شذرات فيسبوكية للشاعرة المغربية أريج جلنار : عن القحولة الجسدية  المطرّزة بتنويعات أيروسية

ما حدود الكتابة الجندرية في مجتمعاتنا المحافظة هذه ، والممهّدة باعتماد جملة من القواعد والأعراف والنظم الثقافية المتقادمة، لهيمنة الصوت الذكوري،والمعتقلة أو المُخندقة للجسد الأنثوي في زوايا التابوهات والممنوع الذي يسمح بمرور رؤى الشّبقية والتغنّي بالفحولة البلاستيكية التي قد تمتص في دونية وازدراء وانتهازية،وعطش أيديولوجي بهيمي ،عذرية هذا الجنس اللطيف،وتغتصب كنزه الجسدي،بمعزل عن المرايا العاطفية والروحية الأخرى التي من المحتمل أن تحقق الموازاة القادرة على صيانة حقوق المرأة إجمالا كأنثى وأمّ  وقدّيسة وحرّة ،أو مدرسة لها ضلوعها وتأثيرها الفردوسي في إعداد وصناعة الأجيال…؟
ولم يتمّ الزّج بالأنثى على نحو مقصود، دوما، في محطات ثانوية ،تُكره من خلالها على لعب الأدوار الثانوية، والبروز في لبوس الطّرف الهامشي فقط؟أو النوع الطائع التّابع الذي لا يعلو صوتا ومنزلة ووجودا على الغطرسة الآدمية المنحرفة والتي ما تنفكّ تدجّل المشهد وتشوه الصورة ملطّخة صفحات التاريخ بمثل هذه الثقافة العمياء الجانية..؟
ثمة لاشك، خطوط حمراء،ونقاط تحفّظ وتحريم ، تفخخ كهذا راهن، وتجعله على صفيح الإشكاليات والظواهر النوعية الساخنة، التي لن تحل وتفكّ طلاسمها بسوى الحوار والبناء والخطابات المتعقّلة والرصينة بين الطرفين، بتخلّ تامّ عن الدوغمائيات والأنانيات الذكورية المغلّفة بفلسفة طاغية تذود عن مستنقعات استنبات فحولة زائفة ، تتغذى على مكتسبات الأنثوي المقموع.
هذا وأحسب الشاعرة المغربية أريج جلنار، تقع في منطقة المابين، وتنزل بأشعارها الموسومة بالتشظي الذي يعكس إلى حدّ بعد، هموم الأنثى في مكابدة التسلّط الذكوري، صوتا وجسدا وممارسة وإيديلوجية، بحيث حاذرت الوقوع في فخاخ القول الشعري الخليع الخادش للحياء والذي لا يقيم اعتبارا لأصول التلقي ومعاييره، ضمن حدود مجتمع عربي محافظ مثلما أسلفنا، كما أنها بالمقابل نذرت حياتها وشعرها ونضالها لتفجير البعد المنتصر للأنوثة في ميسم الخطاب الأيروسي القوي غير المهادن والذي يزلزل جبهة الأصوات المتكالبة على حظوظ وحقوق ومكتسبات المرأة العربية على شاكلة شمولية لامّة.
تنتهج شاعرتنا تقنية تقطيع النفس في الصورة الشعرية، وتجدّف وفقا لتيار التشظي الواشي بانشغالات أنوية تدين واقع إقصاء الأنثوي، وتحاول لملمة كينونة الأنثى تأسيسا على قفزات جندرية تقتضي منها تنويعات يغزلها الجسد بشتى طقوسياته، ويسكب من مشاهد طوباوية الجسد و غواية حيز الحساسية ونقاط المحظور،في كؤوس التوقيعة المراوحة بين درجات ومراتب النص الشذري وملمح الهايكو الخاطف، كي يُربك بالأسطر الشعرية المعدودة العابرة ،مغرقا في سرديات الحرب النفسية والسيكولوجية بين نوعي التضاد اللذان هما من صناعة الوهم الذكوري، ليس إلاّ ، والذي تمليه المخيلة المريضة في تمجيدها لفحولة زائفة مهيمنة.
وعلى مقاس المعاناة تولد أسطر الحكاية المقتضبة المقرّة ، بمجد الأنثى ،وانكفاء الطريف النقيض لها، نوعا وجنسا، لا فلسفة وثقافة وإيديلوجية، ورفده من كنوزها الضاجة بماهية الهشاشة وقابلية الكسر، والعبقة بتضوّعاتها المرجانية وظلال الخبء الروحي والوجداني.
الأنثى أكبر وأقدس وأغوى وأطهر في أشعار المبدعة الرقيقة أريج جلنار:
لنتأمل المقتطفات التالية:
[ندبة بحجم قافية
على رقبة سطر
شاهق
ناعم كالحرير
من ثغر حرف حارق لئيم
هي القبلة في قانون القصيدة
أتقبل أم تتمرد أكثر
على النبض اللعين].
…………………
[فنجان واحد لا يكفي
و كل هذا الضوء يتدفق من عينيك
ساعة المغيب].
……………..
[شهية تلك التفاحة
كنت أستدرجك لطين التكوين
بدون خطاياك
هذا الضلع لا يستقيم].
……………..
[و أنت تقرأ قصائدي
كأنك
تدخن أصابعي
و تترك أعقابها
على شفتيك].
………………
[كيف أكتبك
و عيناك قارة تنذر بالأزمات
قلبي نصفه ميت
و الباقي منه يحاول إقناعي بأن الحب مازال يصنع معجزات].
…………………
مساء مدجج برماح الشوق [
و قلبي في مرمى عينيك أعزل
سأحبك الليلة أكثر].
…………………
[يداعب عطرك رئة الليل
يسيل لعاب الحرف في مخيلتي
أطأ عشب قلبك حافية
و بشغف طفلة
أجري في حقول الترقب
ترى كم قصيدة ستنجبها عيناك].
……………………..
[قميصك
المتمرد الأزرار
هو ذريعتي
إن خانتك عيناك
فما ذنبي
إن كان هواك خطيئتي
أحبك
و لا أقبل
غير صدرك
محرابا
ألقي عليه توبتي].
…………………….
[و أحب أن أتخيل
أنك أنت من افتعل هذه الحروب
لتشغل الرجال
عن الالتفات إلي
لست جميلة
ربما قليلا
وجهي عتيق
كقصور غرناطة
و عشقي أسود
كشجرة الدر
فقط أطفئ هذه الحرائق
و أحبني أنت].
…………………
[ما أجملهنَّ
شاعراتُ الفيسبوك
حزيناتُ دوما
متَّشحاتٍ بقميصِ قمرٍ هاربٍ
أو سافراتٍ
كأنيابِ البريَّة].
دونما مواربة أقول: تكتب هذه الشاعرة على غرار كلّ أنثى واقعية تلفح بأسئلتها النارية، محاولة التملّص من عالم التّجني على الجسد ، تروم أبراج تحرير هذا الجسد ومنحه بؤر نورانية الوجود الذي يستحقّه وأكثر.
هذه العائدة من فراديس خطيئة أمها حواء، كي تملأ أقداحنا، من معسول صوت مضادّ يرفع عن نسل آدم كلفة عناد ومكابرة ومناطحة الجمال والهشاشة والوضاءة الروحية.
شاعرة الحزن هذه، وفي هروبها الشعري الهذياني  الذي يساير ويجاري قمرا متحولا،كون التحول حقيقة جوهرية تروى عن أسراب الغاوين ههنا، وبلسان الوجود الذي يحارب لأجل رفع الأنثوي عاليا فوق أصوات الشبقية المتغابية والحمقاء، وفوق أضرب الاغتصاب وخارج فصول اللعبة الجسدية المكرّسة للطغيان الذكوري،وبمنأى عن التفاصيل المكرورة التي تعاود جلد الروح العاشقة، إذ تلبسها لعنة ومكر الماء.
هذه المائيات كأسطر ينسج ملامحها ما يشبه الحبر السرّي الذي يبرّر وجود النوعي البشري.
هي شاعرة أقسمت ألاّ تُساوم في قناعاتها ومبادئها المحتفية بصوت الأنوثة المقهورة، فكان أن تشامخت ودثّرت معها القصيدة بعنفوان الاستعصاء على أنياب البرّية، أو الراهن الغاب المتسلّط بفحولة الزيف،القاهر لكينونة الأنثوي، كما تقارب المسألة هي،بكل ما أوتيت من فصاحة وجرأة أيروتيكية،مقبولة جدا،وعاقلة،تنشد أسباب وموجبات كسر قيود الجسد.


الكاتب : احمد الشيخاوي

  

بتاريخ : 21/07/2018