رغم تراجع نتائجه الأخيرة رفقة ريال مدريد … زين الدين زيدان أفضل مدرب فرنسي لعام 2017

توج المدرب الفرنسي زين الدين زيدان، المدير الفني لفريق ريال مدريد الإسباني، للعام الثاني على التوالي بجائزة أفضل مدرب في فرنسا لسنة 2017 التي قدمتها مجلة «فرانس فوتبول. ابن مدينة «مرسيليا» خالف كل التوقعات وحرق المراحل في مسيرته الكروية، ونجح في قيادة ريال مدريد للظفر بلقب دوري أبطال أوروبا للمرة الثانية على التوالي، بالإضافة إلى لقب الدوري الإسباني وكأس السوبر الإسباني وكأس السوبر الأوروبي، وأخيرا كأس العالم للأندية.
مجلة «فرانس فوتبال» استعرضت حصيلة واهم محطات المدرب طيلة الموسم، نقدمها بتصرف.
2017، سنة المدرب زيدان

يمكن أن نعتبر سنة 2017، هي سنة الإنجازات، سنة التي أصبح فيها زين الدين زيدان مدرب بامتياز بكل ما تحمله الكلمة من معنى، كيف لا وهو الذي حصد الأخضر واليابس وحقق رفقة الفريق المدريدي حصيلة استثنائية جعلته يتوج بلقب أحسن مدرب في العالم وبجائزة أفضل مدرب في فرنسا لعام 2017. صعود زيدان كمدرب بعدما تتلمذ على يد مدرب الريال السابق الايطالي كارلو أنشيلوتي الذي خاض معه تجربة في فريق الرديف، هو مسار لافت في حد ذاته. فزيدان يدرك جيدا، منذ لحظة توقيع عقده مع رئيس النادي فلورنتينو بيريز في يناير 2016 ليحل مكان المدرب السابق رافاييل بينيتيز، أن مسيرته كلاعب والإنجازات والألقاب التي حققها رفقة الفريق لن تشكل له درعا قويا وكافيا لحمايته كمدرب، ولهذا يجب أن يفرض فلسفته وتصوره العملي، وان يكسر مبدأ وفكرة سهولة الفوز التي يعتقدها بعض الأشخاص، حيث قال في تصريح له لمجلة «فرانس فوتبول» : «لست مؤمنا أو محميا بالانجازات التي حققتها مع النادي، زين الدين زيدان لم يعد لاعب الريال، هذا اللاعب أصبح الآن غير موجود…إنني زيدان المدرب الذي ينبغي عليه إعادة إنشاء مسيرته الكروية من جديد.» وتابع «الفوز بلقب أو بكاس أمر يتقاتل من اجله المرء بضراوة، لكن الحفاظ على نشوة الفوز والاستمرار في حصد الانتصارات والألقاب هو أصعب شيء يمكن للمرء تحقيقه»
بمجرد قدوم المدرب الفرنسي إلى القلعة البيضاء، انفتحت لها من جديد أبواب المجد ومعانقة الألقاب، فبعد أقل من خمسة أشهر نجح زيدان من إعادة التماسك والثقة للفريق الذي بدأ يقدم أداء عاليا قاده للحلول بالمركز الثاني في الدوري الاسباني بفارق نقطة واحدة عن البطل، وتمكن من الظفر بثماني ألقاب في موسم واحد (2017ـ2016) ، لقب عصبة أبطال أفريقيا عندما أطاح بفريق اليوفنتيس الايطالي بعقر داره بملعب «تورينو» (0ـ4)، كأس العالم للأندية، كأس السوبر الإسباني، وكأس السوبر الأوروبي عندما تفوق الريال بهدفين أمام فريق مانشسر يونايتد.
ويعتبر زين الدين زيدان شخص محترف مهني وعملي، استطاع معرفة خبايا مهنة التدريب والتحكم في خيوط اللعبة، مستعينا بخبرته الفريدة والمميزة التي بناها خلال السنوات الماضية سواء كلاعب أو كمدرب مساعد، وتمكن بدهاء من الإجابة على جميع الأسئلة التي كانت تشغل ذهن متتبع الشأن الرياضي حول تشكيلة الفريق، جلب وتسريح اللاعبين، كيفية التسيير الجماعي والفردي للموسم، طريقة وخطة اللعب، كيفية الاستعدادات والتدريب…. وتبقى أحسن طريقة لزيدان للرد على منتقديه ومنع الشك والارتياب حول خياراته هي الاستمرار في حصد النتائج الايجابية لأكبر مدة ممكنة والتنافس على عدة واجهات، حيث قال «اعشق الفوز إنني ولدت من اجل هذا وهو الشيء الوحيد الذي يهمني، وبصفتي مدرب الريال مدريد يجب أن ابذل قصار جهدي لكي استمر في تحقيق ذلك، وبالنسبة للأشخاص الذين ظنوا أو فكروا لبرهة إن الظفر بالألقاب يأتي اعتباطا أو انه بالشيء السهل تحقيقه رفقة الريال بدون عمل أو جهد فانتم مخطئون كثيرا. لان هذا يتطلب منا عملا كبيرا ويستنزف طاقتنا…» وأضاف «يتبادر في ذهني مجموعة من الأسئلة، هل أقود الفريق كما يجب؟ هل يجب أن أطور من مستواي؟ هل يجب أن أغير بعض الأمور لتصبح أفضل…؟ إنني ارفع دائما سقف التحدي لكنني لا أتباهى بنفسي وأقول أنني أقوم بعمل ممتاز أو متكامل. حماس اللاعبين يساعد في البداية، لكن بعد مرور ثلاث أسابيع ينتهي كل شيء لأن الإغراء لا يدوم لوقت طويل، إنهم يريدون تحقيق الانتصارات ورؤية خطتك ونهكجك التكتيكي داخل رقعة الميدان، لهذا يتحتم عليك إقناعهم بمهارتك».

سر نجاح زيدان

الأشخاص التي تعرف المدرب زين الدين زيدان وتتعامل معه بصفة يومية تقر على انه يمتلك شخصية حريصة ومتيقظة، فمنذ قدومه في الصباح إلى موقع التدريب الذي يتواجد بحي «فالديبيباس» حتى ذهابه في المساء، يشرف زيدان على كل شيء في التدريب ويهتم بأدق التفاصيل والجزئيات، لأنه وبدون شك يعرف أسرار النادي وكيف يتجنب الفخاخ التي يقع فيها بعض المدربين، إذ قال «أعلم أنه يوم ما سينتهي الأمر مع ريال مدريد، لذلك أحاول أن أستفيد وأستغل كل وسيلة للنجاح، وأقول لنفسي إذا كان يتبقى لك 10 أيام هناك فقم بعملك بعناية، وإذا كانت 6 أشهر فقم بعمل جيد، ولا أفكر في أي شيء آخر، أعلم أنني لن أستمر لعشر سنوات هنا، لذلك فرغبتي الآن هي الاستفادة من الفرص التي تمنحني طاقة كبيرة التي أحاول بدوري نقلها إلى اللاعبين».
الحماس والشغف يدفعان المدرب الفرنسي في كل لقاء إلى الاستعداد الجيد، لان بالنسبة له يوم المباراة هو يوم لا يمتلكه ولا يعلم ما قد يقع أو يحدث ولا يستطيع التكهن بسيناريو أو مجريات المقابلة، لهذا قال في احد التصريحات «نعلم أن المحيط الخارجي لا يساعدنا كثيرا ونعلم أن الحياة صعبة لا يمكننا السيطرة عليها ويصعب علينا ترويضها. يوم المباراة اعتبره يوما شاقا وصعبا لان يستنزف مني طاقة هائلة لكنني في نفس الوقت اعشق الإثارة والمقابلات الصعبة التي تساهم في رفع نسبة الأدرينالين». وواصل «في الحقيقة انه شعور رائع، وأنا احتاج لتلك المشاعر القوية التي تمنحني الرغبة لتقديم الأفضل حتى لو خسرت المباراة أو لم تسر كما خططت لها مسبقا. لست شخص متناقضا لكنني اعرف ما ماذا عناء ارتداء بذلة المدرب. فالفضل يرجع إليه عندما ينتصر الفريق وهو الذي يجب عليه تحمل مسؤولية الهزيمة. التحقت بعالم التدريب وأنا على يقين بهذا الأمر، في الماضي أو الحاضر كلاعب أو مدرب أنا أتحمل دائما مسؤولية أفعالي…».
يكمن سر نجاح زين الدين زيدان في كيفية تواصله وتعامله مع اللاعبين، الأطقم التقنية والمسيرين والعلاقة التي خلقها معهم. ففي تقديمه الرسمي كمدرب للريال، حرص زيدان على تقديم صورة عائلية، وزع الابتسامات على الحاضرين، حيث جلست إلى جانبه زوجته وأبناؤه الأربعة. أراد زيدان من خلال صورته في المؤتمر الصحافي، آن يظهر أن النادي الملكي هو ناد عائلي، وانه سيكون مختلفا عن سلفه رافايل بينيتيز ويطوي صفحته. يوم بعد يوم وفوز بعد فوز، استطاع زيدان من إنشاء روابط وصلات جيدة وإقناع اللاعبين والجمهور بأسلوبه وخطة لعبه. وعلى سبيل المثال، إقناع أحسن لاعب في العالم بالجلوس في دكة الاحتياط وإخضاعه لإستراتيجية التناوب مع باقي اللاعبين هذا ليس بالأمر الهين، حيث لعب كريستيانو رونالدو في الموسم الماضي سوى 28 مباراة من أصل 38 في منافسة الليغا وحرم من أغلبية المنافسات خارج الميدان طيلة فصل الربيع، لكنه في نفس الوقت كان المحرك الديناميكي في جميع المقابلات التي خاضها رفقة الفريق، كيف لا وهو الذي سجل خمسة أهداف أمام البايرن في لقاء ربع نهائي عصبة أبطال أوروبا، وثلاث أهداف ضد اتليتيكو مدريد في النصف النهائي وهدفين أمام اليوفنتيس في النهائي. البرتغالي يعي قدر المساهمة التي قدمها زيدان إليه للفوز بالكرة الذهبية الخامسة في مشواره الكروي، وفي المقابل زيدان يدرك فضل لاعبه عليه للظفر للمرة الثانية على التوالي بلقب الليغا، ليصبح أول مدرب منذ 27 عاماً يحتفظ بلقب المسابقة القارية الأبرز، الشيء الذي لم يحققه أي مدرب منذ أريغو ساكي مع ميلان الايطالي عامي 1989 و1990.
زيدان مدرب كبير

لأنه الريال ولأنه زيدان يتحتم على المدرب تحقيق النتائج الايجابية بصفة مستمرة، لكن قد نجانب الصواب إذا قلنا أن الفوز بعصبة أبطال أوروبا كان من أولويات المدرب الفرنسي. كان الهدف من قدوم زيدان إلى الريال البرهنة على أن قدرات الفريق لا تنحصر فقط في تلك المواهب الفردية المميزة التي لا تلمع إلا في اللقاءات البارزة، وان الريال ليس بذلك الفريق الذي لم يفز سوى بلقب واحد طيلة ثماني سنوات، لكن لا يختلف اثنان على أن الظفر بهذا اللقب القاري الذي غاب عن خزينة الفريق منذ سنة 2012 يعتبر انجازا كبيرا ومهما. «لقد فزنا بثماني ألقاب في مدة وجيزة، لكن هذا لا يعني انه لم نتلق هزائم في عقر دارنا وتعادلنا في أكثر من مناسبة. انه لشيء مستحيل أن تبدأ الموسم بفكرة مفادها انه يمكنك الفوز بجميع المقابلات…».
كثيرون هم من شكوا في قدرة زيدان على تحمل مسؤولية نادي من هذا الحجم الذي يتوفر على العديد من المواهب والنجوم والمتطلبات، إلا أن زيدان خالف كمدرب، كما فعل سابقا كلاعب، كل التوقعات وجعل من الريال فريقا قويا ومحصنا، لا يهزم ولا يقهر بسهولة، حيث خاض هذا الأخير 40 لقاء دون تلقي أي هزيمة الشيء الذي لم يستطع انجازه غريمه التقليدي الفريق البرشلوني سواء بقيادة المدرب بيب غوارديولا او المدرب لويس إنريك. زين الدين زيدان مدرب كبير خالف كل التوقعات وحرق المراحل في مسيرته الكروية، أكان على المستطيل الأخضر أو عند خط التماس وفي مقاعد الجهاز الفني. نهج أسلوبا ديناميكيا، زرع نوع من الطمأنينة والراحة داخل القلعة المدريدية، حقق مطالب الجمهور وعرف كيف يتأقلم مع الأطقم التقنية واللاعبين وكيف يجتاز العقبات التي تعيق طريقه، إذ قال « إنني اهتم بأدق التفاصيل سواء ما يقع داخل أو خارج الميدان. اللاعب هو الذي يترجم تصورك ونهجك في الملعب، يأتي للتدرب لمدة ساعة ونصف في مركز التدريب ويعود بعد ذلك إلى عالمه الخاص، يحتك بالعديد من الإغراءات الخارجية، لكن أهم شيء بالنسبة لي هو حرصي الدائم على تدرب اللاعبين في أحس الظروف والعناية بهم والإصغاء إليهم من خلال تواصلي المستمر معهم…».

زيدان وأزمة النتائج

المدرب الفرنسي شخص محترف، يتصدى لجميع الضغوطات التي تعيق عمله، يعرف كيف يفصل بين حياته المهنية والشخصية، حيث أكد لمجلة «فرانس فوتبول» انه عندما يذهب إلى منزله يلعب دور الزوج والأب الحنون يشاهد التلفاز أو يحضر سهرة مع عائلته ويعتني بأطفاله. لكن مؤخرا ولأول مرة ومنذ قدوم المدرب الجديد إلى القلعة البيضاء أصبحنا نتحدث عن أزمة النتائج، انهزم الريال في مقابلتين متتاليتين، حرمته من تصدر مجموعة ترتيب عصبة الأبطال ، ليزيد الطين بلة الخسارة التي تلقاها أمام نظريه الكتالوني بثلاثية نظيفة مما أدى إلى توسيع الفارق بين الفريقين إلي 14 نقطة. زين الدين زيدان يعلم انه سيواجه أوقات صعبة رفقة الفريق، و سيتحتم عليه التغلب عليها وتجاوزها وبالرغم من ذلك لا يزال المدرب متفائلا، يطمأن اللاعبين ويخاطبهم قائلا «رسالتي إليكم واضحة وبسيطة، يمكن أن نصطدم بأوقات صعبة مثل ما نعيشه الآن، وهذا أمر طبيعي…في الحقيقة أتحصر كثيرا عندما ننهزم لأنني اعرف أنكم تقدمون أفضل ما لديكم في الملعب، لكن يبقى أهم شيء هنا هو أن نظل عائلة واحدة. وكونوا متأكدين أننا سنعود بقوة كما كنا في السابق…». وأضاف «اعتقد أن مثل هته المشاكل تقع كثيرا في عالم كرة القدم، وبصراحة كنت أتوقع ذلك. إنني امتلك الرغبة بإثبات قدراتي وبان أكون مدربا جيدا في خضم الصعوبات وفي ظل الفترة السيئة التي يمر منها الفريق الملكي في الليغا. وتابع « الناس تعتقد أن الأمور بسيطة دوماً من حولي، وأقوم بالأشياء بحكم الغريزة، لكن هذا خاطئ! سواء كلاعب أم مدرب، اعمل كثيراً. تهيأت نفسيا لتقبل أسوء الأمور، لهذا أنا لست متفاجئ. الخطر حاضر اليوم، لكن أنا مدرك أن أمامي أبطال عظماء يستمعون إلي. لعب كرة القدم مهنتنا فالكل يعرف كيف يقوم بذلك، أظن أننا سنعود إلى سكة الانتصارات في القريب العاجل».


الكاتب : ترجمة: أحلام أديب

  

بتاريخ : 16/01/2018