شيطان الفكرة

راودته الفكرة ،ها هي ذي تطرق بعنف جدار جمجمته ،تشتعل عود كبريت بداخله ،تحرق كل الذكريات الجميلة ، تمحقها .يرنو الى صفحة الماء أمامه ،البحر ساج تنعكس على مرآته المهتزة صورة زوجته العنيدة ،يراها جذابة ساحرة ،تغازله عيناها، تبتسم ،تضحك، تقهقه، تبرز الأنياب من غمدها حادة كالسكاكين ، ينمو لها قرنان ،تشع العينان بريقا غريبا ،تمد يديها إليه ، تحضنه ،تلتف اليدان حول العنق كما الأفاعي تعتصره فيحاول أن يمنعها ، يدفعها بعيدا فتغوص تحت الماء ،تغرق …يهيج البحر فجأة ،يصفعه الموج الصاخب يلقيه فوق الرمال المبتلة…تنتفض الفكرة مرة أخرى ،تفرض وجودها ،يقلبها ذات اليمين وذات الشمال ،يركب صهوتها الزئبقية ، يسافر معها…إنها تتضخم ،الفكرة تتضخم كما كرة ثلج تنزلق من أعلى الجبل ،تقذف بناتها…رأسه الصغير صار بالونة تنتفخ بشدة فتكاد تنفجر ،النمل يملؤه ،يغزوه ،يعتريه شيطان الفكرة فيتخبط في شرها ، إنها تتحول الى لقطات ،أفعال ، مشاهد متناثرة تحتاج الى بطل أسطوري يلملمها ويسير بهانحوخط النهاية .
يصعد فوق الركح ،يصفق الجمهور ،يستهل مسرحيته بابتسامة خرقاء، ينسى جزءا من الدور ،يدخل مسرعا الى الكواليس ثم يعود حاملا في يده سيفا يصارع به طواحين الفراغ الوهمية، يطعنها طعنات متتالية ،ينهك، يسقط السيف من يده .ينحني أمام الجمهورمنتظرا تصفيقاته.يقوم من مكانه مسرعا ، يعود الى الكواليس ثم يخرج حاملا بندقية ،يصوبها نحو الجمهور، يضغط على الزناد فتنطلق الرصاصات متتالية ،يصرخ الجمهور ،يضحك البطل ، يرسم بالبندقية لوحة ألوانها دم ساخن ،تنزل الستارة ،يصفق الفراغ…
يهز رأسه بقوة ، ينفض النمل الجارف الذي نخر دماغه فجعله إسفنجة مشبعة بالأفكار البلهاء.
ترك البحر خلفه ،ركب سيارته ، ارتعشت اليد وهي تدير المفتاح ، استوقفته عجوز تطلب إحسانا ،دس يده في جيبه ،أفرغ كل الدراهم في كفها ، رافقته دعواتها وهو ينطلق بسيارته مسرعا ،أحس بدبيب النمل يخف ، يهدأ ،ينسحب ،يختفي …رأسه الثقيل أعاد توازنه. فتح باب الشقة ، فتش عن زوجته ،كانت مستلقية أمام التلفاز ، لفظ كلماته المرتبة في هدوء وخرج : أنت طالق ،طالق ،طالق ….


الكاتب : أمل داني

  

بتاريخ : 15/02/2019

أخبار مرتبطة

روني شار يقول بأن على الشاعر أن يستيقظ قبل أن يستيقظ العالم لأن الشاعر حافظ وجوه الكائن اللانهائية.شعراء أساسيون مثل

رَفَحْ جرحٌ أخضرُ في مِعْصم غزَّةَ، وَنَصْلٌ في خاصرة الريحِ. ماذا يجري؟ دمُ عُرسٍ يسيلُ أمْ عروسُ نِيلٍ تَمْضي، وكأنَّ

– 1 – هل الرمز الشعري الأسطوري ضروري أو غير ضروري للشعر المغربي؟ إن الرمز الأسطوري، اليوناني، خاصة، غير ضروري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *