خيارات محدودة أمام الدول العربية في مواجهة قرار ترامب حيال القدس

يستبعد محللون ان يذهب قادة الدول العربية أبعد من اعلانهم الأخير خلال قمتهم السنوية عن رفضهم لقرار واشنطن حيال القدس، نظرا لقلة الخيارات المتاحة قبل شهر من موعد نقل السفارة الاميركية الى المدينة التي تقع في صلب أحد أطول الصراعات في الشرق الأسط.
كما ان الدول العربية الكبرى وفي مقدمها السعودية، بدت في القمة التي استضافتها الظهران الأحد غير مستعدة للمخاطرة بعلاقاتها القوية مع ادارة الرئيس الاميركي دونالد ترامب في ظل مواجهة اقليمية مستمرة مع الخصم الأكبر: ايران.
وقال الخبير في شؤون الشرق الأوسط في “المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية” دوني بوشار لوكالة فرانس برس “بشكل عام، غالبا ما تكون القمم العربية خطابية أكثر منها عملية، ولا أظن ان الأمر سيتخطى العامل الخطابي” بعد قمة الظهران.
وأضاف “بالنسبة الى السعودية، فان الأولوية هي للعلاقة مع واشنطن”.
وتعتبر إسرائيل القدس بشطريها عاصمتها “الأبدية والموح دة”، في حين يطالب الفلسطينيون بأن تكون القدس الشرقية عاصمة لدولتهم المنشودة.
وكان ترامب أثار غضب الفلسطينيين حين أعلن في ديسمبر الماضي اعترافه بالقدس عاصمة لاسرائيل ونيته نقل السفارة الاميركية اليها في مايو المقبل.
ويشكل هذا القرار قطيعة مع نهج دبلوماسي تبنته الولايات المتحدة طوال عقود. وكانت اسرائيل احتلت القدس الشرقية في عام 1967، وأعلنتها عاصمتها في 1980 في خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي وضمنه الولايات المتحدة.
وترى المحللة السياسية الفلسطينية نور عودة انه لم تكن هناك توقعات كبيرة قبل انعقاد القمة العربية حيال كيفية تعامل القادة العرب مع هذا القرار.
وأوضحت “الناس العاديون، والسياسيون، يدركون حجم المشاكل (…) العربية، وان الحكومات العربية لن تواجه ترامب”.
وأطلق على اجتماع الظهران تسمية “قمة القدس”. وندد العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز في الجلسة الافتتاحية بقرار الولايات المتحدة، ولحقه في ذلك زعماء دول عربية آخرون. كما أعلن الملك سلمان عن تبرعات بقيمة 150 مليون دولار للقدس و50 مليون دولار للاجئين الفلسطينيين.
وفي ختام القمة، اك د المجتمعون في بيان انهم يرفضون القرار الاميركي، معتبرين انه “غير شرعي”.
وقال مسؤول عربي لفرانس برس مشترطا عدم الكشف عن اسمه، ان “حتى أقرب حلفاء واشنطن (الرياض وأبوظبي والقاهرة) يدركون جيدا انهم لا يملكون الكثير من الخيارات الدبلوماسية”.
وأضاف المسؤول “هدفهم تحسين موقف الفلسطينيين قدر الامكان، انما لن يذهبوا الى حد المواجهة مع الادارة” الأميركية.
واعتبر من جهته الوزير السابق غسان الخطيب نائب رئيس جامعة بيرزيت قرب رام الله ان قادة الدول العربية “ليسوا على استعداد للمخاطرة بعلاقاتهم مع الولايات المتحدة”.
ويأتي القرار الاميركي حول القدس في وقت تشهد علاقة ادارة ترامب بالسعودية والامارات ودول عربية اخرى، تقاربا كبيرا بعد سنوات من الجفاء مع إدارة الرئيس الأسبق باراك اوباما على خلفية الموقف من طهران، الخصم الأكبر للرياض.
وتخوض السعودية وايران منذ سنوات صراعات بالوكالة في الشرق الاوسط، من سوريا واليمن، الى العراق ولبنان.وتساند إدارة ترامب السعودية في هذه المواجهة، حتى انها ذهبت والى حد التلويح بامكانية تمزيق الاتفاق النووي الموقع بين ايران ودول غربية في عهد اوباما.
ويرى خليل حرب مدير تحرير موقع “جورنال” المتخصص بأخبار دول الخليج ان “السعودية والامارات من الدول العربية الأساسية التي تشعر منذ الاتفاق النووي مع ايران (2015) ان واشنطن لم تاخذ بالاعتبار هواجسها من الحضور الايراني القوي في المنطقة”.
وتابع ان هاتين الدولتين تحاولان الآن “دفع إدارة ترامب (…) لمراجعة الموقف الاميركي من الاتفاق النووي. وفي لحظة سياسية كهذه، لا تريد الرياض احراج او اغضاب الاميركي”.
بدوره يقول المحلل كريم بيطار من “معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية” ومقره باريس ان السعودية وحلفاءها “يشعرون بالقلق من التهديد الايراني، ويعتبرون ان عليهم تنسيق جهود مكافحة ايران عبر الولايات المتحدة، واسرائيل”.
وفي خضم الجدل الذي أثاره قرار ترامب بشان القدس، حذر مراقبون من ان الخطوة قد تؤدي الى أعمال عنف جديدة في المنطقة. الا ان بوادر انفتاح على اسرائيل، ودعوات غير مسبوقة للسلام مع الدولة العبرية، بدأت تخرج الى العلن.
وقال ولي العهد السعودي الأمير الشاب محمد بن سلمان (32 عاما) في مقابلة مع مجلة “ذي أتلانتيك” الاميركية قبل نحو اسبوعين ان للاسرائيليين الحق في ان تكون لهم أرضهم، معتبرا انه إذا تحقق السلام “فستكون هناك الكثير من المصالح بين اسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي”.
واتصل الملك سلمان بالرئيس الاميركي بعد ساعات من هذه التصريحات، ليجدد موقف المملكة “تجاه القضية الفلسطينية والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في قيام دولته المستقلة وعاصمتها القدس”.
وعشية قمة الظهران، نشرت صحيفة “الرياض” مقالا لنائب لرئيس تحريرها بعنوان “قمة الظهران.. سلام مع اسرائيل ومواجهة مع ايران”، اعتبر فيه ان “على العرب أن يدركوا أن إيران أخطر عليهم من إسرائيل”.
وأضاف في دعوة غير مسبوقة في صحيفة سعودية “لا خيار أمام العرب سوى المصالحة مع إسرائيل، وتوقيع اتفاقية سلام شاملة، والتفرغ لمواجهة المشروع الإيراني في المنطقة”.

السلطة الفلسطينية ترحب

رحبت السلطة الفلسطينية بقرارات قمة جامعة الدول العربية التي عقدت امس الأحد في “الظهران” بالمملكة العربية السعودية، وأطلق عليها اسم “قمة القدس”. وقال وزير الخارجية والمغتربين في السلطة الفلسطينية رياض المالكي، إن القادة العرب “تبنوا كافة القرارات التي اعتمدها وزراء الخارجية العرب ، وتتعلق بالقضية الفلسطينية دون تحفظ أو تعديل”. وأكد المالكي لإذاعة (صوت فلسطين)، أهمية هذه المواقف العربية الداعمة للشعب الفلسطيني وحقوقه لاسيما الاستجابة مع مطلب فلسطين بتسمية القمة “قمة القدس” ، وتقديم الدعم المالي لها ولوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا). وذكر المالكي، أنه سيتم اليوم توجيه رسائل رسمية لرئاسة “قمة القدس” الممثلة بالمملكة العربية السعودية وللأمانة العامة للجامعة العربية ، بهدف التنسيق معها لوضع آلية تنفيذية للقرارات التي تم اتخاذها بشأن القضية الفلسطينية، ووضع جدول زمني لتطبيقها، ومن ثم البدء الفوري بالتنفيذ. وكان المشاركين في القمة العربية تعهدوا بالاستمرار في تقديم الدعم والتأييد العربي اللازم لنصرة القضية الفلسطينية باعتبارها قضية الأمة العربية “المركزية”. وقال أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات- عضو الوفد الفلسطيني للقمة العربية- في تصريح لإذاعة (صوت فلسطين)، إن القمة العربية “تبنت بالكامل كافة المقترحات الفلسطينية واعتمدتها في قراراتها وأبرزها اعتماد الرؤية السياسية التي طرحها الرئيس الفلسطيني محمود عباس أمام مجلس الأمن في يناير الماضي”. وأبرز عريقات أن القادة العرب أدانوا قرار اعتبار القدس ، عاصمة لإسرائيل، وأكدوا الحق الفلسطيني الثابت في المدينة المقدسة “بوصفها عاصمة لدولة فلسطين”. في السياق ذاته، اعتبر عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أحمد مجدلاني، أن “النتيجة الأبرز للقمة العربية، هي قطع الطريق على الادارة الأمريكية على ضوء قرارها الأخير الهادف لتصفية القضية الفلسطينية ، من خلال إنهاء قضيتي القدس واللاجئين”. و أضاف “أمامنا فرصة لتحويل رؤية الرئيس عباس للسلام عبر إقامة مؤتمر دولي متعدد الأطراف، والتحرك للاعتراف بالدولة الفلسطينية على أراضي عام 1967، والحصول على مقعد دائم في الامم المتحدة”. بدورها، رحبت “الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين” بإطلاق اسم القدس على القمة العربية، ورأت في ذلك “خطوة إيجابية تستوجب لإرادة الشعب الفلسطيني ونضالاته وتضحياته ولإرادة الشعوب العربية والمسلمة في دفاعها عن القدس”. وأكدت الجبهة في بيان لها أن إطلاق اسم القدس على القمة العربية “يضع الدول العربية أمام واجبات قومية وأخلاقية نحو المدينة، باعتبارها إلى جانب كونها مدينة مقدسة ،عاصمة للدولة الفلسطينية ومحورا رئيسيا من محاور الصراع مع إسرائيل”. وحثت بهذا الصدد على “رسم خطط وبرامج وآليات عربية لصون مدينة القدس من التهويد والضم وإسناد الشعب الفلسطيني في دفاعه عنها”. وشدد البيان الختامي للقمة العربية ال29 التي انعقدت في “الظهران” بالسعودية، على استمرار مساعي إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من يونيو 1967، وفقا لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة ومبادرة السلام العربية ، وتحقيق السلام العادل والشامل في منطقة الشرق الأوسط. وأكد البيان “وقوف العرب صفا واحدا أمام كل المحاولات الرامية لتصفية قضية فلسطين وتهويد القدس الشريف، فضلا عن دعم صمود أهلها بكافة الوسائل الممكنة”. وجدد رفض إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 6 ديسمبر الماضي اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، مؤكدا أن القدس الشرقية” جزء لا يتجزأ من الأرض الفلسطينية”
وطالبت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية بمواجهة جدية لردع المحاولات الإسرائيلية الرامية الى اختراق الموقف الدولي من القدس المحتلة.
وأوضحت الوزارة، في بيان صحفي اليوم الثلاثاء، أن ترتيب زيارة سفراء 40 دولة في الأمم المتحدة إلى إسرائيل، وتنظيم جولة لهم في القدس المحتلة يأتي في سياق تحرك إسرائيلي لاستمالة هذه الدول لصالح التصويت لعضوية إسرائيل في مجلس الأمن نهاية يونيو القادم عن طريق الاقتراع السري.
وأضافت أن الزيارة تأتي في إطار المحاولات الاحتلالية المكشوفة لإقناع العديد من الدول بنقل سفاراتها الى القدس المحتلة.
وتابع البلاغ “تواصل دولة الاحتلال القيام بحملات تضليل وتزوير للحقائق في أوساط الرأي العام العالمي والمسؤولين الدوليين، من أجل تبييض انتهاكاتها الجسيمة للقانون الدولي وجرائمها بحق أبناء شعبنا وأرضه وممتلكاته ومقدساته”.
وأكدت الوزارة أن هؤلاء السفراء ودولهم يعلمون جيدا بأن القدس الشرقية وبلدتها القديمة هي أرض فلسطينية محتلة، ويدركون أن المستوطنات غير شرعية وباطلة وغير قانونية وفقا للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، وزيارتهم لها تعتبر انتهاكا لالتزامات دولهم بالشرعية الدولية وقراراتها، وخروجا على قوانين المنظومة الدولية التي يعملون بها.
ولفتت إلى أنه من المقرر أن تشمل زيارة هؤلاء السفراء مستوطنة معاليه أدوميم شرق القدس ومواقع تاريخية وأثرية أخرى، بهدف الترويج لرواية الاحتلال التهويدية.
وذكرت القناة 12 العبرية، اليوم الثلاثاء، أن محكمة الاحتلال في القدس، سمحت يوم أمس، ولأول مرة منذ إنشاء دولة الاحتلال بالصراخ داخل المسجد الأقصى المبارك بعبارة “شعب إسرائيل حي”.
ونقلت وكالة الأنباء الفلسطينة (وفا) أن القناة العبرية أوضحت أن “أن قرار المحكمة جاء بعد رفع التماس من المستوطن الإرهابي “ايتمار بن جفير” إلى المحكمة بالسماح لليهود بالصراخ بهذه العبارة تماما كما هو مسموح للفلسطينيين بالتكبير داخل المسجد الاقصى” .
وقال بن جفير، الذي تلقى قرار المحكمة ببالغ الفرحة والسرور، إن الخطوة القادمة هي السماح لليهود بالصلاة داخل الأقصى كما يصلي المسلمون.
وأشارت (وفا) إلى أن ايتمار بن جفير هو مستوطن ارهابي يسكن قلب مدينة الخليل، ويتجول في أحيائها بحرية مطلقة منذ سنوات عديدة، ولطالما اعتدى على المواطنين الفلسطينيين، وممتلكاتهم، ومقدساتهم.


بتاريخ : 19/04/2018

أخبار مرتبطة

يؤكد الفيلسوف ميشيل فوكو أن عصر الأنوار «لم يجعل منا راشدين»، ظلك أن التهافت الأخلاقي للغرب ظل يعيش، إلى الآن،

نعود مجددا إلى «حياكة الزمن السياسي في المغرب، خيال الدولة في العصر النيوليبرالي»، هذا الكتاب السياسي الرفيع، الذي ألفه الباحث

جيد أن تبحث عن ملاذات في أقاصي نيوزيلندا، لكن، أن تحاول تشييد حضارة جديدة على جزر عائمة، فذاك أفضل! إنه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *