حكاية  أول  أغنية 32 : فنانون  مغاربة يسترجعون  البدايات : حميد بوشناق: دخلت عالم الفن وعمري ست سنوات وكنت أصغر من يستعمل آلة «الباتري» في إفريقيا

للبدايات سحرها  الخاص ،تبقى  دائما عالقة  في الذاكرة والوجدان،  مثل ظلنا  القرين،لصيق بنا في الحل والترحال،  مهما  كانت الإخفاقات أو  النجاحات فلن  يستطيع  الزمن  طيها.
البدايات كانت  دائما  صرخة  اكتشف  معها  المرء  لغز  الحياة،
وككل  بداية  أو أول خطوة تحضر  الدهشة  بكل  ثقلها، نعيش  تفاصيلها  بإحساس  مغاير  تماما  ،وهو  الإحساس الذي  يكتب له الخلود  ،نسترجعه  بكل  تفاصيله  وجزيئاته، كلما ضاقت  بنا  السبل  أو ابتسم لنا الحظ وأهدانا  لحظة فرح  عابرة.
البدايات  في كل شيء،  دائما  هناك  سحر  غامض  يشكل برزخا  بين  الواقع  وماتتمناه  النفس  الأمارة  بالحياة والمستقبل الأفضل.
في هذه  الزاوية  نسترجع  بدايات  فنانين  مغاربة عاشوا  الدهشة في أول عمل  فني  لهم،  واستطاعوا  تخطي  كل  الصعوبات كل  حسب  ظروفه  المحيطة  به، ليبدع لنا  عملا  فنيا  ويهدينا أغنية تشكل  اليوم  له مرجعا  أساسيا في مسيرته  الفنية   ،وتشكل لنا  لحظة  بوح  من خلال  استرجاع  عقارب  الزمن  إلى  نقطة  البدء،  وتسليط  الضوء على ماجرى.

 

