طائرات «الدرون».. السلاح الأقوى في الصراعات «الباردة»!

 
نشرت صحيفة «الغارديان» تقريرا، أعده كل من دان صباغ وجيسون بيرك وبيثان ماكرنان، يتحدثون فيه عن «حرب الدرون» التي باتت تستخدم في النزاع الليبي الدموي.
ويشير التقرير إلى أن استخدام الطائرات المسيرة «الدرون» القاتلة، التي كانت سلاح الولايات المتحدة الوحيد، بات يتسبب بضحايا مدنيين بعدما تم تثوير صناعتها، ودخلت في أكثر من نزاع، واحد منها النزاع الليبي المستمر منذ عام 2011.
ويلفت الكتّاب إلى أن ليبيا أصبحت ساحة المعركة الرئيسية، حيث يحاول كل طرف تأكيد تفوقه باستخدام طائرات درون، إما مصنوعة في الصين أو تركيا.
وتنقل الصحيفة عن كريس كول، الذي يدير مجموعة بحث في استخدام الطائرات المسيرة، قوله إن «ليبيا هي نقطة الصفر لحروب الدرون»، وأضاف: «هناك مجموعة معقدة من الدول التي تشارك فيها، ولا أحد يعرف بالتأكيد ما يعمله الطرف الآخر».
ويفيد التقرير بأن هذه الحرب يشنها خليفة حفتر (76 عاما)، الذي يسيطر على بنغازي ومناطق الشرق ضد حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا منذ أبريل، للسيطرة على طرابلس، مشيرا إلى أنه سقط في هذه الحرب أكثر من ألف شخص، فيما أدت إلى هروب 120 ألف شخص، بحسب تقديرات الأمم المتحدة، التي قالت إن الحملة الأخيرة على طرابلس شهدت أكثر من 900 مهمة استخدمت فيها الطائرات المسيرة.
ويقول الكتّاب إنه زاد استخدام هذه الطائرات بعد المكاسب السريعة الأولى لحفتر، حيث توقفت قواته بسبب المقاومة الشديدة من المقاتلين الذين يدافعون عن طرابلس وحكومتها، وهو ما قاد إلى الاعتماد على القوة الجوية للحصول على مكاسب تكتيكية وتجنب خسائر بين المقاتلين.
وتنوه الصحيفة إلى أن دولا عربية تدير مجموعة من الطائرات المسيرة (وينغ لونغ) التي اشترتها من الصين بكلفة تتراوح ما بين مليون إلى مليوني دولار، وهو سعر زهيد مقارنة مع الطائرة الأمريكية المسيرة «ريبر»، التي تبلغ كلفة الواحدة منها 15 مليون دولار.
ويذكر التقرير أن حكومة الوفاق الوطني تستعمل طائرة «بايركتار تي بي 2»، لافتا إلى أن 45 شخصا قتلوا في غشت، في قاعة بلدية في جنوب غرب ليبيا، حيث استهدفت الطائرات الصينية المكان.
ويفيد الكتّاب بأنه تم استخدام أسلوب «النقرتين» الذي طورته الولايات المتحدة في الهجوم، حيث تتبع الضربة الأولى ضربة ثانية بعد دقائق، ما يعني زيادة الضحايا، مشيرين إلى أن الأشخاص الذين هرعوا لمساعدة الجرحى كانوا أنفسهم ضحايا، وكانت حصيلة القتلى التي شملت على أطفال هي الأعلى منذ بداية الحرب الأهلية في عام 2011 بعد سقوط نظام معمر القذافي.
وتورد الصحيفة نقلا عن الخبير في معهد كلينغيندال في لاهاي، جليل الحرشاوي، قوله إن حفتر تحول في الأشهر الأخيرة لاستخدام الطائرات المسيرة الرخيصة الثمن بعدما فقد الأمل في دخول طرابلس من خلال الحرب التقليدية، مشيرا إلى أن الحرب الجوية تؤدي «دورا كبيرا والطائرات المسيرة مفيدة، وشاهدنا ميلا كبيرا لضرب الأهداف السهلة، وهناك تسامح مع قتل المدنيين، وإن كان ذلك بطريقة تدريجية، وفي غياب شجب دولي».
ويشير التقرير إلى أن الأشهر الأخيرة شهدت حوادث صغيرة الحجم، بما فيها ضرب ناد قريب من مجمع للأمم المتحدة في طرابلس، في بداية أكتوبر، ما أدى إلى جرح أطفال، لافتا إلى أن هذه الحوادث كلها اتهمت فيها قوات حفتر، التي استخدمت الدرون لتدمير الطائرات التركية الصنع على الأرض.
ويجد الكتّاب أن ما يعقد الصورة هو قيام الولايات المتحدة باستخدام طائرات درون في بعض الأحيان لضرب الجماعات المرتبطة بتنظيم الدولة التي تنتشر في جنوب البلاد، مشيرين إلى أنه كشف في الفترة الأخيرة عن غارة قتلت 43 مقاتلا تم شنها من القواعد الأمريكية في إيطاليا والنيجر.
وتنقل الصحيفة عن الطوارق الذين يعيشون في جنوب البلاد، قولهم إن الطائرات الأمريكية المسيرة قتلت 11 مدنيا، لكن واشنطن أكدت أن الهدف كان الإرهابيين، ونفت سقوط مدنيين.
ويفيد التقرير بأن الطائرة التركية «بايركتار تي بي 2» أثبتت نجاعتها في الحرب التي تشنها تركيا ضد الانفصاليين الأكراد «بي بي كي» في جنوب شرق البلاد، التي انتقلت إلى ملاحقتهم في العراق وسوريا، مشيرا إلى أن هذا النجاح حول تركيا إلى مصدر للدرون المتوسطة الحجم، ما لبى حاجة السوق؛ لأن الولايات المتحدة غير مستعدة لبيعها للدول التي تشهد نزاعا في الشرق الأوسط.
ويكشف الكتّاب عن أن حكومة الوفاق الوطني اشترت 20 طائرة مسيرة من تركيا، بالإضافة إلى أن أنقرة عقدت أيضا في عام 2018 صفقة مع قطر لبيعها ست طائرات تي بي2، وباعت هذا العام 12 إلى أوكرانيا، مشيرين إلى قول المحللين إن النزاع في ليبيا استمر بسبب دخول الطائرات المسيرة غير المكلفة إلى ساحة الحرب.
وتنقل الصحيفة عن جينفر غيبسون من منظمة حقوق الإنسان «ريبريف»، قولها إن التاريخ السري حول الدرون، واستخدام الأمريكيين، خلقا جوا لا أخلاقيا لاستخدامها، «لا يشعر من يستخدمها اليوم أنهم تحت ضغط الاعتراف بأنهم استخدموها لأن هناك سابقة موجودة».
ويكشف التقرير عن أن تركيا استفادت في تطوير تكنولوجيا الطائرات المسيرة من مصنع في برايتون في بريطانيا، ما جعلها ثاني أكبر منتج للطائرات المسيرة في العالم، مشيرا إلى أن تركيا استخدمت التكنولوجيا لملاحقة مقاتلي حزب العمال الكردستاني، بالإضافة إلى قتل خمسة منهم على الحدود مع العراق، في تقليد للغارات التي شنتها الولايات المتحدة على المناطق الحدودية في باكستان والصومال وليبيا واليمن.
ويستدرك الكتّاب بأن قدرة الشركة التركية على إنتاج الطائرات لم تكن لتتم لولا التعاون مع شركة «إيدو أم بي أم تكنولوجي» في برايتون، لافتين إلى أنه مع أن تركيا قامت لاحقا بتطوير صواريخها الخاصة، لكنها اليوم تملك أسطولا من الطائرات المسيرة مكونا من 86 طائرة.
وتختم «الغارديان» تقريرها بالإشارة إلى قول كريس كول من «حروب الدرون»: «ما نراه هو تحول دول مثل تركيا إلى لاعب مهم في استخدام الدرون»، فيما باتت اليوم الساحة مليئة بالدول التي تصنعها مثل الصين وتركيا.

سباق تسلح جديد بالمنطقة عبر «الدرون»

حذر الباحث والمحلل السياسي علي حسين باكير من تداعيات الاستخدام المتزايد للطائرات المسيرة على مستقبل منطقة هي بالأصل رخوة أمنيًا ودخلت في صراعات لا تعرف لها مخرجا وقال إن «سباقا لإنتاج الدرونز سينشأ في المنطقة».
وباتت «الدرون» سلاحا فعالا في الظروف الراهنة، مع تعقد المشهد السياسي في دول الشرق الأوسط، وطول أمد الصراعات فيها، وعدم وجود مؤشرات لحلول مستقبلية.
فحقيقة أن الطائرات المسيرة غير معقدة ورخيصة الكلفة وقادرة على التخفي عن أجهزة الرادارات، ومجهولة المصدر أغلب الأحيان، ما يتيح لمستخدميها فرصة التملص من مسؤولية استخدامها، ويجعلها سلعة مرغوبة للغاية للذين يرغبون في تمرير أجندتهم بأقل التكاليف، ولا يودون الدخول في صراعات مفتوحة كلفتها عالية ماديًا وبشريًا.
المنخرطون في لب صراعات الشرق الأوسط وجدوا ضالتهم في سلاح «الدرونز»، خاصة أنه يمكن أن يكون وسيلة ضغط لإحداث تغيير في مجريات السياسة، بسبب فعاليته الرمزية قبل الهائلة كما تفعل الأسلحة المتطورة.
وهذا ما رأيناه مؤخرًا في حادثة «أرامكو» السعودية، حيث تسببت هجمات بطائرات مسيرة على منشأتي للنفط بوقف نصف إنتاج الرياض من الخام، ما أثر على أسعار النفط عالميًا.
وهذا يمكن رؤيته أيضًا في الهجمات بالطائرات المسيرة من حين لآخر ضد أهداف في سوريا ولبنان والعراق، تُحمّل فيه تلك الدول إسرائيل مسؤوليتها.
ولا يخفى على أحد أن بؤر الصراع في المنطقة، خلال الآونة الأخيرة، بدأت تتجه إلى استخدام أوسع للطائرات المسيرة، لا سيما في دول اليمن والسعودية وليبيا والعراق وسوريا.

