فريق العدالة والتنمية يسحب توقيعه بعد تعرضه لغضبة توبيخية من طرف وزير الدولة

. محمد بنعبد القادر يدعو إلى ضرورة أن يتوفر المغرب على سياسة جنائية واضحة
. شقران أمام : سأدعو منسق الأغلبية لمناقشة جميع الفصول بعيدا عن الانتقائية

 

 

يدعي رئيس فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب أن انسحابهم من التوافق جاء بعد فشل مساعي الوصول إلى الاتفاق، وهو ما ادعته أيضا بثينة زوجة حامي الدين، التي نفت أن يكون قد تم التوصل إلى صيغة مشتركة في الأغلبية الحكومية، لذلك لجأ البيجيديون إلى السحب.
هذه الادعاءات والأباطيل، تفندها الوثيقة التي توصل بها رئيس لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان، والتي تحمل توقيع رئيس فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب مصطفى إبراهيمي ورئيس الفريق الحركي محمد مبديع ورئيس فريق التجمع الدستوري توفيق كميل ورئيس الفريق الاشتراكي شقران أمام ، طلب فيها هؤلاء الرؤساء عرض تعديلات فرق الأغلبية، المتعلقة بمشروع قانون 10،16القاضي بتغيير وتتميم مجموعة القانون الجنائي على أعضاء اللجنة.
لكن، كما تفيد المصادر، فإن أعضاء فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب، تعرضوا لغضبة توبيخية من طرف وزير الدولة ووزير العدل والحريات سابقا، في اجتماع للأمانة العامة للحزب، هذه التوبيخية جاءت على ما اعتبره هذا القيادي بتورط أعضاء فريق حزبه في توقيع صيغة تعديلية توافقية مع فرق الأغلبية، لأنهم في نظره خفضوا كثيرا السقف الزجري ضد الإثراء غير المشروع وخانوا شعار ” محاربة الفساد والاستبداد” الذي رفعه الحزب في حملته الانتخابية.
بهذا المستجد، وعوض أن يدافع أعضاء الفريق البيجيدي عن توقيعهم ، عملوا على ركوب موجة الافتراء، وعادوا في حالة مذلة ومهينة إلى سحب توقيعهم وانعزالهم عن باقي فرق الأغلبية.
وزير العدل محمد بنعبد القادر أكد في حوار مع وكالة المغرب العربي للأنباء أن ربط تعثر مشروع القانون الجنائي بالخلاف حول مادة من مواده هو ليس فقط اختزال للموضوع، بل “تضليل للرأي العام وافتعال حالة سياسية مصطنعة لرهانات غير معلنة”.
وأوضح أن تأخر أو تعثر مشروع قانون تعديلي يهم حوالي 80 مادة راجع إلى (مادة) الإثراء غير المشروع يعد ضغطا وتشويشا على النقاش وتنميطا للتعبير عن وجهة النظر، إذ أن ما أثير حول المشروع يفتقد إلى الدقة وأحيانا كان فيه الكثير من الإثارة والاختزالية، وشدد بنعبدالقادر على أن هذا الاختزال في التعاطي مع المشروع لن يسهم في إخراج هذا القانون إلى حيز الوجود، مؤكدا أن المواد المشمولة بالتعديلات في هذا المشروع ليس ضمنها ما يتعلق بالحريات الفردية، ومن حق كل الفرق والنواب والفاعلين الإدلاء برأيهم في كل المقتضيات من أجل تجويدها وإسنادها إلى الأحكام الدستورية والاجتهادات الممكنة، ولا يمكن اعتبار كل من يريد تحديد سقف معين أو يناقش القانون هو ضد أو مع الفساد، فهذا النوع من التصنيفات لا يليق بالعمل المؤسساتي المسؤول والهادف.
وأكد وزير العدل أن الحكومة الحالية التي عرفت عدة تعديلات، في كثير من المحطات، وأصبحت حكومة متجددة بعدما تم تعيينها من طرف جلالة الملك محمد السادس في 5 أبريل 2017 لم تطلع لحد الآن على هذا المشروع ولم تحط به علما ولم يسبق لها أن ناقشت هذا القانون نهائيا منذ تعيينها.
وسيكون من باب العبث وعدم احترام المؤسسات، يقول بنعبد القادر، أن يذهب وزير العدل إلى لجنة العدل والتشريع وينخرط في التفاعل بالرفض أو القبول مع التعديلات، دون أن يعود إلى الحكومة، مؤكدا أن الوزير القطاعي عندما يصل إلى مرحلة إدراج التعديلات والمصادقة عليها، فهو يقوم بذلك باسم الحكومة وما يقرره في الجلسة ملزم للحكومة.
واعتبر في ذات الحوار أن انتقاء 80 مادة من أصل 600 يتضمنها القانون الجنائي يستند إلى معايير وأولويات، وهذه الحكومة من حقها الاطلاع على هذه المعايير وإبداء الرأي بشأن المواد التي شملها التعديل في الحكومة السابقة، إما بالقول براهنيتها أو العكس، بالمطالبة بإدراج تعديلات على مواد أخرى، وبالتالي تقديم مشروع قانون جنائي متكامل في كل مواده، وذكر بأن الأمر يتطلب وقتا لأن الغاية ليست التشريع بل إخراج قانون يجمع بين الجودة والجدوى.
وأضاف أنه بالنظر لخطورة هذا القانون المجتمعي الشامل يتعين أن تأخذ الحكومة الوقت الكافي لمناقشته من أجل تقديم مشروع متكامل وفق مقاربة شمولية ودستورية ومجتمعية تشاركية، تراعي التطور الذي شهده المجتمع المغربي ومطالب الحركة الحقوقية، مشيرا إلى أن المسألة لاتتعلق بسحب القانون في هذه المرحلة بقدر ما تتعلق بإحاطة الحكومة علما بالمشروع لكي تتخذ بشأنه القرار المناسب، في إطار العمل المؤسساتي والاستمرارية وتجويد التشريع، مشددا على “أن المسألة تنحصر في هذا النطاق، ولا يمكن أن أتفاعل مع هذا المشروع دون أن يكون هناك موقف منسجم ومتوافق بشأنه داخل الأغلبية الحكومية والمجلس الحكومي”.
ويرى وزير العدل أن المجتمع المغربي والمؤسسات عرفا تطورا، كما أن الدولة المغربية انخرطت في التزامات دولية كثيرة تخص السياسة الجنائية كمحاربة الإرهاب والجريمة المنظمة والاتجار في البشر وتبييض الأموال والهجرة غير الشرعية  وحقوق الإنسان، مما يفرض على السلطة التنفيذية التساؤل عن مدى توفر المغرب على سياسة جنائية وعن خياراتها وأولوياتها وخلفياتها المرجعية، من أجل القطع مع المقاربة التجزيئية التي تقوم على إدخال بعض التعديلات، حسب الظرفية، على قانون جنائي يعود إلى بداية الستينيات وتجاوزته 6 دساتير.
وأكد محمد بنعبدالقادر على ضرورة أن يتوفر المغرب على سياسة جنائية واضحة، إذ لا يمكن الحديث عن جانب الحريات ومحاربة الفساد والإجهاض وتعزيز النزاهة في المرفق العام ومحاربة الجريمة في غياب رؤية متكاملة ومنسجمة، معتبرا أن النظام العام في المجتمعات المعاصرة والفكر الجنائي العصري يكون مكتوبا وليس مجرد استهامات عقائدية لهذا الطرف أو ذاك أو إسقاطات على نسق قيمي معين.
وسجل وزير العدل محمد بنعبدالقادر أن القانون الجنائي، الذي يأتي في المرتبة الثانية بعد الدستور من حيث الأهمية، يخضع لتعديل جزئي ويستمر بذلك في المنظور التجزيئي، علما بأنه قانون يهم القاعدة المعيارية لحفظ النظام العام والوظائف السيادية للدولة في حماية الأمن وترتيب العقوبات ومحاربة الجريمة، ويمس المجتمع والأفراد والحريات والحقوق والأمن العام، مؤكدا أنه لايمكن أن نفرض فيه وجهة نظر معينة إلا بعد نقاش وتوافق من أجل تحديد المنطلقات والمرجعيات.
وشدد على أن الاختيار الديمقراطي يعد من ثوابت النظام العام، بينما هناك بعض الخلفيات التي تشدد على ضرورة الاحتراز من الحريات والحقوق حفاظا على نظام عام مفترض، والحال أن الحريات والحقوق من ركائز النظام العام، لذلك أفرد لها الدستور بابا خاصا وجرم كل اعتداء عليها، من قبيل التعذيب والاختفاء القسري والتعسفي، ورتب جزاءات وعقوبات على كل من يعتدي، وجعل لكل شخص الحق في حماية حياته الخاصة، مؤكدا على ضرورة العودة إلى الفكر الدستوري الذي يتضمن كل ركائز النظام العام وتقديم إطار عام للمراجعة في إطار رؤية شمولية وأهداف واضحة من أجل أن يتوفر المغرب على سياسة جنائية تساعد الدولة على محاربة الجريمة والحفاظ على النظام العام، وفق الثوابت الدستورية وحماية الحقوق والحريات، معتبرا أنه انطلاقا من هذه الثوابت يمكن الاتفاق بسهولة على وضع قانون جنائي شامل لأنه لا يمكن التصارع بمرجعيات ما قبل دستورية.
رئيس الفريق الاشتراكي بمجلس النواب شقران أمام، تفاجأ أمام سحب فريق العدالة والتنمية لتوقيعه ،رغم أن الفريق الاشتراكي كان له تعديلاته الخاصة، وأوضح في تصريح له “أن كل من تضاعفت ثروته في زمن قياسي أثناء ممارسة المسؤولية، ولم يستطع تبرير ذلك، يجب متابعته في إطار القانون وضمان الحريات، وكنا حريصين أن يكون هناك التوافق بين الجميع، بما في ذلك فرق المعارضة، لأننا نؤمن بضرورة عدم تسييس هذا الموضوع الذي يهم المجتمع برمته، وعلى الجميع أن يترفع عن الشعبوية، كما نرى أن يكون القانون متكاملا ولايتعامل معه بشكل مجزأ، في حين أن القانون الجنائي مرتبط بالمسطرة الجنائية، وهذا أيضا مطلب الممارسين.”
وأشار شقران أمام إلى أن الفريق الاشتراكي بمجلس النواب، نظم يوما دراسيا حول الموضوع، والخلاصة تنحو هذا المنحى، فالمشروع مرتبط بالمجتمع المغربي واستقراره وتقدمه، لذا يحب أن تكون هناك إرادة سياسية، وكشف رئيس الفريق الاتحادي أنه تم هناك توافق بين فرق الأغلبية، وسيتقدم بطلب إلى منسق الأغلبية للتذاكر والنقاش حول جميع الفصول بعيدا عن الانتقائية، دون الوقوع في خدمة رهان ما مرتبط بمحطة ما، داعيا إلى إيقاف هذا العبث الذي يطبع الممارسة السياسية التي تسيء إلى الجميع.
وأوضح شقران أمام أن التعديلات التي تمت كانت باسم فرق الأغلبية، رغم أن كل فريق كانت له تعديلاته الخاصة، وقد تم النقاش لتقريب وجهات النظر للوصول إلى تعديلات مشتركة وموحدة كأغلبية، على أساس أن يتم إغناء النقاش وإثرائه داخل لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان، والموضوع لا يتعلق بالقانون الجنائي برمته، بل ب86 مادة على ما أعتقد، تهم مقتضيات معينة تتعلق بالإجهاض والعقوبات البديلة، الإثراء غير المشروع، جرائم الحرب… إلخ.
وأكد أن هناك نقاشا مغلوطا مرتبطا بنقطة الإثراء غير المشروع، “وقد عبرنا كفريق اشتراكي في المناقشة العامة عن رأينا، إذ شددنا على ألا يجب الاشتعال حول هذا الموضوع بشكل تجزيئي، وطالبنا أن تأتي الحكومة بمشروع القانون الجنائي متكاملا والمسطرة الجنائية أيضا لارتباط بعضهما البعض، لأنهما يهمان حريات المواطنات والمواطنين”، فالقانون الجنائي، يقول شقران أمام، ليس بقانون عادي، فقواعده آمرة، يخضع لها كل من قام بفعل أو امتنع عنه، مشددا على أن قرينة البراءة هي الأصل، وأوضح أن “الاجتهاد كان على تجويد بعض المواد بما لا يمس بحريات المواطنين، فحينما نتحدث عن الإثراء غير المشروع، فعلينا أن ندقق في ذلك، وكيف جاء، هل هو مرتبط بالتهرب الضريبي، أو بالاختلاس أو الرشوة”، مؤكدا أن هذا الموضوع يجب ألا يخضع للمزايدات واقتناص الفرص لتسجيل هدف سياسي كما يقال، فالأمر يتعلق بالمجتمع برمته وباستقراره وتقدمه. ويرى رئيس الفريق الاشتراكي أن القاعدة القانونية للقانون الجنائي يجب أن تكون واضحة وليست فضفاضة.


الكاتب : جلال كندالي

  

بتاريخ : 25/02/2020