روبورطاج: أطفال مديونة بين سلاسل النفايات الجبلية!

حين يستعصي الواقع على الوصف تغيب كل التحليلات والوصف ويحضر واقع وحيد: ماذا تبقى من إنسانية الإنسان وشاحنة الأزبال بفضاء المطرح العمومي بمديونة تفرغ محتوياتها على بشر منهمك في عملية تنقيب لا تحتمل الانتظار، شباب، شيوخ، نساء، أطفال، يستقبلون شاحنات الأزبال بأحضان متلهفة وهي تفرغ محتوياتها على رؤوسهم المنحنية للبحث عن أكبر قدر من محتويات نفايات البيضاء؟ أطفال ما بين 12و 14سنة يحملون أكياسا بلاستيكية ويمسكون مشطا حديديا صغير الحجم وكأنه صنع من أجلهم بأيدهم الصغيرة، التي كان من المفروض أن تمسك أقلاما وكتبا أو لعبا يختلطون مع الأزبال التي تسكب فوق رؤوسهم وأجسامهم الصغيرة، وهم ينبشون بأيدهم ومشطهم ’’مشط’’ المتفاوتة الطول تبعا لسن كل واحد من المنقبين وسط نفايات يعتبرونها كنوزا …الأطفال يتسللون بين أرجل الشباب حاملين أمشاطهم بأسنانها الحديدية، التي تسببت في إصابة العديد منهم بإصابات بليغة وأحيانا بعاهات مستديمة فوق هذه المزبلة، وعلى أكتافهم أكياس بلاستيكية، ينحنون للزمن في بداية عمرهم، أيديهم الصغيرة أصبحت سوداء تشتغل بجدية في ركام الأزبال.. تبدو ’’الفرحة’’ على محياهم عند العثور على عظم أو آلة معدنية ’’نحاس، ألمنيوم، قزدير’’ يمزجون بين اللعب والقفز فوق الشاحنات بواسطة كرة في انتظار قدوم شاحنة أخرى.
جمال طفل لا يتعدى عمره 14 سنة يحمل عدة عمله المتمثلة في كيس ومشط حديدي صغير جماله الطفولي وكأنه جريمة وسط هذه المزبلة، غير آبه بواقعه، أكثر الأطفال حركة وحيوية ومجابهة اكتسبها من تواجده داخل المزبلة للدفاع عن نفسه من التحرشات الجنسية، لا يعرف أين يشتغل والده الذي يبدو أن لا عمل له ولكنه يعرف واقعه وواقع المزبلة.. يقول جمال: «اشتغل هنا لأنني لم أجد ثمن الكتب فاضطررت للانقطاع عن الدراسة»، ثم يضيف متحديا وساخرا ’’مالها الزبالة زوينة’’ وعندما أقفلت المدرسة الابتدائية الوحيدة بمنطقة «عين الحلوف» أبوابها أمام التلاميذ ضاقت أبواب الرزق في وجه آبائهم وكانت المزبلة شامخة في الأعلى تنتظر قدومهم المؤكد لتتعزز بعدد الأطفال والشباب الذين ينغرسون وسط نفاياتها.
تقول إحدى الأمهات التي طبع جسدها وجسد أطفالها بدماميل، يدرس الطفل في المدرسة الابتدائية بالدوار ولكن عندما يصل إلى الاعدادي يصبح مطالبا بالانتقال إلى البيضاء أو مديونة، وهذا يتطلب مبلغا ماليا يوميا ليس في مقدور أغلبيتنا، أما أحد «الميخالة» الذي ينقب بالمزبلة فيقول ’’عندما ينقطع ابني عن الدراسة فسوف أحضره معي ليتعلم حرفة المستقبل داخل المزبلة’’ ويقول أحد الشباب الذي يشتغل داخلها إن شاحنات نفايات الفنادق والمتاجر الكبرى والمطاعم ترمي نفاياتها بهذه المزبلة وتعتبر محتوياتها مواد غذائية يلتهمها الأطفال او بقايا لحم أو دجاج.

ورش عمل محفوف بالمخاطر

كل من لفظه الواقع بحي من الأحياء الهامشية بكل من مديونة والبيضاء يبحث عن حي يمثل عصارة الفقر فيشيد كوخا قصديريا بجانب أو وسط المزبلة، ثم يتوجه إلى سوق العمل ’’المزبلة’’.
يدخل هذه المزبلة مواطنون دون وثائق ولا هوية وقد وضعوا حياتهم على أكفهم، حيث تسجل حالات وفيات باستمرار إو الإصابة بعاهات مستديمة، يقول أحد الشباب ’’مند إحداث هذه المزبلة سنة 1984 وهي تشهد وفيات متعددة بسبب دهس شاحنات الأزبال للأطفال الصغار الذين ينقبون بفضائها وعديدون أصيبوا بعاهات مستديمة، فكما تدفن النفايات وسط هذه المزبلة يتم دفن البشر ولا تبقى إلا الحسرة في قلوب عائلتهم.»، وبهذا الخصوص اشتكت مجموعة من العائلات التي عرفت حالات مشابهة متمثلة في وفاة أبنائها أو إصابتهم بعاهات مستديمة.

مزبلة..فضاء الربح لأصحاب رؤوس الأموال

عند الاقتراب من المطرح تبدو المئات من رؤوس الأغنام والبقر والماعز بشكل يغطي كل المزبلة ذات المساحة الشاسعة منهمكة في عملية تغذية سامة، وهي ترعى من نفايات المستشفيات وأزبال البيضاء، وحسب مصادر الجريدة من داخل المزبلة، فإن هذه المواشي التي تتحول إلى لحوم سامة يتم ذبح بعضها وسط المزبلة لمن فجاءها الموت أو أصيبت بمرض نتيجة ما تقتات به من هذا الفضاء، حيث تباع بالمناطق المجاورة أو توضع في أكياس ويتم توزيعها على دكاكين الجزارة بالبيضاء أو محلات لبيع المأكولات السريعة في سرية تامة. وتضيف مصادر أخرى من ساكنة الدوار ’’أن البهائم، بقر، ماعز، غنم ’’ التي ترعى وسط هذه المزبلة ويتم بيعها إلى المواطنين لا تتناول من نفايات المزبلة سوى المواد السامة، وكل هذه البهائم التي ترعى في هذا الفضاء فإن لحمها وحليبها به رائحة ’’زفرة’’ ومذاق لحمها يختلف عن مذاق اللحم العادي.
داخل الدواوير القريبة من المزبلة تتواجد إسطبلات وبيوت قصديرية لسكان يتحولون إلى مجرد رعاة لهذه المواشي وسط مزبلة لا يؤثر فيها جفاف المنطقة، حيت يقول أحد الرعاة داخل المطرح ويشتغل وسطه في الوقت ذاته ’’إننا نرعى هاته المواشي التي يملكها أشخاص ميسورون وإذا نفقت أية واحدة أو دهستها شاحنة الأزبال فإن ثمنها يقتطع من أجورنا’’. إذن فالبعض يتخذ من فضاء المطرح وسكانه مجالا اقتصاديا مضمون الربح، وتبقى الخسارة من نصيب المستهلك، في الوقت الذي تعيش فيه هذه الساكنة المجاورة للمطرح العمومي صراع الإنسان مع الحيوان، نتيجة قيام مجموعة من الكلاب الضالة، وأحيانا يكون بعضها مصابا بداء السعار، بهجومات جماعية ليلية لافتراس دواجنهم، ’’غارات’’ دفعت المتضررين إلى تقديم شكايات ضد كلاب متوحشة.

المطالبة «بتسليط الضوء» على تأخر فتح المطرح الجديد

بعد انصرام حوالي تسع سنوات على الموعد المحدد لإغلاق وإعادة تأهيل المطرح العشوائي لمديونة وبناء مطرح مراقب بأحدث التقنيات المتطورة، أثيرت العديد من الأسئلة بشأن هذا التأخر، خاصة وأن هذه العملية تمت في إطار مناقصة دولية نظمتها الجماعة الحضرية للدار البيضاء سابقا، حيث رست الصفقة على الشركة المغربية الأمريكية ’’ecomed ’’ وأبرمت اتفاقية تفويض في شهر يوليوز 2008 لمدة 18 سنة، كما عززتها اتفاقية شراكة أخرى في مارس 2009 مابين كتابة الدولة المكلفة بالماء والبيئة ووزارة الداخلية والجماعة الحضرية للمدينة سابقا ’’مجلس المدينة حاليا’’ حول المساهمة المالية للأطراف خلال خمس سنوات من تاريخ التوقيع على الاتفاقية، والتي قدرت ب 150 مليون درهم بالإضافة إلى وضع مخطط مديري لتدبير النفايات المنزلية، وهو بمثابة دراسة تحدد التوجهات الأساسية لهذا المجال، حيث تم تمويل كلي لهذا المخطط من طرف قطاع البيئة بكلفة تقدر بحوالي 2,5 مليون درهم، ورغم هذه الامتيازات المالية التي رافقت الفوز بصفقة التدبير الميداني لمطرح النفايات لمديونة، فقد سجلت عدة تناقضات على الشركة المعنية التي كانت قد صرحت في عدة لقاءات رسمية أن سنة 2011 تعد آخر تاريخ تعهدت به بشكل رسمي بإغلاق المطرح القديم وبداية الأشغال بالمطرح الجديد، المراقب بتقنيات جد متطورة، والذي حددت له مساحة 82 هكتارا بالجهة المحاذية للمطرح القديم، إلا أن هذا التاريخ مرت عليه سنة دون أن يتم الشروع حتى في إعداد الخريطة الافتراضية لعملية بداية الأشغال به، واكتفت بطمر الأزبال الوافدة على المطرح القديم بأرض بجانب المطرح والتي من المفروض أن تبقى كاحتياطات لعملية الطمر أثناء عملية الإفراغ النهائي واللجوء إلى عملية التشجير. هذه العملية التي وصفتها مصادر الجريدة بغير القانونية وتشكل خرقا لدفتر التحملات المصادق عليه من طرف الشركة المعنية بالأمر والجهات المسؤولة عن المطرح.
الشركة المعنية بالأمر بدأت تتذرع بعدة مبررات لعدم الوفاء بالتزاماتها القانونية مما جعل عامل إقليم مديونة السابق يراسل آنداك رئيس مجلس المدينة بشأن استعجالية التحرك من أجل وضع حد لهذه المعضلة البيئية حيث سجلت زيارة ميدانية رفقة مجموعة من الخبراء التقنيين بالمجال إضافة إلى السلطات المحلية للإقليم، ووقف الوفد على حجم الكارثة وتم تشكيل خلية أزمة لتدارك الموقف من أجل الانتقال إلى المطرح الجديد في أقرب وقت ممكن، ومنذ ذلك التاريخ لم تنجز الشركة المعنية أي شيء يذكر حتى مجيء مجلس عبد العزيز العماري الذي لم يقم بشيء يذكر سوى بعملية فسخ العقدة المبرمة بين مجلس المدينة والشركة التي تتدبر عملية تسيير المطرح العمومي لمديونة، وقيام مجلسه ببناء صندوق إسمنتي بمساحة 11 هكتارا لاستقبال نفايات الدار البيضاء التي تقدر بحوالي 600 طن يوميا وترك ما يقارب 30 هكتارا بنيت بها إدارة المطرح الجديد، وفي انتظار الحل النهائي لافتتاح المطرح الجديد من طرف المجلس الحالي لمجلس المدينة تبقى المياه العادمة للمطرح القديم التي شكلت بركا آسنة بالطريق بجانب الطريق الجهوية رقم 315 والطريق المؤدية إلى المدينة الخضراء التي حصدت أرواح أبرياء وأخرجت الساكنة للاحتجاج، الواقع الحقيقي لسوء التدبير للمطرح العمومي لمديونة.


الكاتب : عبد الرحيم رياضي

  

بتاريخ : 29/02/2020