سي عبد الرحمان اليوسفي

إذا لم تخنني الذاكرة، وغالبا ما تخون أو نادرا إلا إذا انتوى صاحبها الخيانة فإنني أفتخر بكوني اشتغلت إلى جانب المرحوم الأستاذ الرائد عبد الرحمان اليوسفي، كان ذلك في بداية الستينيات من القرن الماضي بعد الانفصال الشهير عن حزب الاستقلال سنة 1959  الذي قاده عبد الرحمان اليوسفي ومحمد البصري وعبد الله ابراهيم وعبد الرحيم بوعبيد، وإنشاء حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، آنذاك زلزلت الحياة السياسية بالمغرب زلزالا كبيرا وتشكل في ما بعد تيار اليسار السياسي الجديد فانضم إليه آنذاك عدد كبير من المواطنين الذين شكلوا أثناءها قاعدة جماهيرية كبيرة لهذا الحزب الثاني المنفصل عن الحزب التقليدي الأول. هكذا انتعشت الحياة السياسية بهذا « المولود» السياسي الجديد وقد قلبها رأسا على عقب. وكأي حزب جديد كان لا بد له من صوت يعبر عنه وعن آرائه و تصوراته ورؤيته للوضع السياسي القائد آنذاك، فكان أن أصدر جريدة يومية هي «جريدة التحرير « التي لعبت دورا كبيرا في المعارضة والنقد البناء ضد الانحراف والخروج عن الإرادة الشعبية.

وهكذا صارت « التحرير « ليس فقط صوت الاتحاد و لكنها صارت صوت جميع المغاربة بكافة طبقاتهم الاجتماعية.
لقد كان المرحوم الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي هو رئيس التحرير لهذه الجريدة الجديدة، حيث أعطاها نفسا جديدا في الرؤية والتعبير عن آمال المغاربة في العيش الكريم آنذاك، رغم أن المغرب وقتها كان يمر بفترة التحول السياسي بخاصة بعد وفاة المرحوم محمد الخامس واعتلاء ابنه الحسن الثاني عرش المملكة، و ما رافق هذا التحول من اصطدامات بين القصر والحزب، فكانت كلمة « الحكم الفردي» لازمة يومية في جريدة التحرير. ولأني كنت مبتدئا في عالم الكتابة والأدب آنذاك، حيث نشرت بعض نصوصي هنا وهناك، وحيث كنت عاطلا عن العمل فقد توسط لي بعض الإخوان لألتحق بجريدة « التحرير» كمصحح، وهكذا اشتغلت في هذه الجريدة التقدمية المناضلة آنذاك تحت إمرة الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي.
لقد كنت أشتغل إلى جانب أسماء وازنة وجريئة مثل: عبد السلام البوسرغيني وولد جامع الفنا وأحمد احمايمو وأسماء أخرى نسيتها  لكنني لا يمكن أن أنسى محمد الطنطاوي ومحمد عابد الجابري ومصطفى القرشاوي .
كان الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي يدير كفة الجريدة إدارة عقلانية وازنة وكانت افتتاحياته السياسية تعكس رؤيته للأوضاع السائدة وقتها، فهو رجل سياسي محنك، صحفي وحقوقي ومناضل  دون ادعاء.
كان المرحوم الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي قليل الكلام، قليل التصريحات ليس مثل بعض « الزعماء» (الذي حلم بهم الوقت)كان  كتوما وأخلاقيا، لا يتكلم إلا عند الضرورة وأعتقد أن نموذج الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي اصبح نادرا في الوقت الراهن.


الكاتب : إدريس الخوري

  

بتاريخ : 01/06/2020