عالم الفن بالنسبة للفنان حميد بوشناق، ليس عالما غريبا، لقد ولجه وعمره ست سنوات، مثله مثل والده الذي كان يلقب بـ «أفندي»أي الأستاذ والسيد، بحكم أنه كان حقا مايسترو في فن الغرناطي، والذي ولج هذا المجال وسنه هو الآخر كان صغيرا جدا، لايتجاوز ثمانية أعوام، يقول الفنان القدير حميد بوشناق، لقد دخلت هذا المجال من بابه الواسع، فقبل تأسيس مجموعة «إخوان بوشناق»، كنا ضمن مجموعة غنائية «ديال حومتنا « اسمها «غاغيلاغ «صحبة إخوتي رضا وعمر، وهي فرقة موسيقية كانت معروفة في مدينة وجدة، كنت أصغر فنان، إذ كان عمري ستة أعوام، ولما أسسنا فرقة «إخوان بوشناق « كنت أصغر شاب في إفريقيا يعزف على آلة «الباتري «.
في مجموعتنا انفتحنا على الموسيقى العالمية، كما كنا نوظف الملحون، لكناوي، الغرناطي، وغيرها ، وكنا نمثل الشباب المغربي والمغاربي من خلال موسيقانا، بل أصبحنا معروفين في أوربا من خلال أعمالنا الفنية كأغنية «هيا هيا «، «السلام عليكم «، «فرحتنا بنا «وغيرها من الأغاني .
ويتذكر الفنان حميد بوشناق أن أول أغنية في مساره ومسار مجموعة «إخوان بوشناق «كانت عبارة عن ألبوم غنائي، وعمره آنذاك 13سنة، ضم هذا الألبوم أغاني ناجحة عرفت انتشارا واسعا، كأغنية «شحال قدك ماتصبر «،» السفينة «، «الزرع يتسنبل»، «هاهو جاي «، وقد فزنا من خلال أغنية «جنوني «بالمبلغ الأول في «أضواء المدينة «، طبعا يضيف حميد بوشناق، الكلمات والألحان كانت من توقيعنا، إذ كنا نتدرب في منزلنا، وهو منزل شعبي يحتوي على غرفتين و»كوزينة «وهناك غرفة في السطح كنا نستعملها للتدريب والتمرين، وكانت الوالدة والوالد، رحمهما الله، يستمعان إلينا ونحن نهيء الأغاني وكذلك الجيران. هذه الأعمال الفنية التي اشتهرنا بها، كانت نتيجة تضحيات جسام استغرقت عشر سنوات من الجد والكد والتمارين، وكنا نؤديها في الأعراس والحفلات في مدينة وجدة والنواحي، ويتذكر بوشناق قائلا: في الأعراس كنا نغني «بكي وزيد بكي «، رغم أنها أغنية حزينة، إلا أننا كنا نتفاجأ بالعريس والعروس يرقصان على إيقاعها، ويشدد الفنان القدير حميد بوشناق أن العالمية تبدأ بالمحلية وهو ما حدث معهم كمجموعة غنائية، إذ أصبحوا معروفين في وجدة ثم الجهة وعلى المستوى الوطني، لتنتقل الشهرة إلى العالمية، وهذا هو المقياس الحقيقي للنجاح والعالمية، طبعا هذا ما حدث مع العديد من الفنانين الذين نجحوا محليا ثم عالميا كالفنان «جيمس براون» «، فالمال، وإن كنت تملك مال قارون، ليس معيارا للعالمية مالم يكن هناك إبداع حقيقي، ويكشف حميد بوشناق أن والده، رحمه الله، كان له الفضل الكبير في ذلك، بحكم أنه كان من شيوخ الفن الغرناطي، إلى درجة أن الجميع كان يناديه بلقب «أفندي «، وكان من الموسيقيين الذين انتموا إلى جمعية «الأندلسية «، وهي أول جمعية تأسست خصيصا للعناية بالفن الغرناطي، حيث رأت هذه الجمعية النور سنة 1921، وكان قد انضم إليها وعمره ثماني سنوات، إذن، يقول حميد بوشناق ضاحكا، لقد سبقت والدي في الدخول إلى عالم الفن بسنتين، وبحكم أنني كنت آخر العنقود، كانت لدي وضعية خاصة لدى الوالد، رحمه الله، واستفدت منه كثيرا، حيث كنت لصيقا به، لقد كان، رحمه الله، فيلسوفا بطريقته الخاصة، كان حريصا على أن يرعى أسرته وعائلته بشرف كبير، إذ كان إسكافيا لكنه في المقابل كان يبيع الآلات الموسيقية والطيور في ذات الدكان، كان له حقا عالمه الخاص به، لقد أدى مهمته بنجاح وشرف كبيرين .
ويتذكر الفنان القدير حميد بوشناق أن والده كان يستمع إليهم أثناء التداريب، فحين لا ينطق بأي كلمة نعرف أننا نسير في الاتجاه الصحيح، وإن كانت لديه ملاحظات يدخل عندنا الغرفة التي نتدرب فيها بالسطح ويتجاذب معنا أطراف الحديث، وهنا نتيقن أنه علينا أن نحسن ونقوم الاعوجاج، بل كان في الكثير من الأحيان «يشد معنا الإيقاع «.
وعن كواليس أول عمل فني لمجموعة «إخوان بوشناق « يتذكر الأخ الأصغر قائلا، كنت ساعتها ما أزال أتابع دراستي، قبل تسجيل الألبوم أدينا كل الأغاني في الأعراس والحفلات دون أن نخاف من القرصنة، حيث ذهبنا من وجدة إلى الدار البيضاء لتسجيل ألبومنا، وكان التسجيل «حيا «، إلى درجة أنه كان علينا أن نعيد التسجيل من البداية في كل مرة يخطئ فيها أحدنا، وبما أنها كانت المرة الأولى في حياتي التي أعيش فيها هذه التجربة، يقول حميد بوشناق، فقد كان طبيعيا أن يتملكني الخوف، ولمواجهة هذا الأمر، وضعت أمامي سبورة وكتبت عليها كلمات الأغنية بالطبشورة، ومازلت أتذكر أن آخر أغنية سجلناها من أغاني الألبوم كانت تحمل عنوان «بكي وزيد بكي «، وهي التي عرفت نجاحا منقطع النظير، وما أن انتهينا من تسجيلها في الساعة الرابعة صباحا حتى وجدني إخوتي نائما في مكاني من شدة التعب والإرهاق.
ويتذكر بوشناق أن المبلغ الذي تطلبه منهم هذا الألبوم لتسجيله في الأستوديو كان هو8000 درهم، في حين منحهم الموزع، صاحب الشركة، مبلغ 5000 درهم « شفتي على تجارة واعرة «، يقول حميد بوشناق، لكن هناك ربح من نوع آخر بالنسبة إلينا، حيث غطى التوزيع المجال الترابي المغربي، واشتهرنا في المغرب، وكانت هذه الشركة التي تحمل اسم «الحسنية « أفضل الشركات آنذاك ، ولا ننسى أنه في بدايتنا لا أحد أراد أن يقدم لنا أي مساعدة، حتى من باب التنقل، حيث كنا نستعمل العديد من الآلات الموسيقية التي تعتبر جديدة في الساحة الفنية المغربية، مما دفع بأحدهم إلى أن يقول لأخي عمر «هادشي بزاف على لمغاربة «، وبسبب هذا التوزيع ونجاح الألبوم أصبحنا معروفين جدا إلى درجة أننا كنا نمر في التلفزيون كل يوم سبت، هذا النجاح توالت بعده نجاحات أخرى داخل المغرب وخارجه ،حيث دخلنا كل البيوت، بحكم أن لغتنا المستعملة لا تخدش الحياء وليس كما يحصل الآن، للأسف، مع البعض، فكيف لنا أن نفكر في استعمال كلمات منحطة وكل التداريب والتمرينات تجري في منزلنا تحت مراقبة الوالد والوالدة، رحمهما الله .
وعن تقييمه لأول عمل فني في مشوارهم، يقول عضو مجموعة إخوان بوشناق: الألبوم كان يحمل فقط «إخوان بوشناق «، ويضيف، لو كان اليوتيوب آنذاك لتعدت نسبة المشاهدة المليار ولبقي متصدرا المشهد الغنائي،على الأقل، لمدة عامين، ولانتقل مبلغ 5000 درهم الذي تحصلنا عليه آنذاك إلى مبلغ كبير جدا، يمكن إضافة ثمانية أصفار إليه اليوم، فالحنين إلى تلك المرحلة يشدني، أتحدث معك الآن «وقلبي يضرب «.
وعن مساره الشخصي، يقول حميد بوشناق، لقد سافرت إلى أوربا وبالضبط إلى فرنسا، بعدما راكمت تجربة كبيرة من إخوتي وأصبحت ألحن وأوزع، وتشبعت بالثقافات المختلفة، التي كنا نوظفها في المجموعة، كما هو الشأن بالنسبة لأغنية «للا ميمونة» التي وظفنا فيها «الكناوي «، ونحن من وجدة، كما وظفنا «الريكي «، الذي هو إفريقي قبل أن يصبح عالميا، كانت هذه الثقافة تسري في دمنا، بالإضافة إلى توظيف الغرناطي وغيره، وقد سافرنا إلى كل المدن داخل المغرب وخارجه، سواء في أوربا أو أمريكا، كما قمت بجولتي الفنية في كندا سنة2012 وكذلك في أمريكا، فمنذ الصغر تشبعت بهذه الثقافات العالمية، يكفي أنني كنت أستمع إلى مايكل جاكسون وغيره وأنا صغير في وجدة، كما كنت مغرما بالفن الأنجلوساكسوني، مهووسا بالموسيقى، وهذا ماكان يحفزني على السفر عبر هذه الثقافات الغنية إبداعيا .


الكاتب : جلال كندالي 

  

بتاريخ : 15/06/2019