فرنسا تدخل على خط الأزمة اللبنانية‮ وحزب الله «الورقة الرابحة» لإيران

‬تضاعف فرنسا المبادرات سعيا للتوصل إلى عودة رئيس الوزراء اللبناني‮ ‬المستقيل سعد الحريري‮ ‬الموجود حاليا في‮ ‬الرياض إلى بلاده،‮ ‬معولة في‮ ‬ذلك على العلاقات التي‮ ‬تربطها بكل أطراف المنطقة،‮ ‬ولو أن هامش المناورة أمامها‮ ‬يبقى ضيقا‮.‬
بعد تناوله ملفات ليبيا والمناخ والبرنامج النووي‮ ‬الإيراني،‮ ‬يتقدم الرئيس الفرنسي‮ ‬إيمانويل ماكرون مرة جديدة الجهود في‮ ‬ملف ساخن،‮ ‬مستقبلا الثلاثاء وزير الخارحية اللبناني‮ ‬جبران باسيل في‮ ‬قصر الإليزيه‮.‬
دخل لبنان أزمة جديدة مع استقالة سعد الحريري‮ ‬في‮ ‬خطوة مفاجئة أعلنها في‮ ‬4‮ 4 نوفمبر من السعودية،‮ ‬حاملا بشدة على إيران وحزب الله اللبناني،‮ ‬حليفها البارز في‮ ‬المنطقة،‮ ‬فيما تسري‮ ‬شائعات كثيرة تفيد بأنه في‮ “‬الإقامة الجبرية‮” ‬في‮ ‬الرياض‮.‬
ويؤشر خطاب الحريري‮ ‬من السعودية الداعمة له إلى فتح فصل جديد في‮ ‬الحرب الباردة الجارية بين الرياض وطهران على الساحة اللبنانية،‮ ‬في‮ ‬وقت تتواجه القوتان الإقليميتان في‮ ‬مختلف أزمات المنطقة من سوريا إلى اليمن‮.‬
وبعد هذه الاستقالة المفاجئة،‮ ‬قام ماكرون بزيارة خاطفة إلى الرياض لبحث مصير لبنان مع ولي‮ ‬العهد محمد بن سلمان‮.‬
وسيتباحث بعد ظهر الثلاثاء مع جبران باسيل الذي‮ ‬أوفده الرئيس اللبناني‮ ‬ميشال عون الذي‮ ‬لم‮ ‬يقبل استقالة الحريري‮ ‬مطالبا بعودته إلى بيروت‮.‬
قال خبير الشرق الأوسط في‮ ‬المعهد الفرنسي‮ ‬للعلاقات الدولية دوني‮ ‬بوشار‮ “‬ما‮ ‬يمنحنا قوتنا،‮ ‬بما في‮ ‬ذلك بالنسبة للولايات المتحدة،‮ ‬هو أننا نتكلم مع جميع الأطراف‮”.‬
وتابع‮ “‬فرنسا تربطها علاقة مميزة في‮ ‬لبنان مع الطوائف الثلاث،‮ ‬بما في‮ ‬ذلك تواصلها مع الشيعة‮”.‬
وأوضح‮ “‬لدينا كذلك علاقات تاريخية جيدة إلى حد ما مع السعودية،‮ ‬ولو أن بعض آمالنا خابت على ما‮ ‬يبدو على صعيد العقود،‮ ‬وأعدنا إقامة علاقات جيدة مع إيران‮” ‬بعد توقيع الاتفاق حول الملف النووي‮ ‬الإيراني‮ ‬عام‮ ‬2015‮.‬
ولفت الخبير إلى أن هذا التصميم على إعادة فرنسا إلى قلب الساحة الدولية‮ ‬يتزامن مع‮ “‬سياسية أميركية تثير المخاوف،‮ ‬وضمور بريطانيا بسبب بريكست وتنحي‮ ‬ألمانيا جانبا إلى حد ما بسبب سياستها الداخلية أيضا‮”.‬
وهذا التصميم على التحرك الذي‮ ‬يبديه إيمانويل ماكرون في‮ ‬الأزمة اللبنانية‮ ‬يحظى بتأييد واسع،‮ ‬حتى من رئيس الوزراء اليميني‮ ‬السابق آلان جوبيه‮.‬
وقال جوبيه الذي‮ ‬كان وزيرا للخارجية في‮ ‬فترة‮ ‬2011‮ ‬و2012‮ “‬من الجيد أن‮ ‬يتدخل الرئيس للعب دور وساطة‮ (…) ‬وقد تكلل جهوده بالنجاح‮”.‬
غير أن الاختصاصي‮ ‬في‮ ‬شؤون لبنان والأستاذ في‮ ‬معهد العلوم السياسية في‮ ‬باريس ستيفان مالسانيه‮ ‬يرى أن الدبلوماسية الفرنسية لها‮ “‬وزن ضعيف في‮ ‬اللعبة السياسية اللبنانية التي‮ ‬يتم توجيهها كليا في‮ ‬الوقت الحاضر من طهران والرياض‮”.‬
فرنسا: محطة أم نهاية؟

تشكل مغادرة رئيس الحكومة اللبناني المستقيل سعد الحريري المرتقبة الى فرنسا، مخرجا لأزمة نشأت بعد استقالته واعتبار الحكم اللبناني انه “رهينة” في السعودية، غير أنها قد تكون نهاية حياته السياسية برأي خبراء.
ويبدو أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بدعوته الحريري إلى فرنسا، أراد مساندته بعدما أثار صدمة في لبنان في 4 ت نوفمبر بإعلان استقالته من السعودية، عرابه السياسي.
وأثار بقاؤه مطولا في السعودية بالتزامن مع حملة تطهير استهدفت أمراء ورجال أعمال سعوديين، الكثير من التساؤلات عما إذا كان يملك حرية الحركة، وصولا الى إعلان الرئيس اللبناني ميشال عون أن الحريري “رهينة” في المملكة.
ويشكل إعلان الحريري الذي يحمل أيضا الجنسية السعودية استقالته محطة جديدة في اختبار القوة الجاري بين السعودية وخصمها الاقليمي إيران، حليفة حزب الله اللبناني.
ويقول الباحث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية كريم بيطار لوكالة فرانس برس “حتى لو أن العرض الفرنسي لا يحل جوهر المشكلة، إلا أنه يسمح بحفظ ماه الوجه سواء للسلطات السعودية أو لسعد الحريري”.
وعنونت صحيفة “لوريان لوجور” اللبنانية الناطقة باللغة الفرنسية الخميس “باريس في دور اليد الإلهية”، متسائلة إن كانت فرنسا “حققت المستحيل بـدعوتها” الحريري إلى مغادرة الرياض.
وكتبت الصحيفة “لا بد أن يأتي تحرك فرنسا الحثيث بنتيجة: فالمخرج الذي ألمح إليه الرئيس الفرنسي خفض التوتر درجة”.
وكتبت صحيفة الأخبار التي تنتقد الحريري “عون وماكرون يحرران رئيس الحكومة”.
وأعلن الحريري الخميس أنه سيتوجه “قريبا” إلى فرنسا من غير أن يحدد تاريخا.
وبالرغم من أنها نجحت في تهدئة الوضع قليلا، إلا أن الدعوة الفرنسية أثارت على الفور تساؤلات، فهل هو منفى سياسي للحريري، وهو ما نفاه ماكرون مباشرة؟ أو وقف مؤقت لنشاطه السياسي ريثما يعود إلى لبنان؟
ويرى بيطار أن “اضطرار قصر الإليزيه إلى النفي أن يكون ذلك خروجا إلى المنفى يعكس الغموض المحيط بعملية الإخراج هذه”، مضيفا أن ذلك “يعزز بصورة ملتبسة شكوك الذين يعتقدون أن سعد الحريري خاضع فعلا لضغوط بالغة الشدة”.
وتقول أستاذة العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية أمل سعد إن توجه الحريري إلى فرنسا يعني إما المنفى ونهاية حياته السياسية، وإما العودة إلى لبنان وخوض مفاوضات مع خصمه الأكبر حزب الله.
وتتابع “إما أن يضطر إلى الاستقالة من الحياة السياسية بالكامل وليس فقط من منصبه رئيسا للوزراء”، وإما “أن تكون باريس مجرد محطة على أن يعود إلى بيروت ويتفاوض على تسوية مع حزب الله”.
وأكد وزير الخارجية السعودي عادل الجبير الخميس أن الحريري حر بمغادرة المملكة متى يشاء، في أول تصريح علني لمسؤول سعودي بهذا المستوى ردا على الاتهامات والتكهنات بـ”احتجاز” الحريري.
وقال الجبير في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الفرنسي “الرئيس الحريري يعيش في المملكة السعودية بارادته (…) ويستطيع ان يغادر وقتما يشاء”.
وأضاف “في ما يتعلق بعودته الى لبنان فهذا أمر يعود له ولتقييمه للأوضاع الامنية”.
وأعلن الحريري الأحد في المقابلة الوحيدة التي منحها منذ إعلان استقالته أنه “حر” في تحركاته في المملكة، مؤكدا أن التراجع عن استقالته مرتبط بتوقف حزب الله عن التدخل في النزاعات في سوريا واليمن.
ويرى المحللون أنه إن كان صحيحا أن السعودية أرغمت الحريري على الاستقالة احتجاجا على “هيمنة” إيران على لبنان من خلال حزب لله، فإن استراتيجيتها لم تأت بالنتيجة المطلوبة.
وعنونت صحيفة الأخبار الخميس “السعودية تخسر”.
وتقول أمل سعد إن “ما حرم السعوديون (سعد الحريري) منه على صعيد النفوذ، كسبه على صعيد الشرعية الشعبية”، إذ أجمعت غالبية اللبنانيين من كل الأطراف على المطالبة بعودته إلى البلد.
علما ان دوافع اللبنانيين المنقسمين بحدة حول الموقف السياسي متناقضة، فبعضهم يشعر بالقلق على الحريري، وغيرهم يريد تسجيل نقاط في مرمى السعودية.
ويرى بيطار أن “هذه القضية تصور على أفضل وجه الطابع غير المثمر في غالب الأحيان” لتحركات السعوديين.
ويضيف أن “محاولاتهم للتصدي للنفوذ الإيراني لا تترافق على ما يظهر مع أي استراتيجية واضحة ومدروسة”.
وإن كان لبنان اعتاد الحروب والأزمات، إلا أنه لم يشهد وضعا مماثلا من قبل. وتقول أمل سعد “لم يعد الأمر يدخل في سياق السياسة التقليدية، إنها سابقة”.
وبحسب الدستور، يفترض بالحريري ان يقدم استقالته الى رئيس الجمهورية لتصبح نافذة، علما انه قدمها عبر وسائل الاعلام. وأكد الرئيس ميشال عون أنه ينتظر عودة الحريري إلى لبنان للبت في المسألة.
لكن بيطار يحذر من أن “الأزمة المؤسساتية قد تستمر طويلا ما لم تتم العودة إلى تسوية إيرانية سعودية”.
حزب الله “الورقة الرابحة” لإيران

تمكن حزب لله الشيعي، “الورقة الرابحة” لإيران في المنطقة، من توسيع دائرة نفوذه خلال العقود الثلاثة الأخيرة لا سيما بعد تدخله في نزاعات اقليمية عدة جدد رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري دعوته الى تحييد لبنان عنها.
في لبنان مرورا بسوريا والعراق فاليمن، يشكل حزب لله “أداة” التوسع الأكثر فعالية لإيران، وفق ما يقول محللون، ما يثير غضب الرياض، الخصم الاقليمي الأبرز لطهران، والتي أعلن منها الحريري استقالته بشكل مفاجئ في الرابع من الشهر الحالي.