مزيد من التهديدات الأمنية
ومزيد من الإنفاق

المحلل السياسي علي باكير رأى، أن من تداعيات استخدام طائرات الدرون مزيد من الهجمات في منطقة رخوة من الناحية الأمنية ويكثر فيها اللاعبون غير الحكوميون من ارهابيين ومليشيات طائفية مسلحة ومليشيات متطرفة.
وأضاف: وهذا يعني المزيد من التهديدات الأمنية للمنشآت الميسورة والمواطنين في الشرق الأوسط.
وقال إن «الهجمات الأخيرة التي تحصل ستشجع المزيد من اللاعبين الحكوميين وغير الحكوميين على اعتماد الدرونز في هجماتهم وهو ما يعني أن سباقًا لاقتناء الدرونز سينشأ في المنطقة يقابله سباق على اقتناء أنظمة تحييد خطر الطائرات المسيرة هذه، وهذا يعني المزيد من الإنفاق في مجال كان من المفترض ان يتم تخفيف الإنفاق فيه لصالح قطاعات أخرى تهم شعوب المنطقة».
باكير نفسه، كان كتب مقالًا نشرته مجلة «ناشيونال انترست» الأمريكية، الشهر الماضي، بعنوان «لعبة الدرون– التهديد المتنامي من السماء» تحدث فيه عن اهتمام دول مثل إيران بهذا الطراز من الأسلحة، لتأثيره الرمزي قبل الهائل على منافسين إقليميين.
جاء في المقال أنه بالنسبة لإيران، فإن لطائرات الدرون مزايا عديدة تتوافق مع سياستها الحربية «غير المتماثلة»، لا سيما أنها رخيصة إلى حد ما، وآمنة، ومسيرة عن بعد، ويمكنها بسهولة اختراق الحدود لإجراء مهام استطلاع ومراقبة ومهام استخباراتية، كما يمكنها شن هجمات.
وورد أيضًا: «حقيقة أنها (طائرات الدرون) ليست معقدة أو باهظة الثمن تجعلها جذابة للغاية لإيران».
ولفت المقال أيضًا إلى أن أيران أرسلت، خلال السنوات الماضية، العديد من الطائرات المسيرة إلى حلفائها أو وكلائها في سوريا ولبنان والعراق واليمن.
وقال إن طهران استخدمت وما تزال تستخدم أراضي تلك الدول كحقل اختبار لطائراتها المسيرة ضد دول مثل الولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية وغيرها.

الدرون.. مؤشر لنهاية عصر النفاثات

صحيفة الغارديان تطرقت إلى الموضوع نفسه، في مقال بعنوان «الطائرات المسيرة بالشرق الأوسط مؤشر لنهاية عصر تفوق الطائرات النفاثة السريعة».
وقالت الصحيفة البريطانية إنه في تاريخ الحروب الحديثة باتت عبارة «من امتلك السماء فاز بالحرب» بمثابة مبدأ ثابت، في إشارة واضحة إلى مدى فعالية حروب الدرونز في الصراعات «الباردة».
كما لفتت إلى أن الطائرات المسيرة الصغيرة والرخيصة «غيرت» من فكرة ضرروة تخصيص عشرات المليارات لبناء قوات جوية حديثة وإعطاء الجيوش الأولوية في أي صراع تقريبًا «لاسيما في ساحات القتال بالشرق الأوسط».
ونوهت أنه في الأشهر الثلاثة الماضية لوحدها أحدثت طائرات الدرونز تأثيرًا كبيرًا في العراق وسوريا ولبنان وربما الآن في السعودية، في إشارة لهجمات أرامكو.
وتضيف الصحيفة أن الجيش الإسرائيلي رغم امتلاكه أحدث المقاتلات السريعة والأسلحة الدقيقة، تحول لاستخدام الطائرات بدون طيار لضرب أهداف في سوريا.
وأشارت أيضًا إلى وجود عامل كبير- ربما يكون الدافع وراء اللجوء إلى حرب الدرونات- وهو إمكانية إنكار المسؤولية عن هجمات منفذة ضد عدو ما لتجنب الدخول في صراع مفتوح.
ولفتت أن قدرة الطائرات المسيرة على التخفي عن أجهزة الرادار وبالتالي جعل المستهدف يضرب تخمينات بشأن الفاعل تمثل غاية مطلوبة لدى المهاجمين (كإسرائيل على سبيل المثال) بهدف منع تصعيد «حروب الظل» وجعلها تتحول إلى «حروب مفتوحة».
وفي ما يلي قائمة الدول الشرق الأوسطية التي تعرضت أو شهدت استخدامًا للطائرات المسيرة عشرات المرات خلال الآونة الأخيرة.
السعودية

خلال الشهر الحالي والفائت لوحدهما، نفذت جماعة «الحوثي» باليمن، نحو 18 هجومًا بطائرات مسيرة ضد أهداف محددة بالسعودية، أعلنت الرياض إسقاط معظمها، بحسب رصد الأناضول.
كان أحدث وأشد استخدام لطائرات الدرون وقع في 14 شتنبر، حيث تم استهدف منشأتين نفطيتين للسعودية، ما تسبب بوقف أكثر من 50 % من انتاج الرياض للخام.
لبنان

في 25 غشت الماضي، استهدف الجيش الإسرائيلي بطائرات مسيرة محملة بالمتفجرات ضاحية بيروت الجنوبية، في لبنان.
العراق

في أواخر الشهر الماضي، شنت طائرتان مسيرتان هجوما على أحد ألوية «الحشد الشعبي»، قرب الحدود العراقية السورية (غرب)، ما أدى إلى مقتل أحد عناصره وإصابة آخر، وسط تلميحات بأن إسرائيل وراء تلك الهجمات.
اليمن

في الآونة الأخيرة كان اليمن منطلقًا لعشرات الهجمات بالطائرات المسيرة التي تنفذها جماعة الحوثي ضد أهداف في السعودية.
كما يتعرض هو لنفس النوع من الهجمات، حيث أعلنت جماعة «أنصار الله»، قبل شهر، إسقاط طائرة تجسس أمريكية مسيرة من نوع «MQ9» بمحافظة ذمار وسط اليمن.
مضيق هرمز

في يوليوز الماضي، أعلنت واشنطن إسقاط طائرة مسيرة إيرانية في مضيق هرمز، عبر مدمرتها الأمريكية «بوكسر»، رغم نفي طهران ذلك.
وقبل شهر قالت إيران إنها أسقطت طائرة مسيرة من طراز «غلوبال هوك»، تابعة للقوات الجوية الأمريكية، بدعوى انتهاكها للمجال الجوي الإيراني.
ليبيا

في الشهر الماضي، أسفرت غارة بطائرة مسيرة على حي سكني بمدينة «مرزق» الليبية عن مقتل 41 شخصًا وإصابة 60.
حساب «Free Libya Now» على «فسبوك»، الذي يديره نشطاء حقوقيون ليبيون قال حينها إن الغارة تعد السابعة من نوعها خلال الأيام الأخيرة.
فلسطين

لا تقتصر عمليات إسرائيل في العمق السوري أو اللبناني ضد ما تعتبرهم وكلاء إيران بالمنطقة، بل أيضًا تطال قطاع غزة الفلسطيني.
في منتصف شهر يوليو الماضي، أعلن الجيش الاسرائيلي سقوط طائرة مُسيّرة له، كانت تُحلق في أجواء قطاع غزة.
إسرائيل

إسرائيل نفسها التي كثيرًا ماتستخدم الطائرات المسيرة سواء لأغراض تجسسية أو هجومية، يتم استهدافها هي الأخرى بذلك النوع من الطائرات.
وتعرضت إسرائيل خلال العام الجاري لنحو 6 هجمات بطائرات مسيرة.
سوريا

تتحدث روسيا والنظام السوري مرارا عن استهداف المعارضة السورية قاعدة حميميم الجوية في ريف اللاذقية بالطائرات المسيرة، وكان الروس يعلنون في كل مرة إحباط الهجمات التي ينسبونها إلى فصائل سورية معارضة.
الكويت

في 17 سبتمبر، كشفت الكويت عن رصد تحليق طائرة مسيرة في مناطق على الجانب الساحلي من مدينة الكويت، رفعت على إثرها حالة الاستعداد القتالي «الاحترازي».


الكاتب : وكالات

  

بتاريخ : 11/12/2019