فاس‭ ‬بين‭ ‬البكاء‭ ‬والابتسامة

 

‬جواد‭ ‬شفيق،‭ ‬عضو‭ ‬المكتب‭ ‬السياسي‭ ‬والكاتب‭ ‬الإقليمي‭ ‬للاتحاد‭ ‬الاشتراكي‭ ‬بفاس،‭ ‬ينحني‭ ‬احتراما‭ ‬للرجل،‭ ‬للمناضل،‭ ‬للإنسان،‭ ‬ويبكي‭ ‬عزيزنا،‭ ‬ويؤبن‭ ‬فقيدنا،‭ ‬جواد‭ ‬بنجلون‭ ‬التويمي‭ …‬هي‭ ‬مأساة‭ ‬لا‭ ‬يشعر‭ ‬بها‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬عرف‭ ‬هذا‭ ‬الرجل‭. ‬
إنك‭ ‬الأستاذ‭ ‬المحامي،‭ ‬الإنسان‭ ‬المناضل،‭ ‬ولا‭ ‬أحد‭ ‬غيره‭…‬إنك‭ ‬الرجل‭ ‬الذي‭ ‬يستحق‭ ‬منا‭ ‬ألف‭ ‬تحية‭ ‬وألف‭ ‬احترام‭ ‬وألف‭ ‬تقدير‭ ..‬إنك‭ ‬الرجل‭ ‬الذي‭ ‬اِنسل‭ ‬منسحبا‭ ‬من‭ ‬الرداءة‭ ‬إلى‭ ‬التمدد‭ ‬في‭ ‬محبتنا‭ ‬له‭.. ‬كنت‭ ‬تقول‭ ‬لا‭ ‬يهمني‭ ‬الموت‭ ‬ولا‭ ‬أعيره‭ ‬أي‭ ‬انتباه‭ ..‬لهذا‭ ‬واجهت‭ ‬البشاعة‭ ‬بشجاعة‭ ‬نادرة‭ ..‬وانتصرت‭ ‬على‭ ‬جبن‭ ‬هزم‭ ‬الجميع‭ ..‬ويشهد‭ ‬الجميع‭ ‬أنك‭ ‬لم‭ ‬تضعف‭ ‬ولم‭ ‬ترضخ‭ ..‬لم‭ ‬تضعف‭ ‬ولم‭ ‬ترضخ‭ ‬لقوى‭ ‬الظلام‭ ‬والرجعية‭…‬
‬كنت‭ ‬دائما‭ ‬عظيما،‭ ‬لهذا‭ ‬كانت‭ ‬جنازتك‭ ‬عظيمة‭ ..‬اطمئن‭ ‬أيها‭ ‬الهرَم،‭ ‬فالجماهير‭ ‬تكن‭ ‬لك‭ ‬الحب‭ ‬الصافي‭ ‬الصريح‭ .. ‬حضر‭ ‬الجميع،‭ ‬جاؤوا‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬الأمكنة‭ ‬والأزمنة،‭ ‬اعترافا‭ ‬بمروءتك،‭ ‬اعترافا‭ ‬بنبلك‭ ..‬ كنت‭ ‬تحب‭ ‬الوطن،‭ ‬كنت‭ ‬تحب‭ ‬الجميع،‭ ‬فأحبك‭ ‬الوطن‭ ‬وأحبك‭ ‬الجميع‭ ..‬ناضلت‭ ‬ورافعت‭ ‬لتبقى‭ ‬الراية‭ ‬مرفوعة،‭ ‬لتبقى‭ ‬راية‭ ‬المغرب‭ ‬حداثية‭ ‬وديموقراطية‭..‬وليبقى‭ ‬الوطن‭ ‬كينونة‭ ‬المغاربة‭ ..‬لهذا‭ ‬دافعت‭ ‬عن‭ ‬النساء‭ ‬‮-‬‭ ‬ضحايا‭ ‬المتاجرين‭ ‬بالبشر‭ …‬
هنا‭ ‬جنازة‭ ‬الأستاذ‭ ‬جواد‭ ‬بنجلون‭ ‬التويمي‭ ‬فطوبى‭ ‬للمشيعين‭ ..‬هنا‭ ‬جنازة‭ ‬رجل‭ ‬قهر‭ ‬قوى‭ ‬الخوف‭ ‬والنكوص‭ ..‬هنا‭ ‬عنوان‭ ‬الرجولة‭ ‬والمروءة‭ ..‬هنا‭ ‬الصمود‭ ‬والشموخ‭..‬هنا‭ ‬التاريخ‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يدخله‭ ‬إلا‭ ‬صانعوه‭ ..‬هنا‭ ‬المحامي‭ ‬الشجاع‭ …‬
لم‭ ‬أشهد‭ ‬أبدا‭ ‬جنازة‭ ‬اقتربت‭ ‬من‭ ‬عظمة‭ ‬جنازتك‭ …‬
على‭ ‬عجل،‭ ‬وهو‭ ‬مصدوم،‭ ‬وهو‭ ‬جريح،‭ ‬حضر‭ ‬أخوك‭ ‬المناضل‭ ‬جواد‭ ‬شفيق‭ .. ‬حضر،‭ ‬لا‭ ‬ليقدم‭ ‬التعازي‭ ‬بل‭ ‬ليتقبل‭ ‬التعازي‭ ..‬إنه‭ ‬الذي‭ ‬تشبع‭ ‬بقيمك‭ ‬ومبادئك،‭ ‬بنبلك‭ ‬وأخلاقك،‭ ‬برفعتك‭ ‬وسموك‭ ..‬إنه‭ ‬أخوك‭ ‬الروحي‭ ..‬إنه‭ ‬أنت‭ ‬في‭ ‬مغرب‭ ‬الآن‭…‬
حضر‭ ‬جواد‭ ‬ليسجل‭ ‬ويشهِد‭ ‬العالم‭ ‬على‭ ‬الخسارة‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬لحقت‭ ‬الوطن‭ ‬برحيلك‭ ..‬حضر‭ ‬لكي‭ ‬يبلغ‭ ‬الرسالة‭ ..‬ حضر‭ ‬ليعلم‭ ‬الجميع‭ ‬أنك‭ ‬الأستاذ‭ ‬الذي‭ ‬يستحق‭ ‬الاحترام‭ ‬كله‭ ‬والحب‭ ‬كله‭ ..‬إنك‭ ‬المثال‭ ‬والقدوة‭ ..‬الرمز‭ ‬والنموذج‭…‬
‬نم‭ ‬مطمئنا‭ ‬يا‭ ‬أيها‭ ‬المناضل‭ ..‬لا‭ ‬تخف‭ ‬مادام‭ ‬جواد‭ ‬شفيق‭ ‬وهشام‭ ‬وتوفيق‭ ‬العلمي‭ ‬وغسان‭ ‬امرسال‭ ‬والحمومي‭ ‬وأمثال‭ ‬جواد‭ ‬شفيق‭ ‬فينا‭ .. ‬هم‭ ‬رجال‭ ‬أوفياء‭ ‬حضروا‭ ‬جنازتك‭ .. ‬ليشهدوا‭ ‬العالم‭ ‬أن‭ ‬الاتحاد‭ ‬لم‭ ‬يتيتّم‭ ‬برحيلك‭ .. ‬زرعت‭ ‬الورد‭ ‬والجمال‭ .. ‬صادقت‭ ‬رجالا‭ ‬ونساء،‭ ‬وها‭ ‬أنت‭ ‬مستمر‭ ‬فيهم‭ ..‬وأسجل‭ ‬هنا‭ ‬شهادة‭ ‬المناضل‭ ‬جواد‭ ‬شفيق‭ ‬الذي‭ ‬دخل‭ ‬معبدك،‭ ‬ونعلم‭ ‬أن‭ ‬معبدك‭ ‬لا‭ ‬يدخله‭ ‬إلا‭ ‬المطهرون‭…‬
‬سجل‭ ‬يا‭ ‬تاريخ‮ ‬‭!‬‮‬سجل‭ ‬يا‭ ‬وطني‮ ‬‭! ‬فالجنازة‭ ‬اليوم،‭ ‬جنازة‭ ‬رجل،‭ ‬رجل‭ ‬وطني،‭ ‬رجل‭ ‬وطني‭ ‬بامتياز‭ ‬نضالي‭ ‬واستحقاق‭ ‬إنساني‭ .. ‬هنا‭ ‬الشرف‭ ‬والمجد‭ ..‬والاتحاد‭ ‬الاشتراكي،‭ ‬يقدر‭ ‬الرجال‭ ‬ويفتخر‭ ‬بهم‭ …‬
كنت‭ ‬تكره‭ ‬اللغة‭ ‬السوداوية‭ ‬والأسلوب‭ ‬المتشائم‭ ‬ولغة‭ ‬اليأس‭ ‬والتيئيس،‭ ‬كنت‭ ‬تكره‭ ‬التطرف‭ ‬والعدمية،‭ ‬الثرثرة‭ ‬ولغو‭ ‬الكلام،‭ ‬الكذب‭ ‬والنفاق،‭ ‬المكر‭ ‬والخديعة‭.. ‬كنت‭ ‬تكره‭ ‬الكره‭ ..‬لا‭ ..‬كنت‭ ‬إنسانا‭ ‬جد‭ ‬متفائل‭ ..‬وعيناك‭ ‬كانتا‭ ‬تعبران‭ ‬بالابتسامة‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬التفاؤل‭ ..‬وهذا‭ ‬الصدق‭ ..‬وهذا‭ ‬الطموح‭ ..‬وهذا‭ ‬الحب‭ ‬اللامشروط‭ ‬لهذا‭ ‬الوطن،‭ ‬رغم‭ ‬التهافت‭ ‬لدى‭ ‬البعض‭ ‬والتدمير‭ ‬لدى‭ ‬البعض‭ ‬الآخر‭ .. ‬كنت‭ ‬تبني‭ ‬وغيرك‭ ‬يهدم‭ .. ‬وكنت‭ ‬دائما‭ ‬تنتصر‭ ‬وغيرك‭ ‬ينهزم‭ ..‬
‭‬المجد‭ ‬يوم‭ ‬ولدت‭ ‬ويوم‭ ‬تولد‭ ..‬المجد‭ ‬يوم‭ ‬ولدت‭ ‬حرا،‭ ‬والمجد‭ ‬يوم‭ ‬ولدت‭ ‬مناضلا‭.. ‬وطنيٌّ‭ ‬أنت‭ ..‬يتعب‭ ‬كثيرا‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬حاول‭ ‬الفصل‭ ‬بينك‭ ‬وبين‭ ‬الحب،‭ ‬وكل‭ ‬من‭ ‬حاول‭ ‬تفكيك‭ ‬هذه‭ ‬الوحدة‭ ‬الأنطولوجية‭… ‬يتعب‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬حاول‭ ‬ذلك‭ ‬لأن‭ ‬وحدة‭ ‬بنجلون‭ ‬التويمي‭ ‬والإنسان‭ ‬لا‭ ‬تقبل‭ ‬الثنائية،‭ ‬باعتبار‭ ‬أنها‭ ‬وحدة‭ ‬وجود‭ .. ‬ففي‭ ‬البدء‭ ‬كان‭ ‬المحامي‭ ‬وفي‭ ‬البدء‭ ‬كانت‭ ‬ابتسامتك‭ .. ‬اعلم‭ ‬أنك‭ ‬قد‭ ‬اختفيت‭ ‬لكنك‭ ‬لم‭ ‬تمت‭…‬


الكاتب : عبد‭ ‬السلام‭ ‬المساوي

  

بتاريخ : 29/11/2019