حكاية  أول  أغنية : فنانون  مغاربة يسترجعون  البدايات

للبدايات سحرها  الخاص ،تبقى  دائما عالقة  في الذاكرة والوجدان،  مثل ظلنا  القرين،لصيق بنا في الحل والترحال،  مهما  كانت الإخفاقات أو  النجاحات فلن  يستطيع  الزمن  طيها.
البدايات كانت  دائما  صرخة  اكتشف  معها  المرء  لغز  الحياة،
وككل  بداية  أو أول خطوة تحضر  الدهشة  بكل  ثقلها، نعيش  تفاصيلها  بإحساس  مغاير  تماما  ،وهو  الإحساس الذي  يكتب له الخلود  ،نسترجعه  بكل  تفاصيله  وجزيئاته، كلما ضاقت  بنا  السبل  أو ابتسم لنا الحظ وأهدانا  لحظة فرح  عابرة.
البدايات  في كل شيء،  دائما  هناك  سحر  غامض  يشكل برزخا  بين  الواقع  وماتتمناه  النفس  الأمارة  بالحياة والمستقبل الأفضل.
في هذه  الزاوية  نسترجع  بدايات  فنانين  مغاربة عاشوا  الدهشة في أول عمل  فني  لهم،  واستطاعوا  تخطي  كل  الصعوبات كل  حسب  ظروفه  المحيطة  به، ليبدع لنا  عملا  فنيا  ويهدينا أغنية تشكل  اليوم  له مرجعا  أساسيا في مسيرته  الفنية   ،وتشكل لنا  لحظة  بوح  من خلال  استرجاع  عقارب  الزمن  إلى  نقطة  البدء،  وتسليط  الضوء على ماجرى.

 

بالنسبة للفنانة القديرة عائشة تاشنويت فقد دخلت عالم الفن تقول، «وأنا صغيرة، فمنذ سن مبكرة ارتبطت بهذا المجال وعشقته، وقد وجدت في عائلتي الثانية، أي العائلة الفنية، كل الدعم والتقدير والاحترام ، بصدق، لقد وجدت فيهم الأخ والأخت، وجمعنا حب صادق، هذا لايعني أن الطريق مفروشة بالورود وأن الأجواء كانت مثالية، طبعا كأغلبية الفنانين، فقد عانيت كثيرا أكثر مما يتصور الإنسان ويتخيل، فبقدر ما حصدت الألم وأنا في هذا المجال، بقدر ما كان عالم الفن مصدر فرحي وسعادتي أيضا، لقد عشت ورأيت فيه كل المواقف الحزينة والمفرحة معا، ورأيت أشياء كان يستحيل أن أراها وأعيشها في حياتي ما لم ألج هذا الميدان».
وعن أول أغنية في مشوارها الفني تقول الفنانة عائشة تاشنويت، «كانت أغنية مع فرقة «بنات إرسموكن « التي هي أغنية ليست من إنتاجي، وهي أغنية جميلة وتحمل كل مقومات النجاح والانتشار، ما أن خرجت إلى حيز الوجود بصوتنا، حتى انهالت وتقاطرت علي التبريكات والتهاني، فقد لاقت تجاوبا كبيرا واستحسانا من طرف الجمهور»، وتتذكر الفنانة عائشة تاشنويت قائلة، «لقد شاركت في أول فيلم باللغة الأمازيغية كان بعنوان «اليتيمة «تيكيكيلت «وقد عرف هو الآخر نجاحا منقطع النظير، وهنا تعرف الناس أكثر على عائشة تاشنويت، وقبل ذلك تعرفوا عليها من خلال الرقص برفقة أوطالب وحسن أرسموك، كما أن «بنات إرسموكن « لاقت تجاوبا كبيرا، جعلت شركات الإنتاج تتجه إلي من أجل التعامل معي».
وتضيف الفنانة تاشنويت، «في مساري الفني تعاملت في إصدار أعمالي الفنية مع العديد من الأسماء المبدعة ،حيث كنت منفتحة على كل المبدعين في مجال الأغنية المغربية، وهذا معروف عني ، بالإضافة إلى الأغاني التي كانت من إبداعي شخصيا، ومن عادتي صحبة زوجي أننا لا نستهين بأي فكرة فنية تعرض علينا، لأننا نؤمن بذلك عن قناعة».
وعن الصعوبات التي اعترضت مسيرتها الفنية، تجيب تاشنويت،» في بعض المرات أجد المشكل في اللحن أو الكلمات، إذ أكون مقتنعة بفكرة ما، فأعرض هذه الفكرة على الشاعر ، لكن في الأخير لا أجد أن الكلمات تعبر تماما عن هذه الفكرة، إلى درجة أنها الكلمات تكون مناقضة تماما لما كنت أتصوره «أنا هاضرة في الشرق وهو هاضر في الغرب ««.
وعن المواضيع التي تتطرق إليها عائشة تاشنويت في أغانيها، بخصوص هذا الأمر تقول، في أعمالي الفنية أتطرق إلى كل المواضيع، سواء تعلق الأمر بالجانب العاطفي أو المواضيع الاجتماعية التي يعيشها مجتمعنا المغربي بكل تلاوينه، مثل الغدر،»الحكرة « اليتم، الحب والسلام. فأنا بنت هذا الشعب، وبالتالي لابد أن أترجم بواسطة الفن والإبداع هواجسه، آلامه وآماله وكل مايعيشه من ظواهر سلبية كانت أو إيجابية، فهذه هي رسالة الفن ، وإلا سيبقى الفنان في برج عاجي منزو ومنعزل عن مجتمعه وبيئته، فمن خلال هذه المواضيع تفتح جسر التواصل بينك وبين المتلقي.
وتعود عائشة تاشنويت للحديث مرة أخرى عن الصعوبات التي تعترض الفنان المغربي بشكل عام اليوم، فإنتاج أغنية بكل المواصفات الفنية الجيدة والمتكاملة، مكلف جدا، إذ هناك تكاليف الأستوديو ،وعليك دعوة الفنانين الآخرين: صاحب الإيقاع صاحب الأورغ والقيتارة والدربوكة والرباب والبندير وغيرهم، وما يتطلب ذلك من تكاليف مالية، إضافة إلى التصوير، وقبل ذلك هناك التدريبات التي هي الأخرى تتطلب مبالغ إضافية، لذا لا أصور إنتاجي الفني على شكل فيديو كليب، لأنه مكلف جدا، فاضطر إلى جمع قدر من المال لتصوير فيديو كليب، وكل ذلك في غياب دعم حقيقي، إذ يوجد دعم من طرف الوزارة الوصية بالنسبة لما هو سمعي فقط، هذه هي الصعوبات الحقيقية التي تحول دون تصوير أعمالي الفنية، في الوقت الذي يطالبني فيه الجمهور بتصوير أعمالي، لكن كما نقول « الله غالب».
لكن رغم كل هذه الصعوبات يبقى الجمهور هو سندي، فهو من كان وراء صناعة اسم عائشة تاشنويت، وأشكره كثيرا وأنا مدينة له، حيث ساندني منذ بداية مشواري الفني ومازال على هذه الحال إلى يومنا هذا، والجمهور هو من جعل عائشة تاشنويت قوية وصلبة لتجاوز كل العراقيل التي جابهتني، وسيستغرب الجميع إن قلت إن الجمهور هو من يمنحني الأفكار التي أترجمها إلى أعمال فنية، حتى وأنا فوق الخشبة، وأشكره على كل ذلك.
وعن الأسماء الفنية التي تعاملت معها في البداية وما إن استمر التعامل في ما بعد، عن ذلك تقول تاشنويت، في بداية مشواري الفني تعاملت مع «وردة فيزيون»، لكن ومع الأسف اختفت الشركات التي كانت مكلفة بالإنتاج ، بل نجد هناك من استبدل الحرفة وأصبح يتاجر في الأواني والملابس بعد أن أصيبت هذه التجارة بالكساد، بحكم القرصنة وغيرها.
القديرة عائشة تاشنويت، حملت هذا اللقب لأن ملامحها تشبه الصينيين، لكن هذا اللقب يتجاوز الشكل، لينطبق فعلا على جديتها ومثابرتها لنحت اسمها حتى أصبح علامة مميزة خاصة بها فقط، إنها جدية فعلا مثل الصينيين، ويحتل العمل لديها مكانة خاصة، في احترام تام لمواعيدها والتزاماتها.
في بدايتها،تقول،عرفت كفنانة الرقص الاستعراضي الذي يحمل بصمتها الخاصة، وقد تجاوزت شهرتها حدود الوطن، الشيء الذي جعلها تكون مطلوبة في دول العالم، حيث شاركت وأحيت الكثير من السهرات في اليابان والتايلند والصين… إلخ.
وتحكي تاشنويت في لقاءات سابقة أنها معجبة بالأفلام السينمائية الهندية واليابانية، لدرجة التأثر بها، وكثيرا ما استلهمت رقصاتها من «بروس لي»، نجم أفلام الحركة، ويتجلى ذلك في إشارات يديها، وتعبيرات ملامحها، وتموجات جسدها، انسجاما مع الموسيقى.


الكاتب : جلال كندالي  

  

بتاريخ : 12/06/2019