صباحات الكورونا

في صباحات «الكورونا .»
لمحت فجرا  يطل من خلف كمامة وردية محاذرا أن يوقظ  جراحا غفت لتوها ، ثم رأيته يتحسس خلسة مواطئ أقدام الساعين إلى الصلاة وقد غابوا كاتما حنينا وأنات؛
في صباحات الكورونا رأيت الملامح مجمدة ، جلدة ،  تهدي صبرا للسويعات القصيرة الطويلة التي كانت تهديها الملل ،
ورأيت أكف الضارعين تأخذ اتجاها واحدا، وقد كانت قبل ذلك تتوزعها الديانات ؛
في صباحات الكورونا شربت قهوتي في السرير، وقرأت جريدتي قرب الشرفة نصف المغلقة ، وتصفحت علبة الرسائل في طريقي نحو المطبخ ، وهاتفت الجميع. سمعت صوت أمي هادئا على غير العادة، وأتاني صوت الرفاق لابسا مسوح الرزانة وقد عهدتهم الطيش عينه .
عاتبني صديق كثير الشكوى على تجاهل تعليق له آخر مرة، وشكرتني شاعرة لا تربطني بها أية رابطة حقيقية  على إعجابي ببيت لها؛
وكنت صادقا جدا،  ففي اللحظات الحرجة لا يسعنا التمثيل والرياء، كان كل شيء عاديا كما هو دائما وساكنا …
لكن باردا برودة الجثث !
في صباحات الكورونا ،
تجمعنا للمرة الأولى منذ عصور؛ وراجعنا مواقفنا كما لم نفعل يوما؛ مددنا أصابعنا نحلم بمسح عرق ودموع بعضنا ، لكن أصابعنا لم تصل إلى وجهتها ، حجزتها الحدود الشفافة وبطاقات التعريف وحرس الحدود والنوايا السيئة .
وحلق بيننا الفيروس حرا فيما قبعنا ونحن الأحرار، في علبنا الزجاجية نعيد تمثيل مشهد الكُسَعي جماعي.
في طريق عودتي إلى السرير، عاينت مرة أخرى أرقام الموتى، وكانت في ارتفاع دائم ، ورغم أنني كنت في بيتي الآمن في الحجر فقد أحسست بالخطر عندما رأيت النوافذ نصف مغلقة، وفراشات الربيع تتأرجح بين الداخل والخارج .
في صباحات الكورونا خمنت أن شوارع المدينة خالية، وأن يد العبث وحدها تتجول هناك.. تتلاعب بأوراق الأشجار والأشعار المهملة، وأن المقاهي التي أغمضت مازالت تغط في ذاكرتها الحبلى بالثرثرة ودخان السجائر،
و أشفقت – كعادتي- على الكراسي المكدسة هناك،  ياالله كم ستكون مشتاقة للرصيف، وللشعراء، والقصاصين، وأجساد العابرين والعابرات،
ولمسة الرياح و برد الشتاء،
ورأيت بائعات الفرح يلتقطن وعود الورد  من شفاه العابرين، فحزرت أن  عشاءهن سيكون الجوع هذا الربيع .
تعبت من الخارج. كان الفراغ لا يطاق،
قد نتحمله عندما يحل في الأماكن لكن عندما يسكن الأشخاص والأحلام، يصبح السكون لا يطاق .
عدت لشاشة هاتفي، أبحث عن جزء ما مني ؛
ما أضيق العالم خارجا، وما أوسع هذا الخيال…
في صباحات الكورونا،
وحده الإيمان قد يصنع المعجزات  !

 


الكاتب : رشيد بلفقيه

  

بتاريخ : 04/04/2020

أخبار مرتبطة

  رن الهاتف ، كنت في الحمام مستمرئا الدوش الفاتر، تلففت بفوطة، شربت كوبا من محلول عشبة اللويزة، موطئا لنوم

  جلست على شاطئ الحيرة أسكب المعاناة على الورق، وأشكل أمواج الغضب، تطاردها الجروح ويرافقها السؤال واحد يدعي الحضور! على

الحياة التي نحارب من أجلها… الحياة التي نمارسها أمام العلن… والحياة التي نتمنى أن نعيشها… لا علاقة لها بما نعيش

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *