« سيليباطير» .. ملح الأعمال التلفزيونية الرمضانية

إن كانت بعض الأحكام عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قد اعتبرت السلسلات الفكاهية المقدمة خلال شهر رمضان على الشاشة المغربية، رديئة وبعيدة عن المستوى الذي ينتظره المشاهد وتتطلع إليه الأسر المغربية، أرى شخصيا أنه لابد من مراجعة هذه «الأحكام»، والوقوف وقفة تأملية موضوعية، بعيدة عن أية خلفية أو أحكام جاهزة.. أي نعم هناك أعمال اعتلاها النقص وحتى الابتذال أحيانا، لكن هذا لا يمكن أن يحجب عنا ما بذله أصحابها من من مجهود، ولا يمكن أن يطمس احترافيتهم، وبأن هذه الاحترافية هي التي جعلت السلسلة تستمر.. لنأخد برامج الكاميرا الخفية التي مرت عبر تاريخ برامجنا التلفزية أغلبها لم يكتب لها النجاح، والتي نجحت إلى حد ما، هي تلك التي لم يكن بطلها نجم معروف، لأنها تبدو عفوية ومقلبها ينطلي على الناس، أما منذ أن استولت على حركيتها وجوه معروفة نزل مستواها، وأضحت مقالبها لا تستهوي الناس، التي فهمت أن أحداثها مصطنعة، والدليل أن عشرات الممثلين الذين شاركوا فيها، اعترفوا بأن ما قدم حولهم من مقالب كان متفقا عليه، وأن ما كان يشاهده المتفرج ماهو إلا تمثيل في تمثيل ..فالكاميرا الخفية إن أنت أردت لها النجاح عليك أن توفر لها إمكانات لوجستيكية ومالية كبيرة، إذ هي ليست بالبساطة التي تبدو عليها… هذه المرة برنامج كاميرا ******** فاشي استطاع أن يصلح إلى حد ما ما فسد في برامج الكاميرا الخفية بفضل ممثل ممتاز وهو طارق البخاري، وبفعل أيضا احترافية الطاقم المشتغل معه على الفكرة ..*****
الجزء الثاني من سلسلة البهجة، بدت هذه المرة أكثر حبكة، أما الحرفية فلا تخفى على طاقم الفنانين المشاركين في العمل، الذي يمتاز بالخفة وحسن اختيار المواضيع المطروحة فيه والتنوع في الأداء بعيدا عن احتكار المواقف لهذا دون غيره، الأمر الذي يجعل طعم السلسلة مقبول لدى المتلقي ..
من بين السلسلات الجيدة المقدمة هذه السنة هي سلسلة «سيليباطير»، إذ تتميز بالجودة أكثر، وهذا راجع لعدة أمور، من جهة أن فكرتها جميلة وفريدة، غير ثقيلة، تمتح من فن»الكاك» (ثلاثة نقط على حرف الكاف) وهو فن خفيف يعتمد فيما يعتمد عليه قلة الكلام وبناء الموقف.. وقد ساعد في ذلك توفر ممثلين من العيار الثقيل، يتمتعان بحبكة عالية في مجال الكوميديا بسبب تشبعهما بأصول المسرح، ويتعلق الأمر بالفنان المقتدر نور الدين بكر، الذي أضفى على هذا العمل الدفء الذي يحتاج إليه، وأيضا الفنان المقتدر حسن فلان الذي يعد قاطرة السلسلة ومحركها، فإذا كانت فكرة العمل جيدة فإن خبرة فلان ونور الدين بكر جعلت التحكم في تفاصيل العمل سهلا، ليذهب إلى النتيجة المرجوة، لذلك نلاحظ بأن السلسلة جاءت خالية من أي حشو أو ارتجال مفتعل أو كلام زائد، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على حبكة الكتابة، التي ضمت في خليتها كلا من جواد الكرويتي ومهدي فلان، بالإضافة إلى أنور خليل، وهي الخلية التي فصلت مشاهد وحوارات على مقاس أهداف العمل، لذلك لا تحس بالملل ولا يحتاج الممثل إلى كثير كلام ليوصل الفكرة للمتلقي، وهو ما يبين الانسجام الحاصل بين خلية الكتابة ومخرج العمل محمد الكغاط، الذي تجاوب مع الروح التي ذهبت إليها نصوص الحلقات، وأن كان الكغاط قد اعتمد إيقاعا بطيئا على مستوى الأداء بالنسبة للممثلين، خصوصا وأن هذا النوع من الأعمال يتطلب شيئا من الخفة في الإيقاع على مستوى حركة الكاميرا، لكن هذا لا ينفي أنه بصم على مؤشرات فنية ذات جودة إبداعية على مستوى تقديم المشاهد وأيضا على مستوى المونطاج واختيار زوايا التصوير ما أعطانا في الأخير طابقا فنيا سيسجل في المسار الفني لمخرج السلسلة…
المتتبع لتطورات أحداث هذه السلسلة التلفزية، سيلحظ مدى التناغم مابين جيلين فنيين، إذ يقابل حسن فلان ونور الدين بكر كل من مهدي فلان وأحمد الشركي، فهذا الثنائي خالف قواعد الشباب داخل السيتكومات، وخرج عن المألوف والمعمول به في هذا اللون الفني، حيث بدل اللجوء إلى الكلام المبتذل والحركات المجانية والتي غالبا ما تكون بدون معنى وبدون إيحاءات فنية، لجأ الثنائي مهدي والشركي إلى تقديم أدوارهما اعتمادا على التمثيل الرصين المبني على القاعدة الاحترافية وليس الهواية، أداؤهما تحس معه أنك أمام شخصيات حقيقية بفعل اندماجهما وتقمصهما للأدوار الموكولة إليهما بالشكل المطلوب، بعكس ما نراه في السيتكومات عادة، حيث تجد الممثل يخرج عن ملامح الدور الذي يؤديه إلى درجة تبخيس الدور، في هذه النقطة بالضبط مع مهدي والشركي، نجد أن هناك تحكما في جسد الممثل من حيث الحركات وملامح الوجه ومخارج الحروف، إضافة إلى التوفق في الوقوف أمام الكاميرا، لتجد نفسك أمام ممثل مكتمل، مدرك لما يقوم به وواع بما يقدمه للجمهور، مستحضرين أنهما أمام قامتين فنيتين وهما فلان وبكر.
كل هذا يؤكد بأن الإدارة الفنية للممثلين توفقت في الدمج مابين جيلين فنيين، وإعطاء صورة أخرى عن القدرات الفنية لبكر وفلان وإبراز المؤهلات الفنية لكل من مهدي والشركي، وهذه المؤشرات تؤكد أن إدارة إنتاج السلسلة، احترمت المشاهد من خلال اعتماد طريقة عمل تحترم كل الشروط الفنية الاحترافية، من استعداد وتداريب وتصوير في أجواء بعيدة عن»البريكولاج».
في الحقيقة كان من الأفيد للمدبرين للبرمجة أن يقدموا هذه السلسلة في فترة قبل الموعد الذي تقدم فيه، لأنها فعلا تسحق أن يستمتع بها المشاهد..


الكاتب : العربي رياض

  

بتاريخ : 20/05/2019