ذهبنا إلى الصين، وعدنا …من المستقبل! 21 : ها نحن نقترب من مدينة ابن بطوطة: الزيتون سابقا، تشوانتشو حاليا!!

من الصعب أن تعود من الصين كما ذهبت إليها، ومن الصعب أن يقتصر الذهاب إليها، على حالة فرح مصاحبة لسفر كالأسفار الأخرى. الصين بقعة من العالم القادم، ولغة سميكة، قادمة من التاريخ أيضا. بلاد تستمر  من التاريخ العريق إلى الغد المذهل.
دخلنا أحد البيوت، هو بيت دليلتنا. تبين لنا أن والدتها ترعى المكان، لاحظت في ركن البيت بئرا صغيرة، تغرف منها الماء بمغرفة كبيرة، هنا يباع الشاي، بكل أنواعه…
غادرنا المكان، بعد أن شربنا الشاي واقتنى بعضنا الشاي من طراز خاص بالمنطقة والتي مدحها مرافقنا المسؤول السياسي عن الوفد … ولما قطعنا الجسر، وجدنا أنفسنا أمام مقهى بها طاولة تنس أو البينغ بونغ، وجدنا طفلين متوحدين يلعبان، أحدهما استأنس بنا، بدأ يلاعب أفرادا منا ويلاعبونه..
وصلت الحافلة التي تقلنا، عبر منعرجات غير تلك التي جئنا منها.. عندما ركبنا، وجدنا وفدا صينيا بها، ركبنا معهم نفس الحافلة، كي لا ننتظر طويلا، وأوضح أن الذي ينظم الرحلات يملكها ويتصرف بها عند الحاجة بدون أن تكون لكل وفد حافلة خاصة به..
كان علينا أن نقطع قرى على طول النهر، ما بين الجبال العالية..
القرية التي نعبرها كان اسمها قديما مدينة شانغجياو، بها طرق قديمة كما يبدو، ضيقة تغري السياح بالمشي.. هناك نواعير كبيرة، وبيوت وطئة، كما يرويها الفقيد محمد زفزاف، جمال عتيق، وهدوء ميلوديا يغمرنا بالأخضر الوارف فوقنا، الأشغال متواصلة على الجبال لبناء الجسور، والرافعات الرهيبة، مثل آلات “حرب العوالم”، الضخمة تبدو وكأنها بلا صوت، في هذا الفج العميق ..
نزل السياح الذين كانوا قبلنا وواصلنا المسير في الحافلة لوحدنا، بدأ التعب يهزمنا، بعضنا استسلم للنوم، والبعض الآخر لتأمل المناظر الخلابة…أمامنا ثلاث ساعات من السفر، نفس التوقيت ما بين الدار البيضاء ومراكش، على حد قول يوسف شميرو…
على طول نهر يونشياو تسير الغابة خضراء وعفوية، ومزارع الموز على السفوح..
يسألني عبد العزيز المسعود: زرنا نصف الصين، فأين المليار وأربعة ملايين نسمة؟
ويجيب بأغنية جاك بريل
‏ils sont deux mille
‏Et je ne vois qu`eux deux
وسط الغابات والحقول، التي تتخللها، استعين بكتاب أمين معلوف..
لا شيء في الصفحات 317 فما بعدها…
عدنا إلى الفندق في تشيوانتشو، أو مدينة الزيتون، نحن نقترب من ابن بطوطة..
مدينة تشيوانتشو، Tchiouan-Tchéou هي مدينة /عمالة، في جهة فوجيان، على بعد مئة كيلومتر عن شيامن، التي نغادرها.
تقول سيرتها على صفحات الويب إنها “تشوانتشو” أو “مدينة الزيتون” كما سماها العرب، مدينة تجارية بمقاطعة فوجيان، وميناء هام على ساحل بحر الصين الجنوبي عند مصب نهر جن . مثل مدينة قوانغتشو “صين كلان” ارتبطت أيضاً بالتجارة الخارجية بشكل عام، كما ارتبط ازدهارها بالوجود العربي والإسلامي. تجتذب عبر التاريخ العرب والمسلمين بتجارتهم وثقافتهم. وهي إحدى أكثر مقاطعات الصين التي تعج بالمسلمين وبالمساجد الكبيرة والصغيرة…”.
في المتحف البحري أو تاريخ النقل البحري، وجدنا آثارنا الإسلامية، هذا المتحف الذي بدأ في 1959، دليل على عمق الصين وبالذات عمق المدينة التي زارها ابن بطوطة. في الداخل وجدنا عبارة ذات دلالة عميقة “انظر إلى الماضي من أجل فهم المستقبل”.
شيوانتشو هي اسم آخر لمدينة ايتون التي سماها العرب، كما سنذكره، كما سنجد العربية حاضرة في الشواهد وفي الدعوة إلى طلب العلم .. متحف تشيوانتشو البحري يحتوي على أكبر تشكيلة من الشواهد الإسلامية والهندوسية والنقوش في البلاد، مما يعني أنها كانت مدينة التعايش الصيني..
كانت محطة من محطات طريق الحرير البحري ‬الذي‮ ‬ينتهي‮ ‬بمصر،‮ ‬وطريق الحرير البري‮ ‬الذي‮ ‬يعبر شبه جزيرة سيناء وينتهي‮ ‬بهذه المنطقة‮.‬
في المتحف وجدنا خارطة وشاشة عرض الأماكن التاريخية، وهي فكرة بسيطة لكنها بيداغوجية، تجمع بين التكنولوجيا والتعليم..قالت السيدة، التي تدلنا على أقسام المتحف، كل أنواع السفن موجود هنا، كنماذج لما عرفته الرحلات البحرية، ومنها مركب على شكل طائر، استعمل في القرن الثالث الميلادي .. في سياق الرحلة، وجدنا تعريفا على الخط الزمني المرسوم بالضوء: “أتباع محمد”، والمقصود بها أصحابه الكرام، الذين وصلوا في الفترة ما بين 618‪/‬626…
وأخيرا وجدنا أول أثر لابن بطوطة، في المستقيم الزمني الذي صمم على طول الجدار، مكتوب وصول الرحالة المغربي إلى ايتون، في سنة 1346..
نواصل ونجد خارطة أخرى على الأرض، افتراضيا مرة ثانية، تقول الدليلة إن” شيوانتشو كانت مدينة، في الوقت الذي كانت فيه شنغهاي ما زالت قرية بحرية”.
النقود المعروضة آثارها على الخزف تعود إلى القرن العاشر قبل الميلاد.. الجراب الكبيرة من فارس تدل على أن الملكيات وقتها كانت تعرف تبادل الهدايا بين بعضها البعض ..
نجد في المتحف أيضا مركبا من خشب وخزف لاستقبال المراكب التي تزور الميناء والاحتفال بها، وعلى المراكب بخور وجواري على هودج من طين..، ومن تجميل التاريخ، فيلم متحرك، للبواخر والطيور والمسافرين، كما في لحظة توثيق وصول ابن بطوطة إلى الميناء في التاريخ المذكور أعلاه…
وقد وجدها كما قالت الدليلة: “مدينة عظيمة‮ كبيرة تصنع بها ثياب الكمخا والأطلس/الساتان‮، ومرساها ‬من أعظم مراسي‮ ‬الدنيا‮ أوهو أعظمها رأيت به نحو مئة جنك” والجنك هو السفينة الكبيرة…‮ ‬
فرس وعرب، مكتوب على لوحة في المتحف، تخلد ما فعله العرب والفرس من نشر للإسلام وبناء أسر حاكمة.
كتابة على الزجاج بالعربية تذكر بذلك..خارطة الشريف الإدريسي، لوحة “اطلبوا العلم ولو في الصين”.. على لوحة تقول كتابة بالعربية إن أربعة صحابة جاؤوا إلى هنا، اثنان منهما مدفونان هنا، في المقبرة الإسلامية في الخارج …
قبور وشاهدات

قبور بدون جثث أصحابها تم الاحتفاظ بها هنا في المتحف..
أسجل في هامش الكراسة: لماذا نشعر بالحاجة إلى التقاط صور لقبور غريبة؟
يقول الدليل بلغته التقريبية : الذين يسكنون القبور هنا!
في كل لحظة نرى ابن بطوطة، وننتظر أن نصل إلى تمثاله الكبير
في الجزء الإسلامي من المتحف..


الكاتب : عبد الحميد جماهري

  

بتاريخ : 10/01/2020