صحابة اتهموا بالكفر وعلماء بالزندقة 25 / المعتزلة عن أحمد بن حنبل: ضال وكافر ومبتدع ويجب قتله!

بدأت المحنة فى عام 218هـ، حيث أمر المأمون إسحاق بن إبراهيم، قائد شرطة بغداد، بأن يجمع كبار الفقهاء والعلماء والمحدثين ويمتحنهم فى القول بخلق القرآن ويقرأ عليهم خطاب الخليفة المأمون الذى يفيض بالتهديد والوعيد لمن يرفض القول بخلق القرآن، وفى هذا المجلس، وهو الأول رفض البعض وقبل البعض، مما أغاظ المأمون الذى طلب من قائد الشرطة عقد مجلس آخر وأن يشتد فى التهديد والوعيد، وبالفعل أجاب كل العلماء فيما عدا أربعة وتحت التعذيب تراجع اثنان منهم وثبت الإمام أحمد بن حنبل ومحمد بن نوح فطلب المأمون حملهما مقيدين بالأغلال إلى حيث يقيم آنذاك فى مدينة طرطوس وأقسم أن يقتلهما، إن استمرا على موقفهما، وفى الطريق قابل أبوجعفر الأنبارى ابن حنبل وقال له: «يا هذا أنت اليوم رأس، والناس يقتدون بك فو لله لئن أجبت إلى خلق القرآن ليجبن خلق، وإن أنت لم تجب ليمتنعن خلق من الناس كثير، ومع هذا فإن الرجل إن لم يقتلك فإنك تموت، لابد من الموت، فاتق لله ولا تجب»، وهنا إدراك كامل لواجب العلماء تجاه الأمة من صدق النصيحة والثبات على الرأى وعدم الخوف من سيف الحاكم أو الاغترار بذهبه وسلطانه.
قبل أن يصل الإمام أحمد إلى طرطوس مات الخليفة المأمون ورغم ذلك فقد استمرت المحنة فى عهد الخليفة المعتصم وأصبح الإمام أحمد وحده بعد وفاة زميله فى المحنة محمد بن نوح تحت وطأة التعذيب والسجن، وأمر المعتصم بحبس ابن حنبل فى سجن ضيق مظلم والقيود فى يديه، وفى السجن أجريت له عديد من المناظرات مع أئمة المعتزلة فى محاولة لإثنائه عن رأيه ولكنهم فشلوا فى ذلك.
وتعود محنة بن حنبل، التي وصلت إلى حد الضرب والتكفير والسجن والتهديد بالقتل، إلى طبيعة التكوين الذي تلقاه، وأيضا إلى موقفه من التفلسف وعلم الكلام، فقد جلس للتّحديث وللإفتاء في سنّ الأربعين. ولم يكتب إلاّ الحديث، وبعض الأبواب في الفقه. وكان يكره، حسب ما يرويه عنه أتباعه، الفتوى بالرّأي ويكره الابتداع في الدّين وكان يرى ما رآه السّلف. لهذا فهو يعتبر إمام الاتّباع.
وقد أخذ أحمد بن حنبل بالمصلحة إن أعوزه النّص أو الأثر المتبع. وكان يكثر من الأخذ بالذّرائع. والأصول التي بني عليها فتواه هي:»النّصوص، ثمّ ما أفتى به الصّحابة، ثمّ الاختيار من بين ما اختلف فيه الصّحابة، ممّا هو أقرب إلى الكتاب والسّنة، ثمّ الأخذ بالحديث المرسل، والحديث الضّعيف، ثم بالقياس عند الضّرورة القسو».
ويعتبر موقف بن حنبل من علم الكلام والفلسفة موقف قاس جدا. فقد كان ينهى النّاس عن الكلام. وقد كتب أحمد إلى رجل يسأله عن مناظرة أهل الكلام: «أحسن لله عاقبتك، الذي كنّا نسمع، وأدركنا عليه من أدركنا، أنّهم كانوا يكرهون الكلام أي علمه، والجلوس مع أهل الزّيغ. وإنّما الأمر في التّسليم والانتهاء إلى ما في كتاب لله لا يعدون ذلك».
وهكذا فإنّ أحمد ابن حنبل كان يرفض التّفكير في العقيدة بالتّفلسف فيها. وينسب إليه أنّه قال: «تجنّبوا أهل الجدال والكلام، وعليكم بالسّنن، وما كان عليه أهل العلم قبلكم، فإنّهم كانوا يكرهون الكلام، والخوض من أهل البدع».
وكان يقول: «لا يفلح صاحب الكلام أبدا» و»علماء الكلام زنادقة» وأيضا: «لا يرى أحد نظر في الكلام إلاّ وفي قلبه دغل».
فبسبب آرائه تلك في علم الكلام و»خلق القرآن»، وقعت المحنة التي أثّرت أيضاً على المدرسة الكلاميّة المعتزليّة التي تعصّبت لفكرة خلق القرآن.
ويرفض بن حنبل الخوض في علاقة القدر بأفعال الإنسان، فذلك في رأيه « أمر في علم لله»، ولم يكن يبحث عن كنه صفات لله ولا عن حقيقتها. وكان يؤمن برؤية المؤمنين لله يوم القيامة إيماناً كاملاً دون تأويل. وكان يرى أنّ «الإيمان قول وعمل وأنّه يزيد وينقص».


الكاتب : سعيد منتسب

  

بتاريخ : 24/06/2017

أخبار مرتبطة

ليست الدار البيضاء مجرد مدينة أو حاضرة من الحواضر العادية، بل هي حكاية من حكايات هذا الزمن..مستمرة في المكان والزمان…

في شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام، كان غالبية العبيد من أصل إثيوبي. لم يقتصر وصف العبيد على السود فقط، بل

يؤكد الفيلسوف ميشيل فوكو أن عصر الأنوار «لم يجعل منا راشدين»، ظلك أن التهافت الأخلاقي للغرب ظل يعيش، إلى الآن،

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *