خَمِيلَةُ عَاشِقٍ..

1-
آهٍوآهٍ..
يَاسَفِينَةَ أَحْرُفِي،
حَطَّتْ رِحَالُكِ فِي مَرَافِئِ عَاشِقٍ،
تَرْمِيهِ سَاحِرَةٌ بِنَارِ الْحُزْنِ إِنْ كَدَرا..
وَرَحْبُ الْخَطْوِ لِلْعَرَصَاتِ أَدْخَلَنِي،
فَجِئْتُ إِلَيْكِ يَا مَكْنَاسُ مُعْتَمِرًا،
وَجِئْتُ إِلَيْكِ وَالأَشْوَاقُ تَحْمِلُنِي،
وَفِي الأَحْلَامِ أَنْغَامٌ عَلَتْ وَتَرَا..
وَلَمَّا سِرْتُ فِي أَحْرَاشِكِ الْكُبْرَى،
وَجَدْتُ الْجَدْبَ مُنْتَشِرَا
وَبَابَ الرِّيحِ مُنْغَلِقاً
وَخَلْفَ الْبَابِ أَشْجَارٌ تَشِيخُ بِلاَ ثِمَارٍ
وَالرُّعُودُ تَهُدُّ فِيهَا الأخْضَرَا
وَإِذَا السَّحَابُ عَلَى الْمَدِينَةِ مَارِدٌ مُتَجَبِّرٌ
يَكْسُو سَمَاءَ دُرُوبِهَا حَجَرَا
وَيَخْتَرقُ الْمَدِينَةَ كُلَّمَا صَمَدَتْ
وَأَوْقَفَتِ الْكَوَابِيسَ الرَّهِيبَةَ في الْكَرَى..
2-
أَحْلاَمهُاَ تَرْوِي جَدَاوِلَ مُهْجَتِي،
تَرْوِي خَمِيلَةَ عَاشِقٍ،
مَكْنَاسَةُ الزَّيْتُونِ أَيْكَتُهَا،
وَرُوحِي ضَمَّخَتْنِي فِي مَدَارِجَ مِنْ هَوًى،
نَامَتْ عَلَى تَارِيخِهَا زَمَنًا،
وَقَامَتْ في الصَّبَاحِ تُجَدِّلُ الأَنْوَارَ مِنْ غَضَبٍ،
وَحُرْقَةِ عَاشِقٍ،
فِي جَبْهَةِ الْأيَّامِ تَكْتُبُهَا
عَلَى أَسْوَارِهَا رَقَصَ الزَّمَانُ مُعَرْبِدًا
وَعَلَى هَدِيلِ حَمَامَةٍ نَامَتْ،
وَبَاتَتْ تَكْتُمُ الأحْزَان فِي قَلَقٍ،
وَتَرْسُمُ فِي الْمَهَانَةِ وَجْهَهَا..
3-
آهٍ أَيَا مَكْنَاسُ،
يَا مُرْجَانَةَ الرُّؤْيَا..
تَقَاسَمَكِ اللُّصُوصُ وَهَاجَرُوا،
يُخْفُونَ عَنْكِ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَا..
وَحِينَ يُقامِرُونَ بِوَجْهِكِ الأبْهَى،
وَيَقْتَلِعُونَ مِنْ عَرَصاتِهِ الشَّجَرَا..
أَلُومُ الْكَبْوَ مَرَّاتٍ عَلَى مَضَضٍ،
وَأَنْهَضُ كَالْحِصَانِ إِذَا كَبَا وَتَعَثَّرَا..
أَغْتَصُّ باِلأحْزَانِ حِينَ أَرَاكِ تَحْتَ نِعَالِهِمْ،
وَأُقَارِعُ الْقَدَرَ الرَّهِيبَ وَمَا جَرَى،
أَتَنَسَّمُ التَّارِيخَ فِي فُسْتَانِكِ الْأَبْهَى
أَعْبُرُ فِي مَصَابِيحِ الْطَّرِيقِ وَلاَ أَرَى
أَتَوَقّعُ الْأَسْوَارَ تَنْطِقُ بِالرَّعَاعِ وَقَهْرِهِمْ
وَتُحَدِّثُ الرَّيْحَانَ عَنْ زَمَنٍ طَغَى وَتَجَبَّرَا
مَكْنَاسُ يَا مَكْنَاسُ..
يَا أَثَرًا تَسَاقَطَ فِي الْمَقَابِرِ وَالثَّرَى..
4-
فِي البُؤْسِ تَنْتَحِرُ الْمَدِينَةُ كُلَّمَا خَفَقَتْ،
وَلاَ تَخْبُو حُرُوفُ كَلَامهَا
فِي الصُّبْحِ تَحْتَرِقُ الْمَدِينَةُ وَحْدَهَا
وَالْحَرُّ وَالأشْوَاكُ وَالْحَجَرُ
وَنَارُ الشَّمْسِ في دَمِهَا..
مِيَاهُ عَرِينِهَا تَجْرِي وَمَا انْسَكَبَتْ،
وَلاَ رَوَتِ الْجَنَائِنَ كُلَّهَا
طُرُقُ الْمَدِينَةِ يَخْرُجُ الثُّعْبَانُ مِنْ فَمِهَا
وَحَبِيبَتِي تَحْكِي غَرَائِبَ لَيْلِهَا
صَارَتْ بَيَارِقَ مِنْ حَرِيرٍ ضَمَّهَا صَدْرِي،
مَلَائِكَةً تُعَمِّدُ خَطْوَهَا
وَأَنَا الَّذِي أَقْبَلْتُ مِنْ زَمَنِي أُرَاوِدُ عِشْقَهَا
فَوَجَدْتُ فِيهَا عَبْلَةً أُخْرَى
وَجَدْتُ حُرُوفَ حُسْنِهَا انْدَثَرَتْ،
وَصِرْتُ حَبِيسَ أَسْوَارٍ تَصِيحُ وَتَنْحَنِي
عَلِّي إِذَا سَكَنَتْ جِرَاحِي،
أَزْرَعُ الرَّيْحَانَ فِي بُسْتَانِ عَاشِقَتِي كِتَابًا مِنْ هَوًى،
عَلِّي أَكُونُ كَمَا أَنَا
عَلِّي أَكُونُ أَمِيرَهَا
وَصَبَابَتِي في الْقَلْبِ عَاصِفَةٌ
وَعِشْقِي فَاتِنٌ مُتَرَقِّبٌ..
لَكِنَّنِي أَبْصَرْتُ حُلْكَةَ وَجْهِهَا،
أَبْصَرْتُ خَاتِمَةَالطَّرِيقِ،
وَغاصِبًا وَجِلًا يُرَتِّبُ مَحْوَهَا..


الكاتب : عبد الله فراجي

  

بتاريخ : 15/02/2019