رغم تعدد مصادر ثرائه الطبيعي خنيفرة .. «فقر تنموي» يجعل الإقليم مهددا ب «السكتة المجالية» ؟!

ليس غريبا أن تشتد وتيرة حراك الشارع العام بخنيفرة، وإن دلت على شيء فإنما تدل على ما يعانيه الإقليم من مظاهر التهميش والفقر والفساد والهشاشة والبطالة المقنعة وغلاء المعيشة والفواتير، وارتفاع الضرائب وتدني الخدمات الأساسية وتردي البنيات التحتية، واستفحال حالة الركود التجاري وانعدام فرص الشغل… ولعل بعض الأشكال الاحتجاجية غير المسبوقة قد أفسدت على بعض المسيرين راحتهم المألوفة، والمقصود بهم الذين نبتوا في “حدائق التحكم” وأخلوا بمبدأ التدبير العقلاني للملفات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وأغلقوا الأبواب في وجه المواطنين والجمعويين والفئات المعوزة، وفشلوا في احتواء الأزمات، وشددوا الخناق على التظاهرات السلمية…
وقد لا يبدأ الحديث أو ينتهي عن خنيفرة دون أن يكون المرء أدرى بشعابها وتناقضاتها بين التطرف والاعتدال، التسامح والعناد، التحرر والانغلاق، وهي الغامضة إلى حد اللغز والمتفتحة إلى حد السرمدية… والمؤكد أن المنطقة باتت مهددة ب”السكتة المجالية”، ومن ثم فإن “الصرخات” الإعلامية والحقوقية والجمعوية، وكذا المسيرات والتدوينات الفايسبوكية، تدل بوضوح على درجة “الاحتقان ” السائدة ، في غياب “أسباب التفاؤل ” المتمثلة في وحدات صناعية، اقتصادية واستثمارية، يمكنها امتصاص وضعية البطالة والبؤس والأزمة.

إرث خارج المجهر

ارتباطا بخنيفرة، لا أحد يدري متى ستتم معالجة الملفات الثقيلة من قبيل مشكل البناء العشوائي وأراضي الجموع والتحفيظ العقاري (وكالة التحفيظ العقاري ظلت غير محفظة)، ومشكل النزاع المتعلق بعقار “الكورص”، والمشاريع التي ينتظرها السكان (نواة جامعية، منطقة صناعية، متحف محلي، محكمة للاستئناف، ومندوبية للسياحة، مندوبية للثقافة، ملعب رياضي لائق، فضاء للاستقبال السياحي…)، بل على من يهمه الأمر أن يرى بأم عينيه كيف تعاني مدينة أطلسية كخنيفرة من فقر الاخضرار وفي قلبها يجري نهر أم الربيع، وكيف هي مساطر رخص البناء معقدة وباهظة.
ولا بأس لو تم التحقيق في المشاريع المدعمة بأموال الاتحاد الأوروبي (برامج ميدا مثلا)، ومراقبة الدعم المخصص للفلاحين والمزارعين في إطار مخطط “المغرب الأخضر”، فضلا عن ضرورة فتح ملف أشغال وأوراش وصفقات “برنامج تأهيل إقليم خنيفرة”، الذي أطلقه الملك محمد السادس، عقب زيارته للمدينة، أوائل ماي عام 2008، بغلاف مالي قدره220 مليون درهم، على أن يغطي الفترة الممتدة من 2008 إلى 2011، إلى جانب العمل الجدي على التحقيق في ما طبع المرحلة الأولى من “المشروع الألماني المغربي للتطهير” من شبهات مالية وتقنية، وضرورة الاستفسار حول سير المرحلة الثانية منه، مع سؤال عام حول مدى مواكبة الاتفاقيات الخمس التي تم توقيعها مؤخرا بين مجلس الجهة وجماعات ترابية بإقليم خنيفرة بغلاف مليار و660 مليونا و100 ألف درهم.
وفي السياق ذاته، لابد من التساؤل حول ملف مشاريع “جبر الضرر الجماعي”، التي تمت في إطار الشراكة بين المجلس الوطني لحقوق الإنسان وصندوق الإيداع والتدبير والاتحاد الأوروبي، باعتبار الإقليم من المناطق التي تضررت جراء ماضي انتهاكات حقوق الإنسان، إلى جانب ضرورة المتابعة النزيهة في شأن الثروة الغابوية والمناجم المعدنية، ومقالع الرخام والفسيفساء. والمؤكد أن سكان العالم القروي ينتظرون التدخل لدعمهم بالماء الشروب والمسالك والطرق الضرورية ووسائل التمدرس، والتعامل بديمقراطية مع برنامج “كهربة العالم القروي”، وهناك مطالب قوية من أجل فك لغز حقيقة مبلغ 140 مليون سنتيم الذي قيل بصرفه في إنجاز “كتاب” مصور حول الإقليم، مع ضرورة الإجابة عن ملابسات “تفويت” ديور الشيوخ أو “تيدار زيان” في الظروف المحاصرة بالاستفهامات.
وإذا كان لا بد من “إعادة الإعمار” أو “بداية الإعمار” في الإقليم”، وفق مطالب “العدالة المجالية”، فربما ليس ثمة نية قوية وممنهجة من أجل رسم طريق سليمة لهذه العملية، وأن تكون مرتبطة بالبحث الجدي في مظاهر الاختلالات وتفاصيل الإخفاقات، ومكامن الفساد المسجلة ضد بعض المسؤولين والإداريين والمنتخبين، كما هي مظاهر هدر المال العام في المجالات غير المفيدة، و”المهرجانات” العبثية والترميمات العشوائية، علما بأن الاقليم لطالما أثبت أنه عصيّ على كل المناورات، باعتراف حتى قادة الاستعمار الأجنبي من أمثال ليوطي، جيوم، هنريس وبعدهم بعض “المسؤولين” عن سنوات الرصاص

بياض ناصع السواد ؟

بين الفينة والأخرى، ينتشر ما يفيد باقتراب زيارة ملكية للمدينة، فيسجل الشارع المحلي قيام “أهل الحل والعقد” بطلاء أحياء المدينة بمساحيق التجميل وقتل الكلاب الضالة وكنس الأزبال وتزفيت الحفر وإنبات الشجر وتجميع المتسولين وإخفاء الباعة الجائلين، فضلا عما يصطلح عليه بـ “الاصلاحات المستعجلة” التي يتم تمريرها تحت المائدة، وكم من الناشطين بخنيفرة تساءلوا حول مصير التحقيقات التي أجريت من جانب الجهات المعنية بالحسابات وظلت عالقة، كما تساءلوا كثيرا: هل تم رفع ما كان يروجه رموز سنوات الرصاص، على “أن خنيفرة محكوم عليها بـ “السورسي” (الحبس موقوف التنفيذ مدى الحياة)”، عقابا لها على أحداث 1973، والمؤكد أن بعض الأطراف المعلومة تريدها “محكومة” على الدوام، حتى يسهل عليها امتصاص خيرات الإقليم على طريقة سلطات الاحتلال الفرنسي التي كانت تصنف هذا الإقليم في خانة “المغرب غير النافع” لغاية نهب النافع فيه، من أياد عاملة رخيصة وثروات غابوية ومعدنية ومائية وزراعية، بينما حاولت أطراف أخرى تسويق صورة الإقليم على شكل أرض ل “الشواء والنشاط وقنص الخنزير” لغايات مفيدة لهم ولنفوذهم.
ترى كم يكلف رد الاعتبار لهذا الإقليم من ماديات ومعنويات؟ وكيف يمكن أن تتم محاسبة ومساءلة كل الذين تعاقبوا على استغلال هذا الجزء الأطلسي وتحويله إلى عبارة عن “مغارة علي بابا” المفتوحة في وجه الباحثين عن الثراء غير المشروع بكلمة “افتح يا سمسم”، على حساب ما راكمه هذا الإقليم من تاريخ بطولي واستقلال نضالي، ومن مئات قدماء المقاومين وجيش التحرير والمحاربين بأوروبا والمعتقلين السياسيين وشهداء الصحراء والمطرودين من الجزائر ؟
مطالب عالقة

ولا جدال مطلقا في أهمية الإقليم بالنظر لرمزيته المتميزة في تاريخ المقاومة ضد المستعمر الفرنسي، وسجله المحافظ على “خطاب أجدير”، المؤرخ في 17 أكتوبر2001، الذي أُعلن فيه عن تأسيس “المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية” الذي شكل محطة حاسمة في المسار التاريخي لتجسيد هوية الدولة المغربية، إضافة إلى أهمية هذا الإقليم على مستوى ثرواته الغابوية والمائية والفلاحية والمعدنية، وما يتوفر عليه من حرف تقليدية ومآثر تاريخية وتنوعات جيولوجية، وخصوصيات وموروثات وفنون شعبية، وأسماء لامعة في الفن والرياضة والثقافة والطب والاقتصاد، وكفاءات جامعية وأدمغة علمية، إما تم تهميشها أو هاجرت نحو خارج الإقليم ووراء البلاد.
وهناك تساؤلات ومطالب لاتزال عالقة بإقليم خنيفرة: لماذا لم يتم إحداث مندوبية إقليمية للسياحة ولا مندوبية للثقافة؟ ما معنى شعار “رؤية 2020” وبماذا ساهمت هذه الرؤية لفائدة المنطقة؟ ما مصير نداءات الفاعلين في مجال السياحة الجبلية المطالبة بإصدار “قانون للجبل”؟ وإلى متى سيطول الاستخفاف بالجانب الثقافي؟ وما مصير قاعة المسرح التي تمت برمجتها ليختفي خبرها في زحام اللامبالاة؟ علاوة على الكثير من التساؤلات التي بقيت خامدة إلى أجل قد تعترف فيه مراكز القرار بهذه المناطق وتعطيها حقها من الاهتمام.
من الضروري أيضا الالتزام بسياسة القرب والانفتاح، وتحسين الظروف المعيشية للمواطنين والاقتراب من اهتماماتهم وحاجيات الفئات الفقيرة والمعطلة، وربط المسؤولية بالمحاسبة، والتدخل لتقوية حاجيات قطاعي الصحة والتعليم، وإعادة المجد للفريق الزياني ومساءلة مسيريه، مع تحفيز الفاعلين الاقتصاديين والمنعشين السياحيين على الاستثمار، الى جانب العمل على حفظ ذاكرة المنطقة والهوية الأمازيغية، وفتح المجال لاكتشاف ما يزخر به الإقليم من مؤهلات طبيعية ومآثر مصنفة كتراث عالمي وإرث إنساني، تعرضت كلها للاندثار و”الزحف العمراني”، من ضمنها قصبة موحى وحمو الزياني، الزاوية الناصرية، قنطرة مولاي إسماعيل، ضريحا أبا يعزة وسيدي بوعباد، آثار إغرم أوسار، مع ضرورة رفع “الضوء الأحمر” عن الزاوية الدلائية، وتقوية الاهتمام بالمدينة الأثرية (فازاز) التي اكتشفت ولم تنل حقها من الأضواء والأبحاث التاريخية.


الكاتب : خنيفرة: أحمد بيضي

  

بتاريخ : 23/10/2018