خالد بن الصغير يتحدث عن كتاب «يهود في مهب الريش» الكتابة التاريخية مطالبة بالذهاب الى القواسم المشتركة مع الآخر

 

اختارت فقرة» في حضرة كتاب» يوم السبت،ضمن فعاليات المعرض الدولي للكتاب، التطرق الى واحد من أهم روافد الثقافة المغربية وهو الكتابة التاريخية التي مازالت في حاجة ماسة الى الإضاءة على جوانب عديدة من أعطابها ومساحات الظل التي لم تلجها بعد. وهكذا سلط اللقاء الضوء على كتاب يترجم البعد اليهودي في الثقافة االمغربية ضمن معطى تاريخي يرصد تجارة ريش النعام الدولية، التي شكل يهود المغرب جزءا من صانعيها ومؤسسيها ومروجيها في العالم في القرن التاسع عشر، وهو كتاب « يهود في مهب الريش» الذي ترجمه الاكاديمي والمؤرخ خالد بن الصغير عن الباحثة الأمريكية سارة ابريفايا.
وقد قدمت الباحثة ثريا السعودي في بداية اللقاء، نبذة عن المؤرخ والباحث خالد بن الصغير الذي اختار الاشتغال، بعد أن تكون على يد جيل المؤرخين الذين عايشوا مرحلة الاستعمار بكل آمالها وإحباطاتها، على الأرشيف الانجلوساكسوني وهو ما ميزه عن مجايليه من الباحثين والمؤرخين، نظرا لتمكنه من اللغة واطلاعه على الارشيفات المرتبطة بالبعد الأنجلوساكسوني بالمغرب .
وأضافت السعودي أن الباحث خالد بن الصغير يعد من الباحثين الذين اهتموا بالأرشيف الخاص بالمغرب من خلال الأبحاث المنجزة حول تاريخه في بريطانيا وامريكا، وهو ما مكنه من معالجة مواضيعه بوسائل جديدة قد تجيب على الفضول المعرفي الذي لا تسده الفراغات ونقط البياض الكثيرة في الأرشيف المغربي.
ورغم اهتماماته بالحفر في التربة التاريخية المغربية،فإن بن الصغير أثرى المكتبة التاريخية المغربية بالعديد من التراجم التي هي في المحصلة جسر من الرؤى الغيرية حول المغاربة ، فترجم «رحلة الصفار الى فرنسا» لسوزان ميلر وهو الكتاب الذي نال نه جائزة ابن بطوطة للأدب الجغرافي، كما ترجم «يهودي السلطان :المغرب وعالم اليهود السفرد «، بالاضافة الى كتاب «يهود المغرب وحديث الذاكرة» لعمر بوم الذي نال عنه جائزة المغرب للكتاب صنف الترجمة في 2016.
من جهته، أكد بن الصغير وهو يتطرق الى بداية احتكاكه بالدرس التاريخي بجامعة محمد الخامس، أن اتجاهه الى التخصص في الرافد الانجلوسكسوني كان بتوجيه من المؤرخ جرمان عياش في مناخ كان يتسم بتوجه اهتمام الباحثين لحظتها الى الأرشيف المخزني أو الفرنسي أو الاسباني، وهو الأرشيف الذي لم يتم الاشتغال عليه إلا من باحثين اثنين هما محمد كنبيب ومحمد منصور.
وعاد بن الصغير الى سمات تلك المرحلة اي مرحلة الاستقلال ، موضحا أنها كانت فترة التأسيس للدولة وبناء المؤسسات وخاصة في مجال التعليم وضمنها جاء قرار تأسيس جامعة محمد الخامس بالرباط لتكوين جيل من الباحثين والمؤرخين، قادر على إنتاج معرفة تاريخية بالطريق الحديثة، للقطع مع مؤرخي ماقبل الاستقلال والذين اهتموا فقط بالتوثيق ودراسة الوثائق والمخطوطات، ولم يكن التاريخ يدرس خلالها كتخصص قائم الذات.
المدرسة التاريخية المغربية ، كما أوضح بن الصغير، بدأت إرهاصاتها مع جيل كتب التاريخ لمراكمة المعرفة عبر التوثيق، لكن مع مرور الوقت لم يعد هذا النوع من البحث يفي بالغرض، لتظهر بعدها دراسات جديدة في التاريخ مع الجيل الجديد، الذي انتهى من الرد على المدرسة الكولونيالية واستأنف مهمة الاشتغال على التاريخ المغربي و القضايا المرتبطة بالبلاد ( جرمان عياش، محمد المنوني، عبد الوهاب بنمنصور، محمد باحنيني). وقد خاضت هذه المدرسة الجديدة يتزعمها جرمان عياش صراعا مع رواد المؤرخين الفرنسيين لإبعادهم عن مدرجات الكلية، بدعوى أن إنتاجاتهم حول التاريخ المغربي لا تخرج عن الرؤية الكولونيالية.وأضاف بن الصغير في هذا السياق أن مرحلة نهاية الستينات وبداية التسعينات شكلت مرحلة ذهبية في الكتابات التاريخية المغربية نظرا للجدية والموضوعية التي كان يبديها هؤلاء المؤرخون الذين ابتعدوا عن الاعلام ، واكتفوا بالبحث الرصين والجاد، مشيرا الى عدم التنكر لبعض الكتابات الكولونيالية التي كانت تلامس الحقيقة، والتي تتطلب الاستثمار الواعي لدقة معطياتها وإعمال النقد تجاهها.
وعاب بن الصغير على الدراسات التاريخية المغربية في بدايتها، افتقارها الى الوضوح المنهجي، ما جعل الباحث في التاريخ يدخل متاهة قد تعصف بمجهوده البحثي ولا تلامس القضايا الجوهرية التي وضعها هدفا لبحثه، وهي الخلاصة التي توصل إليها بعد احتكاكه بالدراسات التاريخية بالمعاهد الانجليزية والامريكية التي تبتعد عن الإطناب والحشو والتكديس وإطلاق الاحكام، خاصة بعد قراءته لدراسة حول «رحلة الصفار الى فرنسا» التي قامت بها سوزان ميللر، والتي ترجمها بعد ذلك لاقتناعه وإعجابه بمنهجيتها ثم ترجمة «تجارالصويرة «لدانيال شروتر، لافتا الى أن احتكاكه بأعمال المؤرخين الانجلوسكسونيين جعله يغير نظرته للكتابة التاريخية، مطالبا المؤرخين المغاربة بالاشتغال على أدواتهم البحثية، وأولها اللغة ، مشيرا الى مشكلة الانتقاء في الاطروحات التاريخية ، ومشددا على أن الكتابة التاريخية اليوم مطالبة بعدم الإغراق في التفاصيل وفي التعميمات والخصوصيات، والذهاب بدلا من ذلك الى القواسم المشتركة مع الآخر، مشددا على أن هذا ابلغ درس يمكن أن تقدمه الكتابة التاريخية.
وفي حديثه عن ترجمته لكتاب «يهود في مهب الريش تجارة ريش االنعام الدولية» للباحثة الامريكية سارة ابريفايا ستاين وأستاذة التاريخ بجامعة كاليفورنيا، والصادر عن منشورات كلية الاداب بالرباط، أوضح بن الصغير أن كتاب «يهود في مهب الريش»، ا اتخذ من تجارة ريش النعام التي سادت في القرن التاسع عشر، مادته البحثية، لافتا إلى ان المغرب يحضر فيه كجزء من حركة تجارة دولية لهذه البضاعة التي ازدهرت في تلك الفترة، عكس ما كان يروج من كون يهود سوس احتكروا مختلف العمليات التجارية من تصدير واستيراد انطلاقا من مدينة الصويرة( ست صفحات فقط تتحدث عن المغرب)، متوقفا عند سيطرة اليهود على هذه التجارة الذين أصبحوا من أهم محتكريها في العالم.
وأضاف بن الصغير أن الكتاب لا يتطرق للكتابة الإحصائية بل يستدعيها لخدمة المعطى التاريخي فقط، فالباحثة ركزت على علاقة اليهود الروس بهذه التجارة بعد اطلاعها على المادة الخام بالعبرية بداية، قبل أن تقف على وجود أسر يهودية هاجرت واستقرت بإفريقيا خصوصا بالمناطق الخاضعة للاستعمار الفرنسي قبل أن تفكر في تربية النعام عبر الحصول على عينات منها وتهريبها بسبب القيود التي كانت مفروضة من سلطات جنوب إفريقيا. ويتطرق الكتاب إلى مسار هذه العائلات التي اشتهرت منها خصوصا «عائلة اسحاق نورويك» التي كانت تصدر هذه البضاعة الى انجلترا عبر ايطاليا وطرابلس قبل ان يسمح لهم بالتصدير المباشر الى لندن لتتحول هذه التجارة المربحة الى سان فرانسيسكو ولوس أنجلوس الامريكية وتساهم في ثراء اليهود المشتغلين بها بعد ان أصبحت صناعة قائمة الذات، بدءا بسلسلة التنظيف ثم االتوظيب فالتصدير.
وأشار الباحث الى أن هذا الكتاب الذي استغرق من سارة ابريفايا عشر سنوات لإنجازه والانتقال رفقة ابنائها الى جنوب افريقيا للوقوف على معطيات المرحلة التاريخية المدروسة ، لم يخل من حس إنساني يجعل القارئ يقف عليه، وهي تنهي الكتاب بالحديث عن مآل إسحاق نورويك الذي انتهى به المطاف من أكبر الاثرياء الى بائع خضر متجول تنكر له أبناؤه وأحفاده بعد إفلاس تجارته بفعل المتغيرات التي طرأت على عادات اللباس والموضة بعد الحرب العالمية.


الكاتب : حفيظة الفارسي

  

بتاريخ : 18/02/2019