وقال الحريري في خطاب استقالته إن إيران “ما تحل في مكان إلا وتزرع فيه الفتن والدمار والخراب، وتشهد على ذلك تدخلاتها في الشؤون الداخلية للبلدان العربية في لبنان وسوريا والعراق واليمن”. ودعا في مقابلة مع تلفزيون “المستقبل” الاحد حزب لله الى وقف تدخلاته في نزاعات المنطقة، قائلا “لا يمكن أن نكمل في لبنان بطريقة تتدخل فيها إيران بكل هذه الدول العربية ويكون هناك فريق سياسي يتدخل معها”.
ويقول الأستاذ الجامعي والباحث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس كريم بيطار لوكالة فرانس برس إن استقالة الحريري “تؤشر الى إرادة سعودية للحد من التقدم الايراني”، واصفا حزب لله بأنه “الورقة الرابحة” لطهران في المنطقة.
ومنذ عقود، تخوض هاتان القوتان الاقليميتان صراع نفوذ في المنطقة.
وتأسس حزب لله بمبادرة ايرانية بعد الاجتياح الاسرائيلي لبيروت في العام 1982 وتصاعد نفوذه تدريجيا حتى بات قوة سياسية رئيسية في لبنان، قبل أن يتوسع نفوذه اقليميا .
وتصنف الولايات المتحدة والسعودية حزب لله الذي يمتلك ترسانة ضخمة من السلاح كـ”منظمة إرهابية”. وتفرض واشنطن عقوبات اقتصادية على قادته والمتعاملين معه.
ويقول أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في بيروت هلال خشان لفرانس برس “استطاعت إيران بفضل حزب لله العمل على جبهات اقليمية عدة”، معتبرا ان الحزب “كان مفيدا جدا في نشر النفوذ الايراني” في المنطقة.
ويعد الحزب وفق خشان، “الأداة الأكثر أهمية بيد إيران في المنطقة”، فهو من تولى “تدريب قوات الحشد الشعبي الشيعية”، القوة العسكرية الأكثر نفوذا في العراق. كما يقدم “الخبرة العسكرية للنظام السوري والقوات الشيعية المحلية الموالية له”.
ويقول خشان ان هناك عناصر من حزب الله في اليمن حيث تدعم ايران المتمردين الحوثيين الذين يشكلون هدفا لحملة عسكرية تقودها الرياض.
أما في سوريا التي تشهد نزاعا داميا منذ العام 2011، فقد بدأ حزب لله تدخله العسكري علنا الى جانب قوات النظام منذ العام 2013. وهو يشكل حليفا ميدانيا رئيسيا تصدر جبهات القتال على محاور عدة، ولعب دورا رئيسيا في تغيير موازين القوى على الارض لصالح النظام.
ويقول بيطار في هذا الصدد “عسكريا ، بات حزب الله أكثر تمكنا في سوريا، حيث اكتسب قدرات هجومية وليس فقط على مستوى التصدي لحركات التمرد”.
وبات الحزب، وفق ما يقول الباحث في برنامج كارنيغي للشرق الأوسط جوزف باحوط، لفرانس برس “نموذجا “لكل القوى المصغرة في المنطقة، وكذلك بالنسبة للمتمردين الحوثيين في اليمن.
ويعتبر باحوط أن الحزب اليوم بمثابة “جوهرة التاج والقوة” التي سمحت لإيران بأن تصبح في السنوات الثلاثين الماضية “القوة الأعظم في الشرق الاوسط”.
وبعد أكثر من أسبوع على تقديم استقالته التي لم يتم قبولها رسميا في لبنان بعد، كسر الحريري حاجز الصمت وأطل في مقابلة تلفزيونية ليل الأحد، جدد فيها انتقاد دور حزب لله في النزاعات المختلفة في المنطقة وعلى رأسها سوريا واليمن.
وقال “أقول لحزب لله إن مصلحتكم أنتم إذا أردنا أن نحافظ على لبنان (…) أن يكون هناك تخل عن بعض المواقع التي تتدخلون فيها”، مضيفا “أريد أن أسأل، هل في مرحلة ما كان للسعودية موقف من حزب لله قبل حرب اليمن؟”.
وأثارت استقالة الحريري القلق والخشية من تصعيد في لبنان، البلد الصغير ذي الامكانيات الهشة والذي يقوم نظام الحكم فيه على توافق وتسويات سياسية بين القوى السياسية الممثلة للطوائف الرئيسية في البلاد.
واتهم الأمين العام لحزب لله حسن نصرالله في خطاب متلفز الجمعة الرياض “بتحريض اسرائيل على ضرب لبنان”.
ومنذ تأسيسه، خاض حزب الله حروبا عدة مع اسرائيل في جنوب لبنان كان آخرها في 2006، وقد تسببت بمقتل نحو 1200 شخص في لبنان معظمهم من المدنيين و160 في الجانب الاسرائيلي معظمهم من العسكريين.
ويرى محللون أن خطر اندلاع نزاع في كل أنحاء المنطقة سيكون أمرا واقعا إذا حاولت السعودية اليوم فتح جبهة عسكرية ضد حزب لله.
ويقول باحوط “برهن حزب لله وإيران في وقت سابق أنهما لا يخوضان حروبا تقليدية، وستكون هناك حرب غير متكافئة وسيضربان في المكان الموجع”، معددا على سبيل المثال “الامارات العربية المتحدة أو شرق السعودية”، أو أنهما “سيحاولان إثارة التوتر في المناطق الشيعية في المملكة”.
ويقول بيطار “نحن اليوم أمام التقاء عوامل مقلقة للغاية” تتزامن مع “اندفاعة سعودية يدعمها رئيس أميركي مندفع جدا وتصاعد في النبرة الخطابية في اسرائيل”.
ويضيف “لكن في هذه المرحلة، ما زلنا في اطار نظام ينطوي على ردع متبادل وتوازن رعب، لأن الطرفين يدركان جيدا أن أي حرب محتملة ستكون مدمرة لكلا الجانبين”.
ورأى مالسانيه أن ولي‮ ‬العهد السعودي‮ ‬المدعوم من الرئيس الأميركي‮ ‬دونالد ترامب مصمم على إضعاف حزب الله‮ “‬بمباركة إسرائيل‮”.‬
وتبدو الأدوات التي‮ ‬في‮ ‬متناول فرنسا للضغط على الرياض محدودة برأي‮ ‬ستيفان مالسانيه الذي‮ ‬أشار إلى أن باريس‮ “‬تراجعت كثيرا في‮ ‬سوق الأسلحة السعودية‮” ‬وهي‮ ‬على صعيد آخر تنتظر من الرياض دعما ماليا للقوة العسكرية الإقليمية التي‮ ‬شكلتها مجموعة دول الساحل الخمس‮.‬
لكن الخبير السياسي‮ ‬الفرنسي‮ ‬اللبناني‮ ‬زياد ماجد الأستاذ في‮ ‬الجامعة الأميركية بباريس‮ ‬يشير إلى أن الإيرانيين‮ “‬لن‮ ‬يساوموا على حزب لله‮” ‬ذراعهم المسلحة في‮ ‬المنطقة‮.‬
ويرى أن بوسع فرنسا في‮ ‬مثل هذه الظروف أن تساعد على تهدئة التوتر و”الحد من الأضرار‮” ‬مضيفا‮ “‬أما بالنسبة إلى التوصل لحل دائم وتفادي‮ ‬الأسوأ،‮ ‬فالقرارات بهذا الصدد تتخذ بالأحرى في‮ ‬واشنطن‮”.‬
فرنسيون انتظروا الحريري
للمطالبة بمتأخراتهم

اغتنم عشرات الموظفين الفرنسيين السابقين في شركة سعودي أوجيه زيارة رئيس الوزراء اللبناني المستقيل سعد الحريري الذي وصل السبت إلى باريس، لاعادة تحريك المطالبة بمتأخرات يقولون إنها تبلغ نحو عشرين مليون يورو، علما أن المجموعة التي يملك الحصة الأكبر منها أعلنت إفلاسها.
أعلن الحريري استقالته من رئاسة الحكومة اللبنانية بداية الشهر من السعودية حيث كون ثروته وورث في سنة 1994 مجموعة سعودي أوجيه التي أسسها في سبعينات القرن الماضي والده رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري الذي اغتيل في 2005.
لكن الشركة المزدهرة التي كانت تنفذ مشاريع بناء ضخمة، تأثرت اعتبارا من منتصف 2015 بتدهور أسعار النفط التي تسببت في وقف مشاريع البناء في المملكة.
وسرعان ما فقدت المجموعة الغارقة في الديون قدرتها على الاستدانة مجددا وباتت عاجزة بالتالي عن دفع ديون نحو خمسين ألف موظف من ثلاثين جنسية.
ومن بين هؤلاء 240 فرنسيا باتوا مديونين هم أيضا وعجز بعضهم عن دفع إيجار مساكنهم أو مصاريف مدارس أولادهم وباتوا غير قادرين على مغادرة المملكة قبل تسوية أوضاعهم.
وقال مهندس فرنسي فضل عدم ذكر اسمه “عندما فهمت ما حصل، اقترضت المال من بعض الاصدقاء وغادرت بسرعة. لم أرد أن احتجز هناك وأحرم من رؤية عائلتي لمدة سنة”.
وأضاف الرجل البالغ من العمر 62 عاما والذي كان يعمل في الرياض منذ 2009 “نحن على الأقل، كنا أكثر حظا من زملائنا الهنود والفيليبينيين والباكستانيين والسنغاليين والبرتغاليين والاسبان والمغاربة: لقد عوملوا معاملة الكلاب”.
وروى كيف أن مساكن العمال “قطعت عنها المياه والكهرباء وتوقف تفريغ المراحيض” وكفت سعودي أوجيه عن توفير الطعام لهم. وحلت الدولة السعودية محل الشركة المفلسة وتحركت السفارات لمساعدة وتسفير مواطني بلدانها الذين أقدم بعضهم على الانتحار.
وقال المهندس أنه “بما ان الفرنسيين قرروا تحمل مسؤولية أمن (الحريري) أصبح لدينا الحق لأن نطرح الأمر على الملأ”.
وقالت كارولين واسرمان التي تدافع عن مصالح 75 موظفا فرنسيا سابقا “أرى أنه ضرب من الجنون أن ي فرش السجاد الأحمر لسعد الحريري من دون أن يطلب منه أن يسدد على الفور الملايين من متأخرات الموظفين الفرنسيين، علما أنه يملك مع عائلته ثروة طائلة”.
بدأت المحامية مع زميلها جان لوك تيسو دعوى أمام محكمة العمل المكلفة حل النزاعات بين الموظفين وأصحاب العمل في باريس حيث يوجد مقر شركة أوجيه الدولية، المتفرعة من سعودي أوجيه.
وفي الاجمال، يقول المحاميان ان على أوجيه أن تسدد قرابة 15 مليون يورو من متأخرات الموظفين وخمسة ملايين يورو إلى صناديق التقاعد والى الصندوق الفرنسي للعاملين في الخارج ومكتب التوظيف الفرنسي.
وقال المهندس “عندما تركت السعودية لم أكن قد تلقيت مرتبي منذ أربعة أشهر، ولم تكن الشركة قد دفعت مساهمتها في صندوق التقاعد منذ تسعة أشهر علما أنها اقتطعت من مرتباتنا ولم تتم إعادتها إلى الصندوق”. ويطالب هذا المهندس الشركة بثلاثين ألف يورو.
وخلال زيارته لباريس في الأول من سبتمبر، التزم الحريري امام الرئيس ايمانويل ماكرون بحل المشكلة، ولكن كارولين واسرمان تقول ان الموظفين السابقين لم يحصلوا “على أي قرش” منذ ذلك الحين.
مخاوف اقتصادية

ويعتقد ساسة ومصرفيون لبنانيون أن السعودية تنوي أن تفعل ببلدهم ما فعلته مع قطر- وهو حشد حلفاء عرب لفرض عقوبات اقتصادية ما لم يتم تنفيذ مطالبها.
وعلى النقيض من قطر، أكبر مورد للغاز الطبيعي المسال في العالم والبالغ عدد مواطنيها 300 ألف شخص فقط، لا يملك لبنان موارد طبيعية أو مالية لمواجهة ذلك ويستبد القلق بالناس هناك.
ويعمل ما يصل إلى 400 ألف لبناني في الخليج وتقدر تدفقات التحويلات النقدية على بلدهم بين سبعة وثمانية مليارات دولار سنويا، وهي مصدر حيوي للسيولة للمساعدة في الحيلولة دون انهيار الاقتصاد ومعاونة الحكومة المثقلة بالديون على مواصلة العمل.
وقال مسؤول لبناني رفيع المستوى لرويترز “يجب أن ننظر بجدية إلى العقوبات العربية. هذه تهديدات جدية للبنان في ظل الاقتصاد الهش. إذا قطعوا الواردات هذه كارثة”.
جاءت تلك التهديدات من سعد الحريري الذي استقال من منصب رئيس الوزراء في الرابع من نوفمبر تشرين الثاني في خطاب تلفزيوني صادم أدلى به من الرياض وعزاه الزعماء السياسيون اللبنانيون إلى الضغط السعودي.
وحذر الحريري، حليف السعودية، يوم الأحد من عقوبات عربية محتملة ومن خطر يحدق بمعايش مئات الآلاف اللبنانيين الذين يعيشون في منطقة الخليج.
وأوضح شروط السعودية لكي يتفادى لبنان العقوبات ألا وهي: على حزب لله المدعوم من إيران والمشارك في الائتلاف الحاكم التوقف عن التدخل في الصراعات بالمنطقة، خاصة اليمن.
وقال مصدر لبناني مطلع على الفكر السعودي إن المقابلة التي أجراها الحريري أعطت مؤشرا عما قد يكون بانتظار لبنان إذا لم يتم التوصل إلى حل وسط حقيقي مشيرا إلى أن قطر تمثل نموذجا للإجراءات.
ودفعت استقالة الحريري لبنان إلى قلب المنافسة المتصاعدة بين السعودية وإيران.
وقال محللون إن السياسة السعودية غير التصادمية في الماضي تجاه لبنان ولت بلا رجعة في ظل قيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان (32 عاما) نجل الملك سلمان.
والأمير محمد هو الحاكم الفعلي الذي يدير شؤون المملكة العسكرية والاقتصادية والسياسية.
وشككت مصادر في أن تكون إيران وحزب الله على استعداد لتقديم تنازلات كبيرة للرياض.
وقال مصدر مطلع على نهج حزب لله “حزب لله ممكن يعمل تنازلات شكلية لكن لن يخضع للشروط السعودية”.
الكرة في ملعب عون وحزب الله

وقال المحلل السياسي اللبناني سركيس نعوم إن الرياض تريد من الحريري أن يعود إلى لبنان ويضغط على الرئيس ميشال عون لفتح حوار والتعامل مع شروطها بخصوص تدخلات حزب لله في المنطقة.
وقال نعوم “بالقليلة يجب أن يخرجوا بموقف يعتبره السعوديون مرضيا لهم… الذين يطبقون العقوبات. إذا قرر السعوديون أن يعملوا عقوبات يقدروا يعملوا عقوبات”.
وقال مصدر مقرب من الحريري إن رئيس الوزراء المستقيل ألقى بالكرة في ملعب عون وحزب لله وحلفائه بقوله إنه لا يمكن أن يستمر الوضع كالمعتاد.
وأضاف أن الكلام كان صريحا دون تجميل حيث جرى الحديث عن العقوبات بوضوح وأنهم يريدون أن ينأى لبنان بنفسه عن حزب الله.
وقالت مصادر في قصر الرئاسة اليوم الاثنين إن عون رحب بتصريحات الحريري عن اعتزامه العودة إلى البلاد قريبا.
وفاض الكيل بالسعودية تجاه لبنان على ما يبدو بعد سلسلة من الانتكاسات التي منيت بها سياستها الخارجية.
وتعثرت المملكة في الحرب التي شنتها في اليمن ضد المسلحين الحوثيين المتحالفين مع إيران في عام 2015.
وتتهم السعودية إيران وحزب لله بدعم الحوثيين. وقالت أيضا إن حزب الله لعب دورا في إطلاق صاروخ باليستي من اليمن صوب الرياض في وقت سابق هذا الشهر.
وساهمت مشاركة حزب الله وإيران في سوريا أيضا في تحويل دفة الحرب لصالح الرئيس بشار الأسد في حين لم يتمخض دعم المملكة للمعارضة السورية المسلحة في الحرب الأهلية السورية عن شيء.
وحزب لله هو رأس حربة إيران في المنطقة ويقول بعض المحللين إن الحرس الثوري الإيراني يحاول فيما يبدو تكرار نموذجه ببناء تحالفات بين فصائل مسلحة في العراق وسوريا.
وتقول مصادر سياسية إن قائمة العقوبات المحتملة يمكن أن تشمل حظرا للرحلات الجوية والتأشيرات والصادرات والتحويلات النقدية من المغتربين.
وفرضت بعض تلك الإجراءات على قطر لكن هذه العقوبات التي فرضت في يونيو حزيران لم يكن لها أثر يذكر على الدوحة حتى الآن باستثناء دفعها أقرب إلى إيران.
سياسة سعودية جديدة

والولاء لداعمين أجانب ليس أمرا جديدا في لبنان. فلطالما تطلع السنة إلى السعودية للدعم والتمويل في حين يتطلع الشيعة إلى طهران.
وقال نعوم “اللبنانيون كانوا دائما عملاء للخارج بياخدوا أموال وبيعملوا وعود والتزامات وتحالفات”. وأضاف أنه في حين أن حزب لله وفى بوعوده لإيران فإن الفصائل السنية خيبت أمل الرياض.
وأسهم استثمار إيران في حزب الله جزئيا في أن أصبحت الجماعة تتحكم في الأمور حاليا في بيروت كما تلعب دورا محوريا في سوريا ومناطق أخرى بالشرق الأوسط.
وضخت السعودية في الماضي مليارات الدولارات في لبنان للمساعدة في إعادة الإعمار بعد الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين 1975 و1990 وبعد توغلات إسرائيلية واسعة في جنوب لبنان.
لكنها تبدو الآن مستعدة لإلحاق ضرر اقتصادي كبير بلبنان من شأنه أن يضعف موقف حزب لله في الداخل وفي المنطقة إذا لم يتم تنفيذ مطالب الرياض.
وأثارت الشروط السعودية القلق بين بعض اللبنانيين الذين لطالما اعتبروا حزب لله “دولة داخل دولة”. ويعتقد كثيرون أن الحل ليس بأيدي الأطراف المحلية.
وقال مصرفي لبناني كبير لرويترز إن لبنان سيدفع الثمن. وأضاف أن وسيلة الضغط الوحيدة التي يملكها السعوديون هي الضغوط الاقتصادية وأن بإمكانهم الضغط من خلال فرض عقوبات مؤلمة.


بتاريخ : 21/11/2017