عبد الله إبراهيم، رئيس أول حكومة يسارية في المغرب : الحسن الثاني من حق الشعب أن يعبر عن غضبه 16

دخل المعترك السياسي من جهة اليسار، وخرج منه من الجهة نفسها؛ عبد الله ابراهيم، رئيس أول حكومة يسارية في المغرب، المسؤول السياسي النظيف الذي أخلص لمواقفه، والمثقف الذي جالس كبار مثقفي العالم، وساهم من موقعه كأحد رجال الحركة الوطنية في تدبير الشأن العام.
قليل من المغاربة اليوم، من يعرف هذا الرجل السياسي المحنك، الذي رحل عنا في شتنبر 2005، وقليلون يعرفون أنه كان يقود أول تجربة للأمل، وأول حكومة كانت منشغلة، حقا وصدقا، بدسترة ودمقرطة وتحديث الدولة المغربية، لكن إسقاط الحكومة على ذلك النحو المخطط له من قبل «الطابور الخامس» أجهض أمل المغاربة.
وقد ظل عبد الله ابراهيم أيقونة قيادية ذات سلطة أخلاقية وضمير سياسي واضح، غير منغمس في المساومات والدسائس
وترتيبات الظل.
وقد جنحت زكية داوود، عبر مؤلفها الحديث « عبد الله إبراهيم: تاريخ الفرص الضائعة»، نحو استعراض السيرة الذاتية لواحد من إيقونات النضال السياسي بالمغرب، شخصية اجتمعت فيها صفات الثقافة الذكاء والحنكة السياسية، عبر تجميع مجموعة من أبرز الصور والبورتريهات، فضلا عن شهادات لأشخاص عاصروا عبد الله ابراهيم وتاريخه السياسي.

 

اعتبرت سنة 1965، من بين الفترات الأكثر درامية بالنسبة للمغرب، ففيها تثبت السلطات الملكية قواعدها بعناية، و جميع النضالات السياسية والاقتصادية، ووجهت بشكلين مباشر وغير مباشر من طرف القصر، كما تم التقليل من شأن الحراك الاجتماعي، إذ لم يخف النظام رغبته الجامحة، في التحكم في كل شبر، في جو عام اتسم بالصعوبة. في خضم هذه الأجواء، وبالرغم من تراجع سمعة الحكومة لدى البرلمان، إلا أن السعي وراء «التطبع المغربي»، فرض العمل بالعدالة الموحدة و العربية، لأجل وضع القضية الفلسطينية ضمن الأوليات النضالية.
انطلقت المسيرات الاحتجاجية، دون سابق إنذار بمدينة الدار البيضاء، يوم 22 مارس بمسيرات طلابية جابت المدينة، احتجاجا على طرد طالب كرر عامه الدراسي، بحجة كبر سنه من طرف وزير التعليم، ليوجه نحو تعليم تقني غير موجود، لينتج عنه استغراب شديد على جميع الأصعدة، وانتقاد الملك للنظام التعليمي و المعلمين، واصفا إياهم بالمثقفين غيرالحقيقيين، في حين أن العاطلين و غير الراضيين عن الوضع التحقوا بركب المحتجين ضد القرار، في مواجهة مع الجيش ورحلته ضد المجتمع السياسي الذي وصفه بمنعدم القوة.
وصف المهدي بن بركة هذه الفترة، في مؤلفه «الاختيار الثوري» هذه الفترة : «في حال ما تم تزوير الانتخابات والحد من الحرية التجمعية، وتم كتم الصحافة والحد من صوت الشعب الممثل في الوطنيين، ليزج بهم في السجن او ليلقوا حتفهم أو ببساطة عبر تصفيتهم، كيف لنا ان نتعجب من استعمال اللغة المباشرة من طرف الشعب؟، وكيف يمكن لقلة الصبر ان تحجب فقدان الأمل؟». كتب ابراهيم أيضا عن نفس الوضع «إن فشل الشعوب ليس بسبب الصحافة، بل من الإدارة السيئة.. إن أساسه نابع من المكان.. من الرغبة العامة المتناقضة مع سؤال الشعب.. إن ضمان مقعد دراسي لكل طفل ليس بالكافي لإبعاد الشارع عنهم.. إن مشكل التعليم ليس له أي حل واضح..لكنه مرتبط بالمشاكل الرئيسية بالتوجيه السياسي العام..»
بدا الحسن الثاني، بعد مرور هذه الأزمة، يأخذ مشورة الأحزاب السياسية، وهو ما أصبح عادة بالنسبة له، ففي مذكرة صدرت عن القصر، اعترف فيها بأحقية الشعب في التعبير عن غضبه، مع تقديم بعض الاقتراحات الاقتصادية و الاجتماعية، في حين ان التوجه الحزبي اقترح الفعل السياسي، وما بين انتخابات ودستور جديدين، إلى عقد جماعي حكومي قد يؤدي، لحالة من الخمول للمؤسسات غيرالمعنية، بحسب كلام عبد الله ابراهيم. في 21 من ابريل، تم استقبال وفد للاتحاد الوطني للشغل ليقدم مذكرته، وفي 27 ابريل قدمها لرئيس الحكومة ، لمناقشة رده حول لقاء وطني، من أجل التأسيس للخطة الجديدة.
استقبل الحسن الثاني، كلا من عبد الرحيم بوعبيد و محجوب بن صديق، آملين في عودة بن بركة إلى المغرب، ليجيبهم بأن «حكم إعدام المعتقلين 1964»، قد تم تخفيفه إلى «السجن مدى الحياة»، رغبة في عودة بعض المنفيين إلى البلد. سيقدم بن بركة خطته التنموية، الرامية لتطبيق التغييرات اللازمة للتقدم، و الممتدة على مدى سنتين بصلاحيات غير محدودة، مع اقتراح اختيار الملك للوزراء المكونين للحكومة، وتعليق الحكومة لتعود السلطة بيد القصر مباشرة، مطالبا بها الملك في يونيو، وليؤكد بوعبيد استعداد الحزب لتحمل مسؤولياته.
استمرت النقاشات ما بين القصر، و المنتمين لحزب «الاتحاد الوطني للقوات الشعبية»، طيلة شهر ابريل من سنة 1965، إذ أن الحزب آمن بالوصول للتسوية، خارجا من امتحان الاستماع ما بين أطراف الحوار، ومن هالة سياسية متغيرة ابتداءَ من ماي 1965، في حين أن الملك واكب الأحداث مع «بن بلة»، على الحدود المغربية الجزائرية، ليتولى بومدين زمام الأمور خلفا له في 19 من يونيو.
لطالما تحدث ابراهيم، عن الحركات الاحتجاجية بالمغرب، و التي كانت تشغل باله معظم الوقت، باعتبارها نابعة من رغبة الشعب في التغيير، وهي أداة خطيرة ان لم تستغل بالشكل المناسب، لأن معظم منظميها قادمون من الطبقة الشعبية الضعيفة و العاملة، بالرغم من تضارب الآراء حول منظميها بين الحين و الآخر، إذ أن أقل من 5 في المئة من المغاربة، احتكروا مصادر الدخل المتوفرة، وأن 15 في المئة أي 2 مليون مغربي، يتشاركون عائدات قطاعين اقتصاديين مهيمنين.
تغيرت الأحوال في المغرب، خلال شهر يونيو 1967، بعد توالي نتائج حرب «الستة أيام» و الأحداث بالشرق الأوسط، ليتم اعتقال «محجوب بن صديق» في خضم هذه الأحداث، بسبب تيلغرام أرسله ليقضي مدة حبسية من 18 عشر شهرا. في غشت 1967، أسس «الاتحاد الوطني للقوات الشعبية» سكرتارية دائمة للمجلس الإداري، لأجل إعادة هيكلة الحزب و الاستعداد للمؤتمر الثالث، لينهي فترة الوحدة للاتحاد الوطني للشغل.

(يتبع)


الكاتب : ترجمة : المهدي المقدمي

  

بتاريخ : 24/05/2019

أخبار مرتبطة

يؤكد الفيلسوف ميشيل فوكو أن عصر الأنوار «لم يجعل منا راشدين»، ظلك أن التهافت الأخلاقي للغرب ظل يعيش، إلى الآن،

نعود مجددا إلى «حياكة الزمن السياسي في المغرب، خيال الدولة في العصر النيوليبرالي»، هذا الكتاب السياسي الرفيع، الذي ألفه الباحث

: داخل مجتمع اللاتلامس، لم تعد نظرة العشق الأولى موضوع تبادل في الشارع، أو داخل حانة، أو في عربة من

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *