عندما يضحك التلفزيون في رمضان … يبكينا

كواليس البهجة

كواليس الشاشة فكرة مذهلة عند المبدعين ونجوم السينما الكبار، تلقفها المتطفلون وأشباه الممثلين فحولوها الى مجرد استعراض بليد وبدائي. فكرة إظهار كواليس المنتوج الفني بعد نهاية العرض تكشف إلى أي حد نجح الممثل في تقمص دور متعب وشاق، بعد أن يكون قد قام بعدة محاولات سواء بالقفز أو الحركة التي تتطلب قوة عضلية ومجهودا بدنيا شاقا، قد يكون سببا في عاهة مستديمة تلحق بجسد الممثل، أو قد يجازف بحياته حد الموت، فيتلمس المشاهد الأعذار للبطل بعد أن يكون اندمج فعليا في أداء دوره الرائع وشد أنفاس الجمهور بمنتهى النجومية. في حي البهجة الرمضاني الذي سيدخل ابتداء من يوم عيد الفطر مزبلة النسيان يقوم المخرج بتقليد التجربة بعرضه بضع مشاهد ضمن كواليس العرض فيسقط في الفجاجة الثانية، ليتضح في النهاية أن كل الجهد الذي يبذله الممثل أو الممثلة هو الضحك وحركات الوجه و تعواج القمومة …

كاميرا… مبكية

من شاء له حظه من المشاهدين أخد قسط من عذاب العين، واستشراف ضغطه النفسي وخضوع معدته لإواليات قرحة المعدة سيكون قد شاهد بضع حلقات من ما يسمى كاميرا ضاحكة على القناة الأولى. وأكاد أجزم أن حلقات صالون الحلاقة في مجملها مجرد مشتل تجريبي لاستنبات مفهوم الضحك الجاف، وهي مواقف لن تخلق الفرجة المزعومة إلا لمن له عاهة الضحك، أما الفرجة الحقيقية التي تدمج المتلقي وتشاركه الفرحة في الفكرة والغاية وتجعله يطمئن أنه في أيد أمينة تصون رغباته وتلبي انتظاراته وحقه في الفرجة ككائن حي. وهو ما يجعل حلقات الكاميرا الضاحكة على الأولى مجرد استفزازات يائسة لإضحاك الكائن الميت الذي لا إحساس له، بالأحرى المشاهد الحي الذي يمتلك ذوقا وأسلوبا ونظرة حداثية للحياة.

الإشهار وتهافت النجوم

تهافت الفنانين ونجمات الغناء المغاربة على كعكة الإشهار في رمضان مسألة لا يمكن إثارة الجدل حولها إلا من حيث مكانة الفنان الاعتبارية عند جمهوره، ونظرته للفن ورؤيته له كمجموعة قيم سامية ونبيلة، تكرس الجمال وترفع الذوق إلى مراتب السمو، أما غير ذلك، فيعتبر من تقليعات العصر، فما تذره صفقة إشهارية مع مقاولة عقارية لفائدة مطرب أو ممثل تسيل اللعاب، وهي مبالغ يتم تسديدها بالعملة الصعبة، وزيادة على ذلك تعتبر كافية لتأكيد حضور الفنان رمزيا في أوساط جمهوره كما لتغطية احتياجات النجم ومصاريفه لسنة كاملة وزيادة. لذلك، بتنا نرى إنتاجات فنية على شكل قوالب، قابلة للحشو بكلمات إعلانية تخص حفاظات الأطفال مرورا بمستحضرات الطبخ وصولا إلى عقار السعادة والضحى وما إلى ذلك. فيكفي أن يحشو المغني قطعته المفضلة بكلمات داعمة لمشروع مقاولة إشهارية حتى يبدو الأمر كما لو أنه كتبها ولحنها خصيصا لذلك. فالقطع الجديدة والألبومات الغنائية القادمة باتت تراعي خاصية الإشهار وأصبحت مثل قالب لوضع كل الإعلانات والوصلات الإشهارية من حفاظات الأطفال حتى الضحى والسعادة و….

أفضل فيديو ينتقد التلفزة المغربية

شاءت الظروف أن أشاهد على قناة اليوتوب شريطا مغربيا غاية في الإبداع والإثارة والتشويق والجودة صورة وصوتا. الفيديو في أقل من دقيقتين وجاء على شكل رسوم متحركة ويحمل اسم « العزز» من إخراج رشيد جدير. وأداء محمد فكيري وأسماء الداودي وهي أسماء مغمورة في الغالب ولا أثر لها على قنوات القطب المتجمد..
لا أخفيكم سرا أنني ذهلت بمستوى السيناريو ودبلجة الأصوات، وأستطيع القول أنه من بين أفضل الأعمال النقدية الموجهة الي القناتين معا، بل من أفضل الانتقادات التي يمكن توجيهها لمنتوج رمضان الكوميدي، وهو عبارة عن حوار بين شخصين حول عروض الفكاهة الرمضانية ويسخر من لازمة « بابابابا « لعبد الخالق فهيد،ويقدم بعض عبارات الخياري بطريقة تثير الضحك بحكم حمولتها السوقية، ولا أتصور أن قناة من قنوات القطب المتجمد المغربي لها الجرأة على بثه رغم أنه جيد جدا صورة وصوتا .

التلفزيون هذا الفرعون

فرعون الإعلام التلفزيون”فرعون” الإعلام ضمن وسائط الاتصال الجماهيرية في الظرف الراهن، فليس من الغريب أن يقدس الناس هذا الفرعون ويعبدونه خلال رمضان وغيره بل و يتعلقون بتلابيبه 24 قيراطا. لكن الغريب والفظيع في نفس الآن أن يعتقد هذا “الفرعون” أنه يستحق ذلك عن جدارة واستحقاق. والحقيقة أنني كراصد إعلامي أدركت إلى أي مدى يصبح التلفزيون عندنا خطرا جسيما « ومسؤولا عن إعدام طموح وأحلام المغاربة من خلال ما بثه وما يواصل بثه من فقاعات وخزعبلات خلال الشهر الفضيل أي نعم، فهومسئولا عن تدمير انتظارات وأحلام جيل بأكمله، وعن سابق إصرار وترصد، ويزداد الأمر فداحة، حين تلتئم ملايين الأسر حول موائد الإفطار ليلبوا نداءه الكاذب للفرجة الهادفة والضحك الصحي، ليتفاجأ الجميع أن التفاهة تكاد تكون التوصيف الأشد ملاءمة لمعظم الأعمال المقدمة اليوم. والفاجعة أنها تقدم كما لو كانت إبهارا وترى نفسها هالة الموسم، وفيما نجوم الأمس التافهون والمغيبون قسرا يستهجنون ويتسلون بانتقاد تفاهة اليوم،نرى فقاعات اليوم ينهجون نفس المنحى والنتيجة، تفاهة فنية متألقة متكاملة الملامح تصر عن لا تكون لها نهاية

التلفزيون والرؤية الاستراتيجية

ما شيدته الرؤية الاستراتيجية 2015-2030 لإصلاح قطاع التربية والتكوين التي تمتد ل15 سنة قادمة ، وما خلصت إليه مئات الأيام واللقاءات التواصلية لفعاليات المجتمع المدني و مادونته عشرات المركزيات النقابية في بلاغاتها ووقفاتها الاحتجاجية، وما أسفرت عنه أبحاث أكاديمية لمجموعة من الدارسين وعلماء الاجتماع وأساتذة التربية وسيكولوجيا الأفراد، هدمته القناة الثانية في شهر رمضان قبل وبعد الآذان بساعة .وإذا كانت المنظومة التعليمية هي جزء من المنظومة الاجتماعية السياسية الثقافية والاقتصادية والإعلامية للمجتمع، وهو ما يعني أن أي إصلاح لا ينطلق من مبدأ هذه الشمولية سيكون مآله الفشل. فلو افترضنا أن الإصلاح في قطاع التعليم يستهدف التلميذ والرفع من مردوديته، وأن التلميذ المستهدف هو التلميذ المغربي دون أي تمييز، فإن البرمجة التلفزية لا بد أن تراعي كذلك هذه الخاصية، وأن تفرض بالضرورة تنمية فكرية فنية وجمالية من خلال وسائل الإعلام . إن أي إصلاح يستبعد دور التلفزيون في كل مراحل العملية التعليمية وعلى مدار المعيش اليومي داخل المؤسسات التعليمية سيؤول للفشل. فالديمقراطية تعني إقرار مواطنة حقيقية لكل المواطنين دون تمييز، بما في ذلك الحق في إعلام جيد وتعليم أجود هو أحد هذه الحقوق الأساسية والتي تعتبر شاملة وغير مجزأة. والحال أن واقع إعلامنا من خلال ما تقدمه القنوات التلفزية سواء للطفولة أو لغيرها مازال بعيدا عن تحقيق الأهداف والإصلاح الشامل والتنمية البشرية المطلوبة.


الكاتب : عزيز باكوش

  

بتاريخ : 19/06/2018