ذهبنا إلى الصين، وعدنا …من المستقبل! -28- الثلاجة التي تفحص جودة الطعام وتتبضع لأهل البيت والإنسان الآلي الذي يصنع نفسه والروبو الجراح

من الصعب أن تعود من الصين كما ذهبت إليها، ومن الصعب أن يقتصر الذهاب إليها، على حالة فرح مصاحبة لسفر كالأسفار الأخرى. الصين بقعة من العالم القادم، ولغة سميكة، قادمة من التاريخ أيضا. بلاد تستمر  من التاريخ العريق إلى الغد المذهل.

 

إنه اليوم ما قبل الأخير، الثلاثاء 10 دجنبر2019، لا شيء ذا بال هذا الصباح. نغادر فندق «لارونيسونس»، على متن الحافلة، وعلى بعد خطوات من الفندق نكتشف مسجدا في قلب شنغهاي، بعلامة تشوير تدل عليه..في شارع كسياو غويان xiao guyan، وهو واحد من 8 مساجد في المدينة يؤمها حوالي 80 ألف مسلم من أهل شنغهاي بالإضافة إلى أكثر من 10 آلاف مسلم من خارجها، … حسب ما تحدث به إمام أكبر مسجد فيها.
وحسب تاريخ العالم الإسلامي الحديث والمعاصر، لمؤلفيه إسماعيل أحمد ياغي ومحمود شاكر، فإن الصين تعتبر المسلمين أحد العناصر الخمسة المكونة لها.. وهي الصيني والمنشوري والمغولي والتبتي والمسلم/الهولي .
اليوم هو اليوم العالمي لحقوق الإنسان، والرفيق المسعودي عبد العزيز يذكرنا في كل لحظة بضرورة تنظيم وقفة احتجاجية كما في المغرب.
قال المسعودي إنها المرة الأولى منذ أربعين سنة، لا يحضر وقفة 10 دجنبر لأجل حقوق الإنسان،… يرفع المسعودي الشعارات ضد الرأسمالية متهكما: الرأسمالية هاهي، الشيوعية فينا هي..
نضحك لهذا الإنسان اللطيف، الفريد من نوعه، في طيبوبته وفي طريقة تفكهه وسخريته….
البارحة توصل برسالة قصيرة، «ايسميس»، تخبره بأنه أصبح متقاعدا..
وصلنا إلى مركب الذكاء الإصطناعي، حيث الصين تمتحن المستقبل بذكاء غير ذكائها الطبيعي، أول مجمع للأبحاث الدينامية، seminar evolution experience dynamic: هنا سأعرف الإسم الحقيقي للمرافق المترجم خضر: zhen nan nan
أخيرا لم تعد لخضر .
أول ما نقرأ: «لا تصوير»، ونسخر من العبارة، أتعتقدون أننا إذا ما التقطنا الصور سنسرق ذكاءكم ونقلدكم عندما نعود إلى بلادنا؟ يبتسمون من تعليقاتنا.
عند البوابة يتم عرض فيلم مؤسساتي عن المؤسسة، ومن بين ما صادفناه عند الخروج هو طريق بممرات راجلين افتراضية.
بمعنى أن الطريق والشارع في المستقبل، عندما يحين وقت مرور الراجلين، تفرش أمامهم الممرات بخطوطها البيضاء والرمادية، وسرعان ما يتم «جمعها» بعد مرورهم!
بعدها يدخل بنا دليلنا الصيني إلى البيت الذكي، بيت المستقبل، به ثلاجة ذكية تعطيك نظرة عن جودة الطعام الذي اقتنيته وتركيبته، ثلاجة، يمكن لها أيضا أن تتبضع لصاحبتها أو صاحبها في الدار.
تقوم هي برصد ما تبقى من الأطعمة بداخلها وتخبرك بأن البصل قد تناقص بأكثر من قيمته مثلا، وأن الطماطم انتهى مخزونها وأن الحليب بقيت منه كمية قليلة لا تفي الغرض، وتضع إصبعك على ما تريد اقتناءه، وهي تقوم بإرسال الطلبيات إلى ماركيت في المدينة، لكي تصل البضاعة إلى البيت، عندما تكون قد دفعت الثمن عبرها هي نفسها، كما لو كانت شباكا أوتوماتيكيا…
هل تصدقون هذا، إليكم ما هو أكبر، في القاعة المجاورة: قف وتحدث إلى آلة موضوعة أمامك، وهي تتولي نقل كلماتك العربية مكتوبة، ثم تقوم بترجمتها إلى الصينية.
ولما قام دليلنا بالتجربة، تقاذفت أمامنا الحروف العربية، في تركيب صيني غير دقيق لأنها المرة الأولى في عمر الآلة،… أغرت التجربة مصطفى الخلفي فجرب…ورأينا.. وانتقلنا إلى الروبو الجراح!في المستقبل الحالي، ايه نعم الحالي…… أمامنا لا حاجة للطبيب في قاعة العمليات لإجراء عملية جراحية تتم عن بعد فقط!
هي شركة صينية أمريكية من تتولى هذه التقنيات وتطويرها، الفيلم المرافق للعرض، يظهر رجلا عسكريا قطعت يده، وقد تمت معالجتها حتى صار قادرا على الكتابة! والجديد في هذا ،هو أن الإشارة التي تتجه من الدماغ إلى اليد، لكي يحركها ويتحكم فيها، تم تعويضها بمسار آخر، حيث يضع العسكري سوارا bracelet، هو الذي يلتقط الإشارة لتصل اليد مباشرة، وهي يد اخترعتها شركة «اي بي بي»، لتقوم بالنقش الدقيق على الحديد، كما اخترعت كاميرات تصور على مدار 360 درجة، وهي كاميرات أفلام المستقبل…
هاهي جزيرة الكنز الافتراضي، الذكاء الاصطناعي الذي يحل معضلة الصين جوهريا.
عندما سألنا عن سر التوجه إلى الذكاء الاصطناعي، في بلاد تملك أكثر شعب في الكون، من مليار و400 مليون نسمة، وكان يمكنها ان تكتفي بعضلاته او ذكائه الطبيعي، قيل لنا بالواضح: الذكاء الاصطناعي هو جوابنا على شيخوختنا، وعلى متطلبات الجيل الجديد الذي لم يعد يرضى بالكثير من جوانب الحياة العامة.. ووظائفها.
إذا فهمناكم أيها الصينيون، فهذا الشباب، الذي سيصير قليل النسبة، عليه أن يخترع الآلات التي تقوم بعمله مكانه إذا هو فضل الحياة الرغدة بلا عرق ولا كد؟
يا إلهي ألا يوجد مكان ما نشعر فيه بأننا نشبهكم؟
أمامنا الشركات العملاقة ومنها «اي بي بي» .. وهذه الشركة ذاع اسمها في أكتوبر 2018، بمناسبة الإعلان عن خبر الإنسان الآلي الذي يصنع نفسه»…
فقد أعلنت مجموعة «أيه بي بي» وقتها عن مشروع لبناء مصنع جديد في مدينة شنغهاي الصينية تستخدم فيه أجهزة روبوت لصناعة أجهزة روبوت أخرى.
ومن المقرر أن يبدأ تشغيل المصنع الجديد الذي بلغت كلفته 150 مليون دولار بحلول نهاية عام الناس هذا/ 2020.
وقالت المجموعة إن مصنعها الجديد الذي سيشيد على مساحة 75 ألف قدم مربع سيستخدم برمجيات تسمح للبشر وأجهزة الإنسان الآلي بالعمل معا في أمان.
وأضافت أن الأجهزة الآلية التي تصنعها والمصممة للعمل جنبا إلى جنب مع الإنسان ستؤدي أيضا العديد من مهام تجميع القطع الصغيرة المطلوبة لتصنيع أجهزة روبوت من نوع «إيه بي بي».
ولم تكشف الشركة عن عدد العمالة الجديدة بالمصنع، لكنها قالت إنها ستزيد من الاعتماد على العمالة من أجهزة الإنسان الآلي التي يتجاوز عددها في الوقت الحالي ألفي جهاز في الصين… !
هل تريدون المزيد؟
الصين هي أكبر سوق للروبوات، حيث إن واحدا من أصل ثلاثة روبوات يباعون في العالم، يكون من حصة الصين.. كما أن السوق الآلي في صين 2019، كما أورد ذلك تقرير صادر عن المعهد الإلكتروني بالصين تجاوز 29 مليار دولار، …وهو بذلك أول سوق عالميا، وهي الرتبة التي يحافظ عليها البلد منذ 7 سنوات متواصلة!
ومن مستملحات شنغهاي أن باحثين في الذكاء الاصطناعي ابتكروا أو أبدعوا «زوجة روبو»، اييه نعم، وعرضوها في ندوة صحافية تحت مسمى زوجة جياجيا المهندس الذي كان وراء إبداعها، ثم الزواج بها.. وكان شعار الزوجة الإعلامي، هو «لا حاجة إلى الزواج بامراة حقيقية في المستقبل»!
ولعل ذلك ما جعلنا نفهم لماذا كانت دليلتنا صوفي تقول بأن هناك خللا كبيرا في محاصصة النساء والرجال في الصين لفائدة الرجل، بمعنى أن عدد الإناث أقل من عدد الرجال، ولهذا يجد الرجال صعوبة في الزواج….
وحسب روبورطاج نشرته «يومية الشعب» فإن الفارق يفوق 6 ملايين نسمة. إذ أن العزاب في مرحلة ما بين 30 و39 سنة!
وحسب الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، فإن الصين في هذا العام 2020، ستعرف 24 مليون صيني عازب يبحثون عن زوجة!


الكاتب : عبد الحميد جماهري

  

بتاريخ : 18/01/2020