رمضان الجديدة .. أجواء روحانية متميزة وموائد دكالية متنوعة وفعل ثقافي غائب

دخلت معظم العادات المرتبطة باستقبال شهر رمضان، دائرة النسيان، حيث كان السكان يحرصون على الاستيقاظ صباح كل يوم على صوت مدفع السحور ونغمات الطبال، الذي بات تجواله مقتصراً على عدد قليل من الأحياء الشعبية، وهو مشهد بدأ يتلاشى شيئا فشيئا لاسيما أن الناس باتوا يلتفتون إلى السهر والسمر إلى أن ينتهي موعد السحور. الأجواء الروحانية وحدها توحي بأن الجديدة  تعيش زمن رمضان الأبرك، فلا أنشطة ثقافية ولا اجتماعية، باستثناء توزيع بعض الإعانات على المحتاجين والفقراء من طرف بعض المحسنين والمؤسسات الاجتماعية …

لا حركة في الصباح

رغم مرور أكثر من أسبوعين على انطلاق شهر رمضان، فمدينة الجديدة لم تعرف لحد الآن ادنى نشاط ينم عن حركية سواء من الجهات الرسمية أو الشعبية، يخرج المدينة من سباتها العميق.فالجديدة أضحت تعيش صمتا ثقافيا مطبقا ، أو أنها  تعيش على وهم الثقافة الموسمية، أما ترسيخ ثقافة الاستمرار فلا وجود لها، حتى أضحت عبارة عن مدينة صامتة ودون أن تفكر في أنشطة تحترم قدسية هذا الشهر فاتحة بالتالي المجال أمام المقاهي وغيرها؟

استثناء الملحونيات

نظمت الجمعية الإقليمية للشؤون الثقافية، الدورة السابعة للملتقى الدولي ملحونيات 2017، وذلك في الفترة ما بين 1 و4 يونيو بمدينة آزمور وجماعة المهارزة الساحل (اولابالنكا).واحتفت هذه الدورة بالصناعة التقليدية تحت شعار «الصناع التقليديون، صناع الفرجة في فن الملحون»، بمشاركة نخبة من الفنانين من تونس والجزائر وفرنسا والمغرب.
كما احتفت بفن الملحون، و الآلة وفن المألوف والشعبي الجزائري والحضرة العيساوية وإبداعات الشباب وتجاربهم الموسيقية في التعامل مع التراث المغربي.
وقد شارك في هذه الدورة الفنانون عباس الريغي ولمياء آيت عمارة من الجزائر، عالم عون من تونس، ضياء زنيبر من فرنسا، ومن المغرب كل من الأستاذ محمد بريول، رضواب، وهو المهرجان الذي كسر جزء كبيرا من رتابة الفراغ الثقافي في المدينة .

تقاليد وعصرنة

كما للمدن المغربية عاداتها وتقاليدها، فالجديدة  هي الأخرى لها من العادات والتقاليد الكثير خاصة خلال شهر رمضان، ومن بين الأشياء التي التصقت بها استقبال رمضان بسبع طلقات من مدفعية، وهي ذات المدفعية التي تعلن عن مواعيد الافطار والاسحار وصلاة الفجر.
كما أن الجديدة تتوفر على صفارة انذار تعلن عن موعد الإفطار بشكل يومي، فيما يستعين العديد من المواطنين في الاستيقاظ للسحور بقرع الطبول، وهي العادات التي بدأت في طريقها الى الانقراض إما بفعل العامل الزمني أو بقرارات ادارية مجحفة. أما المدفعية فقد حافظت على طلقاتها الثلاث على مدى الأربع والعشرين ساعة.
النفار والطبال وصاحب المزمار.. هذه العادات بدأت في الانقراض جراء التوسع العمراني الذي تعرفه الجديدة ، وأيضا مع رحيل روادها الى دار البقاء. وما عرفته الذاكرة الثقافية من تدمير فإن الموروث الشعبي هو الآخر يسير في نفس المنحى.
وتحرس العائلات الدكالية العريقة على الاحتفال بالأطفال الذين يصومون يومهم الاول، حيث يتم الاحتفاء بهم على الطريقة التقليدية ويتم استقبالهم بالبيت بكافة أنواع المأكولات والمشروبات والزغاريد قبل أن تؤخذ لهم صور تذكارية باللباس التقليدي. ويتميز رمضان الجديدة بظاهرة الإفطارالعائلي الجماعي كما يتم تبادل الزيارات بعد الافطار لإحياء صلة الرحم.

تبضع و«فتونة»

يعتبر كل من الميناء وسوقي علال القاسمي وبئر ابراهيم من بين اهم الفضاءات التي يتوجه إليها الصائمون، حيث تبدأ الحركة تدب فيها ابتداء من منتصف النهار. فالميناء يعرض يوميا انواعا من الاسماك المحلية الرفيعة المستوى. الا انه هذه السنة عرف شحا في العرض وغزته اسماك الاقاليم الجنوبية . واذا كان قد تميز في السنوات السابقة في ما يخص عرض السلع بنظام و انتظام ، فإن هذه السنة تميزت بالفوضى وسوء التنظيم وعرض سلع غير صالحة للاستهلاك في غياب الجهات المسؤولة عن مراقبة الصحة، في حين يتحول السوق في آخر اليوم الى مايشبه المزبلة.
اما سوق بئر ابراهيم او لالة زهرة ، كما اعتاد أهل الجديدة تسميته، فإنه السوق الذي يؤمه يوميا مئات الجديديين لاقتناء كل مايحتاجونه من خضر وفواكه، وهو السوق الذي يعرف عشرات المبارزات بين «فتوة» السوق ويتميز باللاتنظيم نظرا لاحتلال العديد من الباعة الموسميين لهذا الفضاء وبالقوة أحيانا. كما أن ظاهرة السرقة والاعتداءات على العارضين والمتسوقين، تبقى السمة الأساسية للسوق رغم تواجد سيارات الشرطة بشكل مستمر.
سوق علال القاسمي الذي يعتبر من بين أقدم الأسواق بالجديدة، يعد فضاء لتزجية الوقت واقتناء الخبزالممزوج بالشعير، حيث يتم عرض كافة أنواعه وبأثمان تفضيلية ، و أنه يمتاز بعرض أنواع متعددة من المأكولات التي تستهلك بشكل كبير خلال هذا الشهر الأبرك.
واذا كان سوق لالة زهرة يعرف العديد من المبارزات، فإن العدوى انتقلت أيضا الى هذا السوق.
أما السوق المركزي الذي ظل يحافظ على أناقته وخصوصيته طيلة عقود بدكاكينه المعدة لبيع الأسماك، فإنه عرف هذه السنة تغييرا واضحا لمعالمه ، حيث تحول من فضاء لبيع الأسماك والخضر والمواد الغذائية الى فضاء لقلي الأسماك ومقاه ومطاعم مخصصة لطهي الأسماك والوجبات الخفيفة، هذه العملية التي تعرف خرقا واضحا في ما يخص عملية التفويت، حيث أن الدكاكين التي تعود ملكيتها الى البلدية يتم بيعها وتغيير عقود كرائها دون العودة الى المجلس المفوض الوحيد لتغيير التراخيص الخاصة بالفضاءات الجماعية.
مساجد… وموائد

بمدينة الجديدة، كسائر المدن المغربية ، تمتلئ المساجد عن آخرها منذ الأيام الأولى لحلول هذا الشهرلأداء الصلوات الخمس وصلاة التراويح، كما يزداد الإقبال عليها فتضيق فضاءاتها الخارجية بالمصلين مع الإقبال على الدروس الدينية التي تبتدئ مباشرة بعد صلاة العصر.
و من العادات ايضا في هذا الشهرالفضيل، تحول الليل إلى نهار بعد صلاة العشاء والتراويح، حيث يسارع الناس إلى الالتقاء سواء داخل البيوت أو على موائد المقاهي، الى ساعات متأخرة قد تستمر لحدود وقت السحور والتي يعلنها المدفع وصاحب الطبل أثناء تجوله بالأحياء ، معلنا وقت السحور والاستعداد للتوجه للمسجد قصد أداء صلاة الفجر، ولم يكن للطبال أجر معلوم أو ثابت، غير أنه يأخذ ما يجود به الناس في صباح يوم العيد، وعادة ما كان الأجر يؤخذ بالحبوب من ذرة أو قمح ، فيأخذ مكيالاً «بعوي» باللهجة الجديدية أو نصفه ، ولم يكن أجراً بالمعنى المفهوم، ولكنه هبة كل واحد يجود بها حسب قدرته.
ومن الأشياء التي تبقى متميزة خلال شهر رمضان بالجديدة هي موائد الإفطار التي تكون في غالبيتها متنوعة ومختلفة الاطباق اهمها الاسماك بمختلف انواعها واصنافها والفطائروالحلويات، وجرت العادة على أن يفطر الجديديون على التمر والحليب ثم يؤدون صلاة المغرب ليعودوا بعد ذلك إلى مائدة الافطار التي تعد فيها المرأة الدكالية أطباقا رائعة من أشهى الأكلات الخاصة بالشهرالكريم.أما ثقافيا فتتحمل الجماعة الحضرية بالجديدة مسؤولية كبيرة في الجمود الثقافي والرياضي والاجتماعي الذي تعرفه المدينة …


الكاتب : مصطفى الناسي

  

بتاريخ : 12/06/2017