بالحسين التولالي، بل كنت أحفظ ما تحتويه الأشرطة وكل ما تقدمه التلفزة المغربية من حصص الملحون، لكن بعد دخولي المعهد تم تصحيح القطعة وكلماتها وأديتها بشكل أصح، لكن، تضيف الفنانة المبدعة ماجدة اليحياوي، تبقى «غيثة» و»فطمة» من القطع التي يطالب بهما الجمهور المغربي لحد الساعة.
وعن رد فعل الجمهور والوسط الفني، تقول اليحياوي، إنه كان مشجعا ولله الحمد، وبشكل كبير، إلى درجة أنني كنت أرى في أعين الجمهور الذي تفاجأ بصوت نسوي يؤدي هذا النوع من الطرب، نوعا من الفضول بل حتى طريقة الاستماع والنظرات والابتسامات كانت كلها تنم عن الإعجاب بطريقة أدائي، وفي آخر الحفل كانوا يقفون لتحيتي وتشجيعي وتقديم  ملاحظاتهم.
الجمهور، تتذكر ماجدة اليحياوي، كان فرحا وسعيدا بتواجد الأصوات النسوية واقتحامها هذا المجال، هذا لا يعني بأنه حكر على الرجال، ومن المؤكد أنه كانت هناك أصوات نسائية لكنها لم تأخذ فرصة من أجل الانتشار والشهرة، ربما نحن كنا محظوظات أننا جئنا في فترة يوجد فيها نوع من الانفتاح بالإضافة إلى تواجد المعاهد كما أن الأسر لم تمانع في ولوج البنات المعهد للدراسة ليتعلمن على يد أساتذة كبار، أكيد أنه في فترة الخمسينيات والستينيات كان الحديث مع شيوخ الملحون وكان هناك نساء ينظمن شعر الملحون، فهو ليس حكرا على الرجال، وسأرجع إلى الجمهور،تضيف، فقد كان ولا يزال يحبذ أن يسمع قصائد الملحون بأصوات نسائية .
في ما يخص مع من كان التعامل في إنجاز الأغنية، تقول الفنانة المغربية ماجدة اليحياوي « نحن نتعامل مع التراث، والقصائد موجودة، وقد اشتغلنا غالبا على قصائد تغنت بها أصوات أخرى، صحيح أن هناك من تعامل مع قصائد جديدة، لكنني أسلط الضوء  هنا على المرور من مرحلة تلميذة في المعهد والمشاركة في المهرجان والحصول على المرتبة الأولى إلى الوقوف على ركح  المسرح، أي مرحلة مواجهة الجمهور والميكرفون، حين ينتابك  التخوف والتوتر الذي يسيطر على الفنان ، خصوصا إذا كان في بداية مشواره الفني، رهبة لاتوصف تلك التي تحس بها أمام الجمهور ومن ورائك فرقة موسيقية متمكنة . طبعا إنه خليط من المشاعر الممتزجة بالفرح والبهجة والخوف، ومن الصعب أن أصف لك تلك الأحاسيس، أظن أنها من أصعب وأهم التجارب التي يمر منها الفنان…» .
الصعوبات بالنسبة لفنانتنا المبدعة اليحياوي،لا تتجسد فقط في إخراج الأغنية إلى حيز الوجود، فالأغاني موجودة في التراث المغربي، لكن الصعوبة تكمن في من كان يعارض غناء المرأة لفن الملحون، هذه الأصوات على قلتها كانت ترى أن صوت المرأة لايصلح لغناء هذا النوع من الطرب، أي، توضح ماجدة اليحياوي، أن بعض الممارسين طبعا من دون تعميم، كانوا يرفضون رفضا قاطعا أن تغني المرأة هذا النمط الفني، بذريعة أن الصوت النسوي لا يصلح نهائيا لأداء هذا اللون التراثي، ردة الفعل هاته فاجأتني، لكن ما كان يريحني أكثر هو الحاج الحسين التولالي رحمه الله وبعض الأساتذة مثل عبد الهادي بنونة وأحمد أكومي، الذين لم  يكن لديهم هذه الرؤية، بل العكس فالحاج الحسين التولالي كان من بين الناس الذين شجعوني، وكان يرى أنه يجب على الصوت النسوي أن يقتحم هذا المجال، وأتأسف لصوت نسوي لم أستحضر اسمه الآن، كان لفتاة بدأت دراستها عند الحاج الحسين التولالي في المعهد لكنها انقطعت بعد ذلك عن الغناء، فكان رحمه الله يبدي أسفه الشديد لعدم استطاعة مثل هاته الأصوات النسائية الاستمرار في المشوار، وكان ينصحني بأن استمر في هذا المجال، مشجعا إياي بأنني أستطيع أن أقدم فيه الشيء الكثير وأن  أضفي عليه بصمتي الفنية الخاصة، هذه هي صعوبات البداية، لكني أؤكد أن الذين كانوا يشجعوننا هم الأكثرية.
بعد مرور الوقت تراجعت تلك الأصوات التي كانت ترفض اقتحامنا لهذا المجال، وآمنت بأن الصوت النسوي يشكل إضافة  لفن الملحون وباستطاعته إيجاد مكانته وسط الأصوات الرجالية.
بخصوص أول مبلغ مالى توصلت به الفنانة ماجدة اليحياوي  تقول، كان من خلال حصد الجائزة الأولى كأحسن أداء، إذ توصلت بجائزة قدرها 1500 درهم، وكنت من أسعد خلق الله بها، وبعد رجوعي من الراشدية، فكرت في ذلك المبلغ المالي، وقلت إن الفضل يرجع إلى تأطير أستاذي الحاج الحسين التولالي، إذ لم تكن لدي إمكانيات مادية لأحتفي به، فقررت أن أقدم له هدية عبارة عن قطعة ثوب «جلابة «و» بلغة» وتوجهت إلى منزله، لأقدم له هديتي، فسألني عن ذلك، فأجبته إن هذا النجاح الذي عشته والطريقة التي قدمتني بها إلى أعضاء لجنة المهرجان ،وتشجيعك لي،لاشيء يمكنه أن يعوضك، وهذه هدية بسيطة مني ،لكنني تفاجأت برفضه لها، ورد علي قائلا، لو قبلت سوف أحس بأنني أساعدك بالمقابل، وأنا لست ذاك الرجل، فأنا مؤمن بموهبتك، ومؤمن بأنك يجب أن تستمري في هذا المسار ،ومستحيل أن أقبل منك هديتك، فعلاقتك بي مثل علاقة الأب  بابنته، فوجدتها فرصة لكي أقنعه بهديتي وخاطبته قائلة إن الابنة يمكن لها أن تقدم  لوالدها هدية، لكنه رفض رفضا قاطعا ،فاضطرت، تضيف ماجدة اليحياوي، إلى أن أهديها لوالدي، هذا يبين، تقول الفنانة المقتدرة ماجدة اليحياوي، نبل هذا الرجل وعفته وكرمه وسمو سلوكه وأخلاقه التي تكاد تكون نادرة اليوم للأسف، كان بعيدا كل البعد، رحمه الله، عن الماديات، ولم يكن يطمع في شيء سوى أن يكون تلميذا ناجحا ومؤهلا ليحمل مشعل هذا الفن  التراثي المغربي الجميل والأصيل .


الكاتب : جلال كندالي 

  

بتاريخ : 04/06/2019

أخبار مرتبطة

يقدم كتاب “ حرب المئة عام على فلسطين “ لرشيد الخالدي، فَهما ممكنا لتاريخ فلسطين الحديث، بشَـن حـرب استعمارية ضد

في شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام، كان غالبية العبيد من أصل إثيوبي. لم يقتصر وصف العبيد على السود فقط، بل

الألتراس المغربية من هي، وإلى أي وسط ينتمي أفرادها، وما الهدف من تكوين هؤلاء الشباب لهاته المجموعات؟ هي مجموعات مكونة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *