زهرة اليزيدي العلوي.. البطلة التي انطلقت معها الحركة الرياضية النسوية في المغرب

تشير سجلات التاريخ، إلى أنه كان على المرأة المغربية أن تكافح وتناضل وتجتهد من أجل أن تبصم على حضورها في المجتمع المغربي، على مستوى كل المجالات وكل الميادين بما فيها الرياضة.

لم يكن سهلا ولا هينا ولا متاحا للمرأة المغربية ولوج ميدان ظلت أبوابه موصدة في وجهها ويحمل لعقود كثيرة يافطة واحدة مكتوب عليها ” خاص بالذكور”. الأمر تطلب منها انتظار مرحلة ما بعد الاستقلال لتقتحم عدة مجالات كان من بينها المجال الرياضي، وبالرغم من أن المساحات كانت جد ضيقة، فقد انخرطت مجموعة من النساء في هذا المجال المحتكر من طرف الرجال ب”خجل” وبتردد، لكنه كان مع ذلك انخراطا هاما إذ فتح من بعد كل الأبواب أمام جيل الستينيات والسبعينيات لإعلان الحضور الرسمي للجنس اللطيف في المنظومة الرياضية المغربية.
هناك نساء اقتحمن عالم الرياضة متحديات كل المعيقات المرتبطة بالتقاليد والعادات التي كانت تحكم المجتمع المغربي في بداية الخمسينيات ، حيث نسجل في هذا الإطار اسم زهرة العلوي اليزيدي أول بطلة مغربية في رياضة التزحلق على الجليد في تاريخ المغرب،والتي مارست عدة أنواع رياضية أخرى في مقدمتها ألعاب القوى التي حصلت فيها على دبلوم التدريب من طرف الجامعة الملكية المغربية لألعاب القوى وكان ذلك في عام 1966.
زهرة العلوي اليزيدي اكتشفت الرياضة وهي تلميذة في أواخر الأربعينيات بمدينة فاس، وفي سنة 1956 وقع عليها الاختيار ومعها خمس فتيات أخريات بعد عملية انتقاء شملت عدة مؤسسات ثانوية،ليتم إدخالهن مركز إعدادي تدريبي وكان ربما الأول من نوعه يقام في تاريخ الرياضة النسوية المغربية.
ظلت زهرة اليزيدي العلوي لأزيد من ستين سنة وفية لارتباطها بعوالم الرياضة التي اكتشفتها وهي تلج المدرسة في مرحلة الطفولة. نسجت علاقة وطيدة مع الرياضة، وعاشت حياتها مخلصة لهذه العلاقة، مارست كل الأنواع الرياضية، بنفس الإتقان وبنفس الحب والحماس. تعيش اليوم في منطقة العيون ضواحي مدينة بنسليمان و 82 سنة لازالت تمارس الرياضة خاصة السباحة و المشي.
أرشيفها الرياضي الذي تحتفظ بصوره في مكتبها بمقر جمعيتها التي تترأسها نواحي مدينة بنسليمان والتي أسستها ذات يوم من أجل المرأة،لازال شاهدا على أن هذه السيدة شكلت في عالم الرياضة المغربية حالة استثناء، فقد ولجت مجال الرياضة مع نهاية الأربعينيات من القرن الماضي، في فترة كان يصعب فيها تخيل الفتاة بزي رياضي، ويصعب مشاهدة بنت في ملعب أو في نادي. كانت هي استثناء..لم تكتف بمزاولة نوع رياضي واحد، بل أكثر من ثمانية أنواع مارستها كلها بنفس المستوى من التميز والإتقان. وما زاد وضعها تميزا واستثناء، هو أنها أيضا لم تكتف بالممارسة فقط بل ولجت بجرأة ميدان التكوين، ودرست وتكونت لتحصل على أعلى الشهادات والدبلومات وأطرت ودربت عدد كبير من الرياضيات اللواتي ذاع صيتهن فيما بعد، وأبرزهن العالمية العداءة المرحومة فاطمة عوام.
زهرة اليزيدي العلوي هي أول بطلة مغربية تحرز لقبا في رياضة التزحلق على الجليد في تاريخ المغرب، حدث ذلك في 1961 حين دخلت في الرتبة الأولى، متقدمة على المشاركين الذكور سنة 1961م.
هي أيضا أول مدربة لرياضة ألعاب القوى، حصلت على شهادة التدريب من الجامعة الملكية المغربية لألعاب القوى سنة 1966.
عن بداياتها وشريط ذكرياتها،تقول زهرة اليزيدي العلوي: « اكتشف مدرسون كانوا يشتغلون في المدرسة التي كنت أدرس فيها مهاراتي البدنية وحسن تحركاتي وأنا في ملعب التمارين الرياضية بالمدرسة، فأحاطوني بالعناية والرعاية، واهتموا بتلقيني المبادئ الأولى للرياضة وبكل أنواعها. وعلى أيديهم اكتشفت هذا العالم الرياضي الجميل كما تعرفت على عدد من الأنواع الرياضية التي أصبحت في وقت وجيز أمارسها وبشكل متميز ككرة اليد،كرة السلة، كرة الطاولة،السباحة، ألعاب القوى،الجمباز، وغيرها من الأنواع الرياضية..
وفي سنة 1956 ، سألج مرحلة جد هامة من حياتي الرياضية بعد أن تم اختياري ضمن مجموعة من خمس فتيات من المدرسة، بعد انتقاء شمل عدة مؤسسات ثانوية، وكنت من بينهن، وأنا ابنة 16 ربيعا حينها، وكنت حينها أحسنَ عداءة في مسافة 1000 متر و80 مترا، إضافة إلى براعتي في رياضات مختلفة، وذلك لدخول تربص تدريبي بمركز المنظر الجميل بالرباط. فوجُنا للإشارة يعتبر الأول منذ فجر الاستقلال الذي ولج المركز الرياضي المنظر الجميل وخضع لتداريبَ مكثفة . وأذكر أنه خلال تربصنا بالمركز، حظينا بزيارة شرفية للملك المرحوم محمد الخامس، الذي أعطانا شحنة قوية لولوج عالم التدريب من بابه الواسع، وتعويض الأطر التي غادرت المغرب بعد الاستقلال..”.
زهرة العلوي اليزيدي ولدت في مدينة فاس. تابعت دراستها في ثانوية «أم البنين» في المدينة العلمية، وحصلت على شهادة (بْروفي) السلك الأول، وأُرْغِمت على مقاطعة الدراسة وولوج عالم الشغل بعد نهاية الاستعمار، نظرا إلى انعدام الأطر العاملة في عدة مجالات، بعد انسحاب الأطر الأجنبية.
تقول اليزيدي عن تلك المحطة: «لم تكن الفتيات ينتظرن إدماجهن في عالم الشغل، بل اعتبرنها فرصة للتكوين وصقل المواهب، لكن المسؤولين في المركز نصحونا بولوج مجال العمل في التدريب، لتغطية الفراغ الذي تركته الأطر الفرنسية، وتَوظّفْن ابتداء من السنة الموالية، سنة 1957م، حيث بدأن تدريجيا في تعويض كل الأطر الفرنسية التي بدأت في الانسحاب…عملت في عدة أنشطة وحملات تهم عدة مجالات اجتماعية ورياضية في مختلف المدن المغربية (طريق الوحدة، حملة الانبعاث… تأطير عدة أنواع من الرياضات، تسلق الجبال…). مارست السباحة والمسايفة وعملت مدربة ضمن فريق الرجاء البيضاوي لألعاب القوى، وضمن فريق الوداد البيضاوي، فرع كرة السلة.
عملت ضمن أطر الشبيبة والرياضة، منذ أزيد من أربعين سنة، كما اشتغلت، لسنوات عديدة، أستاذة لمادة التربية البدنية في إعدادية زياد في مدينة ابن سليمان. تسلقت المراتب بمرور السنوات، إلى أن أنهيت مسيرتَي العملية بدرجة مفتشة في الرياضة..”
استقرت زهرة اليزيد العلوي منذ 1975 بمدينة ابن سليمان وعملت، قبل ذلك، في مدن الدار البيضاء( 10 سنوات) وطنجة (5 سنوات) والراشيدية (4 سنوات)، حيث كانت كثيرة التنقل، بسبب وضع زوجها الذي كان يعمل مندوبا في الشبيبة والرياضة.


الكاتب : عزيز بلبودالي

  

بتاريخ : 07/03/2020

أخبار مرتبطة

كشف مرصد العمل الحكومي عن فشل الحكومة في محاربة الفساد والاحتكار، وعدم العمل على الحد من تداعيات الأزمة الاقتصادية على

  تحت شعار «بالعلم والمعرفة نبني الوطن»، تم زوال يوم الاثنين 22 أبريل 2024 ، افتتاح أشغال المؤتمر 21  ل»اتحاد المعلمين

يعود ملف ممتلكات الدارالبيضاء ليطفو من جديد على سطح الأحداث، خاصة وأن المدينة تتهيأ لاستقبال حدثين مهمين على المستوى القاري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *