رسالة ترتعش

صباح الخير صغيرتي؛

لكم تمنيتُ أن تظلي هكذا نائمة إلى أن تمر العاصفة؛
أحاول الآن أن أسترق القليل من النظرات والكثير من الأمل منك قبل أن أغادر البيت، وكلي رجاء عندما أعود، بألا تحمل خطواتي إلى الخارج رائحة الخوف المتربص بملامح الناس العجِلين والوجِلين، إلى سكينتك النسبية.
اشتقت إلى وجهك الصغير وأنت تستبقين الجميع لفتح الباب… إلى حضنك صغيرتي. وكم يؤلمني أن أطالبك بكل قسوة، أحيانا، بالابتعاد.
– ولماذا تبتعدين؟
– ليكبر قرص الشمس بين يديك أكثر صغيرتي.
-” أنا لست خائفة ماما” تقولين بحكمة الصغار الذين يكبرون في الظلال.
لكنني أنا الخائفة ، أنا التي جَبُنتُ أمام هذا الإنذار بالموت البطيء. خائفة من أن يأتي الغد بدوننا، وبدون العصافير التي أصطادها كلما ضحكتِ، بدون مطر يغسل روحي التي صدئت من كثرة الانتظار.
أنام بعينين مفتوحتين يسكنهما الخوف، ولا يوقظني إلا صوتك الذي لا يتعب من السؤال:
متى ستنتهي هذه القيامة المسبقة؟
لقد صيّرتِ قلبي عاريا، عندما احتميتُ بصمتي في مواجهة السؤال، ولم أزرع في قلبك إلا غابة من الضباب.
لحظتها قلتِ بيأس غائم لا يليق بطفل في سنك: أريد الدفاع عن نفسي ماما، لكن هذا الفيروس لا يفهم لغتي.
ليس الفيروس وحده من لا يفهم لغتك صغيرتي، العالم كله لا يفهم لغتك، له حساباته الخاصة وموازينه ولغته.
هذا العالم المدجج بكل أسباب الرعب، لا يشبه الأطفال، إنه لا يشبه إلا نفسه.
لا تدرين كم بابا من حدائق النار فتحت في وجهي عندما طلبت منك ، رفعا للملل، أن تدوني يومياتك وتتمثلي هذا الزائر الثقيل في القصص التي تحبين كتابتها. لحظتها أجبتِ: لا يمكنني أن أعيش الخوف مرتين.
أما أنا فأحاول أن أملأ هذه الثقوب الكبيرة في الروح التي اكتشفتها الآن، وأحشوها بمرهم خافٍ للعيوب، تلك العيوب التي كنت أجهد النفس كي لا يراها أحد.
كل الكلام الأخضر الذي كنت أخبئه في جوف أشجاري، صار أصفر وبلا رائحة.
أحاول أن أبتكر أشكالا جديدة من الحب … أن أبتر كل الحواس التي تخونني وتهفو إليك في لحظات ضعفي.
أجرب أن أعانق الفراغ الممتلئ الذي يفصلني عنك..أن أرسل قبلا عابرة للهواء أتمنى ألا تحترق قبل الوصول إليك.
أحيانا يعتريني الشك في أن قبلاتي ليست معقمة بما يكفي.
صغيرتي؛
لا يزال الصبح يطلع من عينيك كبريق الذهب، ولا يزال حديثك عن الغد يحرضني على اقتراف بعض الحياة.
وهذا وحده مصلي المضاد الذي أحقنه في وريدي الناشف.
شكرا ابنتي ، من أجلك ومن أجل كل الأطفال، أمد يدي إلى الشمس لأسرق بعض الدفء الكافي لنكتب ، معا، سيرة الحياة المؤجلة.


الكاتب : حفيظة الفارسي

  

بتاريخ : 27/03/2020

أخبار مرتبطة

  بالنسبة لقارئ غير دروب بالمسافات التي قطعها الشعر المغربي الحديث، فإنّه سيتجشم بعض العناء في تلقّي متن القصائد الّتي

« القصة القصيرة الجيدة تنتزعني من نفسي ثم تعيدني إليها بصعوبة ، لأن مقياسي قد تغير ، ولم أعد مرتاحا

«هَل أنا ابْنُكَ يا أبي؟» مجموعة قصصية جديدة   «هَل أنا ابْنُكَ يا أبي؟»هي المجموعة القصصية الثالثة لمحمد برادة، بعد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *