زمن الاغتراب الثقافي : كيف أصبح الاغتراب جوهر الوجود اليومي للإنسان؟

 

بإمكاننا أن نعرف الاغتراب بأنه زوال كل ما هو إنساني عن الإنسان، حيث يتحول الوعي المغترب إلى وعي شقي لا يستطيع أن يتعرف على ذاته، وبالأحرى أن يقول «آمل أن أوجد في الحقيقة»، هكذا يسقط في السبات الطويل ولن يستيقظ منه أبدا، وبطبيعة الحال فإننا إذا تساءلنا عن ماهية الاغتراب وعلاقته بالوعي الديني والايديولوجي حينئذ سيتم إدراكه بواسطة نظرية الروح في الفلسفة الافلاطونية حين يتحول الجسد إلى مجرد سجن يعتقل الروح ويحكم عليها بالحسي ويحرمها من العقلي، وبلغة أفلاطون انفصالها عن مثالها.
هكذا يحتل الاغتراب مكانة رئيسية في هذه الفلسفة إلى درجة ان محاورة أفلاطون ألقبيادس، تضعنا في قلب إشكالية الذات المغتربة عن ذاتها، عندما يقول سقراط لمحاوره ينبغي عليك أن تعود إلى نفسك لتتعرف عليها، فهي بقدر ما أصبحت غريبة عنك، بقدر ما أنت في حالة اغتراب، بإمكانك أن تنظرإلى وجهك في المرآة وتتعرف على ملامح جسمك ،فهل تستطيع أن تتعرف على نفسك؟
ثمة تعارض بين الأنا والاأنا، فهذه العملية الجدلية تقود عند هيجل إلى انفصال الوحدة وبروز التناقض بين الذات والموضوع مما ينتج عنه أزمة روح، وخلال هذه الأزمة تتحول المعاناة إلى واقع، ولا يصبح للوجود الإنساني أي معنى، ينزلق في العدمية ويذوب في جحيمها، ويختفي الفرد في عتمات الإيديولوجية، وبذلك يشكل خطرا على المجتمع، وربما يكون أصلا لكل الشرور، وأخطرها التطرف، باعتباره نتاجا لمشكلة الاغتراب، لكن بأي معيار تعالج الفلسفة سؤال الاغتراب؟ هل من خلال دمجه في أسئلتها الكبرى والتي تدور في فلك «ما» وكيف «ولماذا»؟.
مهما يكن من أمر، فإن الطرح الصحيح للسؤال الفلسفي يستلزم مستوى معينا من المعرفة، وإلا سيسقط السؤال في عبث الأطفال، فالمغترب حين يسأل لماذا فإنه يقلد الأطفال، إذ أن غايته ليست هي معرفة الحقيقة بقدر ما هو فضول طفولي ليس غير.
أما الفيلسوف، فإن اعتماده على سؤال لماذا من أجل فهم أحداث عصره والتوجه إلى جوهر الوجود الإنساني يظل رهيفا بمدى جوهرية السؤال الفلسفي: ((فإن الفيلسوف لا يتساءل فقط «هل تعرف العالم؟ أو كيف نعرف العالم؟ إنما هو يتساءل أيضا لماذا العالم قابل لأن يعرف؟ و لماذا نعرفه ؟ كما قال (بدوي) من البديهي أن السؤال الفلسفي يسمح بتعدد الإجابات و إلا أصبح سؤالا زائفا لا يتجاوز حدود الفروض التي كان علم الطبيعة يتسلى بها، حيث إن السؤال أمسى يثور على نفسه بصياغته :لماذا فشلت التجربة ، ولماذا لم تثمر النتائج المتوقعة معطيات ضرورية للإجابة عن سؤال السؤال.
لا يمكن لهذا التقابل الميتافيزيقي للمشكلات الفلسفية والعلمية أن يؤدي إلى نفي الاختلاف بين السؤال الفلسفي والسؤال العلمي. ونخشى أن نقوم مشكل الاغتراب كجوهر الوجود اليومي بواسطة الاغتراب العلمي والفلسفي، إذ ليس المهم هو إضفاء النزعة الإنسانية على الإنسان بصدمة النزعة العلمية أو النزعة الفلسفية.
فمن العبث أن يرفض الإنسان نعمة السؤال بحجة إخلاصه للاغتراب الديني أو الإيديولوجي، ذلك أن رفض سؤال ما أصل الحياة ولماذا، وكيف يعني اتخاذ موقف لا أدري وعرقلة الوعي التاريخي وتأخير الموعد مع الوعي الذاتي، وفرض إيقاع الوعي الشقي على المجتمع.
نحن إذن أمام سؤال مرعب في تركيباته الفلسفية، أي لماذا الاغتراب؟ وكيف السبيل للخروج من جحيمه؟ وما أهمية السؤال أمام عنف الاغتراب؟ تلك هي الأسئلة القلقة التي ستظل صامتة إلى الأبد، على الرغم من أن هناك أسئلة لا يمكن أن تترك بدون جواب، كما أن الفلسفة ترتبط دائما بالأسئلة التي تنبثق عنها، فأصل الفلسفة سؤال أصل السؤال فلسفة، ومن الطبيعي أن يكون الفيلسوف مبدعا للأسئلة، بقدر ما هو مبدعا للمفاهيم.


الكاتب : د . عزيز الحدادي

  

بتاريخ : 25/05/2019