طرحته ندوة لجمعية مدرسي الفلسفة بسلا : سؤال الحرية والقانون في زمن حالة الطوارئ الصحية

نظمت الجمعية المغربية لمدرسي الفلسفة فرع مدينة سلا ندوة تفاعلية عن بعد، تحت عنوان «الحرية والقانون في زمن حالة الطوارئ الصحية»، وذلك بتنشيط من الأستاذ «عزيز بوشقطاط» ومشاركة كل من الأستاذة «حنان قصبي» والأستاذ «لحسن الحميدي»، لامست تأثير حالة الطوارئ التي نعيشها اليوم على الحقوق والحريات، وكيف يمكن تجاوز الإشكالات التي تطرحها على المستوى القانوني والحقوقي.

 

في تأطيره لموضوع الندوة، قارب الأستاذ «عزيز بوشقطاط» الإشكالية المطروحة اليوم للنقاش وهي الحرية والقانون في زمن الطوارئ من خلال ثلاثة محاور أساسية : يتعلق الأول، بمدخل مفاهيمي يروم تحديد الدلالات الفلسفية والقانونية لحالة الطوارئ الصحية والمفاهيم التي تتصل بها، خاصة مفهومي القانون والحرية. أما الثاني، فيبسط تساؤلا حقوقيا وقانونيا جوهريا للنقاش، ويتعلق الأمر بمدى تأثير حالة الطوارئ الصحية على الحقوق والحريات، وهل ينجم عن ذلك تعطيل للنص القانوني؟ أما المحور الثالث، فكان يستهدف البحث عن مداخل وآليات لتجاوز الإشكالات التي تطرحها هذه الظرفية الاستثنائية على المستوى القانوني والحقوقي.
في هذا السياق، اعتبرت الأستاذة «حنان قصبي» أن هناك صعوبة كبيرة في تناول هذا المفهوم، مشيرة إلى ضرورة ربطه بالقانون وفكرة الحرية، حتى يتسنى لنا القول بأن الأمر يتعلق بحالة شاذة ومفاجئة وغير متوقعة تهدد الحقوق المكتسبة، وتؤدي إلى المساس بالحرية المكفولة قانونا، وهو ما ذهب إليه الأستاذ «لحسن الحميدي»، مؤكدا أنه لا يمكن تحديد مفهوم حالة الطوارئ الصحية في علاقتها مع القانون والحرية، دون الحديث عن مفهوم الدولة القانونية التي تعد تصورا مجردا للنظام القانوني المتعالي على مفهوم الزمن، وأنه خلال زمن الأزمة، كما هو الحال بالنسبة لحالة الطوارئ الصحية، تظهر بعض التناقضات التي تميز هذا الأنموذج وخاصة في ما يتصل بتعطيل العمل بالقانون، مع العلم أن عماد الدولة القانونية هو مبدأ سيادة القانون وتراتبية القوانين. ولقد حاول الأستاذ «لحسن الحميدي» التنبيه إلى بعض التناقضات الأخرى التي تميز أنموذج الدولة القانونية. ولعل أهمها تعذر إيجاد توازن بين السلطات الثلاث، مما يؤثر على سلوك الدولة خلال زمن الأزمة، والذي يشهد سيطرة واضحة للسلطة التنفيذية وتهميشا للسلطة القضائية والتشريعية.
الأستاذة «حنان أقصبي» وفي مقاربتها للمحور الثاني المتعلق بخطر التراجع عن الحقوق والحريات في ظل الجائحة،أكدت أن هناك بعض من مظاهر التراجع عن الحقوق والحريات خلال زمن الحجر الصحي، إلا أنها اعتبرت، في الآن نفسه، أنه من المبكر الحديث عن حصيلة تهم وضعية الحقوق والحريات بالمغرب. ومع ذلك هناك بعض المؤشرات، من خلال الأرقام الصادرة من جهات رسمية وأخرى مدنية تطرح سؤال المساس بالحقوق والحريات، مشددة في الوقت نفسه أن المواطن المغربي نفسه كان متفقا، في كثير من الأحيان، مع الإجراءات التي اتخذت في إطار تقييد بعض الحقوق والحريات حفاظا على الصحة العامة.
من جانبه اعتبر الأستاذ «لحسن الحميدي» أن المرسوم بقانون المتعلق بفرض حالة الطوارئ الصحية ومن خلال تحليل قانوني، لا يتوفر على سند دستوري واضح، خاصة وأن ديباجته اعتمدت الفصل 21 من الدستور، في حين لا يوجد أي مقتضى دستوري مباشر يخص هذه الوضعية، لهذا يطرح التساؤل حول مدى دستوريته. إضافة إلى أن المرسوم بقانون اتخذ في إطار الفصل 81 من الدستور، وهي مِكْنة منحها المشرع للسلطة التنفيذية في إطار ما يسمى بالتفويض التشريعي، إلا أن الملاحظ أن هذا الفصل بدوره طرح عدة إشكاليات خاصة في باب الرقابة، إذ لا يتصور خضوع العمل الحكومي للرقابة الدستورية المشروطة بالمصادقة البرلمانية، وهذه الأخيرة، لا يمكن تفعيلها ما دام لا يوجد أي إجراء تقيدي يخص توقيت عرض المرسوم بقانون للمصادقة البرلمانية. هذا فضلا على أنه لا يمكن أن يتعرض لرقابة الشرعية لأسباب موضوعية، منها على وجه الخصوص عدم إمكانية الطعن في القوانين، وعدم وجود سوابق قضائية في هذا الشأن في التجربة المغربية على خلاف التجارب المقارنة، وخاصة التجربة الفرنسية، مؤكدا في نفس الوقت أن فرض حالة الطوارئ في فرنسا يتم من خلال قانون تنظيمي مما يجعله مكتسبا لحجية قانونية أقوى.
وفي إطار التفاعل مع المتتبعين، أثار الأستاذ «عزيز بوشقطاط» أن حالة الطوارئ الصحية تجد سندها في المواثيق الدولية خاصة المادة الرابعة من العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية. وقد تفاعل الأستاذ «لحسن الحميدي» مع هذا التدخل ، معتبرا أن هذا المقتضى هو السند القانوني الصحيح وقد كان من الأجدى أن يشير إليه المرسوم بقانون في ديباجته كبناء قانوني سليم، مادامت المعاهداث والمواثيق الدولية تشكل جزءا من التشريع الداخلي فور المصادقة عليها ونشرها.
وفي إطار المحور الثالث، المتعلق بآليات تعزيز حقوق وحريات المواطنين خلال زمن الحجر الصحي، تساءل الأستاذ «عزيز بوشقطاط» عن مداخل حماية الحقوق والحريات والحفاظ على الدولة القانونية، بما هي ضمانة ضرورية ومكسب دستوري خلال زمن الحجر الصحي.
واعتبر في هذا السياق الأستاذ «لحسن الحميدي» أن المدخل الأساسي لحماية الحقوق والحريات في زمن الحجر الصحي هو التعديل الدستوري لبعض المقتضيات الدستورية، خاصة ما يتعلق بالتفويض التشريعي الممنوح للسلطة التنفيذية المرتبط بالفصلين 70 و 81، إضافة إلى ضرورة تعزيز التعاون بين السلطات عوض التركيز على الفصل بينها، تفعيلا للمقتضيات الدستورية ذات الصلة، والتي نصت فعليا على هذا التعاون، مقترحا منح أدوار غير معيارية للقضاء وخاصة القضاء الإداري خلال تحضير القوانين التي تمس بالحقوق والحريات، من خلال إمكانية منحه دورا استشاريا على غرار بعض التجارب المقارنة. وقد شدد على ضرورة حضور بعض المؤسسات الموازية التي ينبغي أن تضطلع بدورها النوْظَمِي، خاصة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، من أجل تقييم الأداء الحكومي في زمن الحجر الصحي، وتسليط الضوء على الجوانب الإيجابية في هذا الأداء والتي لا يمكن إنكارها، وذلك من أجل استيعاب المرحلة اللاحقة على الحجر، والتي ينتظر أن تطرح العديد من الإشكاليات القانونية والقضائية والحقوقية.
وختمت هذه الندوة التفاعلية على وقع كلمات من التفاؤل حول مستقبل الدولة القانونية بالمغرب ورهان حماية الحقوق والحريات. كما أكد على ذلك الأستاذ عزيز بوشقطاط، موجها الشكر لأعضاء المكتب الإقليمي للجمعية المغربية لمدرسي الفلسفة بسلا، ولكافة المتدخلين الذين ساهموا في إنجاح هذه الندوة المثمرة، سواء من حيث عمق مضامينها أو من خلال التفاعل الكبير لمتتبعيها.


بتاريخ : 06/06/2020