خطاب الفتوى على الإنترنت:-1- العالم في مرآة الاستفتاء والإفتاء

هل يمكن قراءة قول لله في المطلق، كما يتصوّر المستفتي وكما يدّعي المفتي؟
فالفتوى في ظاهرها قراءة في قول لله في قضية وفي باطنها قول بشري محكوم بسلطة التاريخ والسياق والسياسة والإيديولوجيا.
لذلك يشكل مضمون كل من سؤال الاستفتاء وجواب الإفتاء، كوحدة خطابية، وسيلة لقراءة خصوصيات المجتمع واتجاهات الأفراد وتمثّلهم للعالم.
فماذا تقول استفتاءات وفتاوى المسلمين على مواقع الإفتاء، التي تكاثرت وتناسلت على شبكة الإنترنت إلى درجة أن إدخال كلمة فتوى على محرك بحث أطلقت علينا وابلا من الروابط محمولة على ما مجموعه مليون وتسع مئة وستون ألف (1960000) صفحة؟
وقد قمنا بالبحث في مجموعة 10 صفحات تتضمن مئة رابط، استبعدنا منها الروابط غير المتعلقة بمواقع إفتاء لنحصل على 26 موقعا، اشتغلنا من ضمنها على مجموع 477 سؤالا وجوابا لتحليل خطاب الفتوى.
تقسّم المواقع الإلكترونية أسئلة المستفتين إلى أربعة أصناف: العبادات والمعاملات والمرأة والأحوال الشخصية. ويضيف البعض ركني سياسة وقضايا معاصرة. والطريف هو أن ما تم إدراجه تحت خانة العبادات يحوم في الأغلب حول الطريقة الشرعية لاشتغال اللسان والعضو الجنسي، ربما وقاية من الكارثة التي تحدّث عنها الكاتب الجزائري واسيني الأعرج في رواية “دون كيشوت في الجزائر”. فقد عاقب “حرّاس النّوايا” بطل الرّواية، بقطع لسانه وعضوه الجنسي ليتخلصوا نهائيا من آفتي حرية التعبير وحرية الجسد.
وينطلق الفاعلان الأساسيان (المستفتي والمفتي) من نفس المرجعية التي يمكن تلخيصها في سؤال: “ماذا يقول لله في هذه القضية؟” إلاّ أن الأجوبة تأتي مختلفة وأحيانا متناقضة، وكأن “الموقّعين عن لله” من المفتيين لا ينطلقون من الشريعة التي نعرفها أو من شريعة واحدة. ومع ذلك يعلن كل واحد منهم بأنه لم يعد للقول باب. أما قول المستفتين، الذي يغطي جميع جوانب الحياة الدنيا والآخرة، فهويعبر عن اعتقادهم بأن الشريعة لم تفرط في شيء. ولا تقتصر الشريعة بالنسبة إلى السائل والمجيب على أحكام القرآن، بل تمتد إلى الحديث (باستثناء موقع القرآنيين) و إجماع العلماء والمدونة الفقهية التقليدية بصفة عامة، وحتى العرف. وبالنهاية فإنّ ما يطلبه المستفتي هو البحث في قانون بشري يدّعي استئناسه بمقاصد النص القرآني.
ويمكننا، والحال تلك، أن نتساءل عن سبب لجوئهم إلى المدونة القديمة بدل البحث في القانون الوضعي لبلدانهم، الذي يدّعي هو الآخر، أن الشريعة هي المصدر الوحيد أو مصدر أساسي أو مصدر من مصادر التشريع. ويكفي إلقاء نظرة على مضمون الأسئلة لنفهم أن ما يطلبه السائلون لا يمكن أن يوجد في مدونة قانونية عصرية، وإن ادعت مطابقتها للشريعة. فالقانون الوضعي لا يجيب على مسائل تتعلق بعلاقة الإنس بالجان وعلى المّادة التي صنعت منها الملائكة والشيطان وعلى طريقة الشفاء من ضربة عين، أو إمكانية الزواج بأكثر من أربعة نساء، أو حكم نتف المرأة لشعر جسمها ،أو لعن الكفار ومدى شرعية سرقة أموالهم، أو مختلف أنواع الرياح التي تخرج من البطن وأحكامها في الوضوء…
ويبدو أن إجابة المصلح خير الدين التونسي على ” وما فرطنا في الكتاب من شيء” لم تأخذ هذه الاهتمامات بالاعتبار. فمن قرن و نصف أوضح الوزير خير الدين بأنه: “ثمة مصالح تمس الحاجة إليها، بل تتنزل منزلة الضرورة، يحصل بها استقامة أمورهم (أي المسلمين) و انتظام شؤونهم، لا يشهد لها من الشّرع أصل خاص”، ولم يكن خير الدين يقصد طبعا معضلة الجن و العين و نواقض الوضوء، فقد كانت مشاغله متواضعة لا تتجاوز مشكلة الحرية والمواطنة والمساواة والاستبداد السياسي وتقييد الحكم بقانون، ومع ذلك كان يشعر بعدم اتساع النصوص الرسمية للشريعة، من قرآن وسنّة وفقه، لما كان يتوق إلى تحقيقه. والحقيقة أن عدم فهم الرعيّة لقيمة هذه المسائل المجردة كانت من بين أسباب فشل سياسة خير الدين.
ولم يتغير الأمر كثيرا منذ ذلك الوقت. فحسب شهادة أحد المنشقين عن حركة الاتجاه الإسلامي في تونس (النهضة حاليا) فإنّ : “التفكير الإخواني (نسبة إلى الإخوان المسلمين) خصوصا في مرحلته القطبية، كان هو التفكير الطاغي والوحيد عند الحركة الإسلامية في تونس في السبعينات. و يكفي أن نعرف أن كتب حسن البنّا وسيّد قطب ومحمد قطب و أبي الأعلى المودودي، كانت هي تقريبا الكتب الوحيدة التي يقرؤها الأخ وينصح الأتباع الجدد بقراءتها بالالتزام العقائدي بمفاهيمها”.
وأجزم أن دائرة الإباحة لم تتسع كثيرا منذ ذلك التاريخ، بالنظر إلى ما يعبر عنه “الإخوان” اليوم في كتاباتهم، وخاصة في أسلوبهم في مناقشة مخالفيهم، وكذلك حسب مشاغل الناس التي وقفنا على البعض منها في الاستفتاءات، ومنها هذا السؤال الغريب:” أرجو التكرم ببيان علامات الساعة وأشراطها وكيفية الوقاية والحذر منها ، وماذا يعمل من صادفته مثل هذه الفتن؟ جزاكم لله خير الجزاء”.


الكاتب : سلوى الشرفي

  

بتاريخ : 26/07/2017