فظاعات إعلامية ضحيتها متهمون ومعتقلو الحق العام بالمغرب

يعتبر الحق في المحاكمة العادلة من أهم ركائز دولة الحق والقانون بما يضمن حماية الإنسان من الشطط والتمييز والاعتداء على الحقوق. هذا الحق كرسته المرجعيات الكونية لحقوق الإنسان  بداية بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان فالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية واتفاقية مناهضة التعذيب وغيرهما. مرجعيات أقرها دستور 2011 فبات الحق في المحاكمة العادلة  يستمد مرجعيته من الدستور من خلال الفصل 23 الذي ينص على ( قرينة البراءة والحق في المحاكمة العادلة مضمونان) وفي الفصل 120 الذي أكد على أن (لكل شخص الحق في محاكمة عادلة وفي حكم يصدر في أجال معقول).
وتنص المادة الأولى من الباب الأول من الكتاب التمهيدي للقانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية على أن كل متهم أو مشتبه فيه بارتكاب جريمة يعتبر بريئا إلى أن تثبت إدانته قانونا بمقرر مكتسب لقوة الشيء المقضي به بناء على محاكمة عادلة تتوفر فيها كل الضمانات القانونية.ويفسر الشك لصالح المتهم.
كما تنص المادة 303 من الفرع الثالث الخاص بالقواعد العامة لسير الجلسة على عقوبة غرامة تتراوح بين خمسة آلاف وخمسون ألف درهم لكل من يقوم بتصوير شخص في حالة اعتقال أو يحمل أصفادا أو قيودا دون موافقة منه وكل من يقوم بنشر صور أخذت في الظروف المذكورة دون اخذ إذن صاحبها. كما يتعرض لنفس العقوبة كل من يقوم بأية وسيلة كانت بنشر تحقيق أو تعليق أو استطلاع للرأي يتعلق بشخص تجري في حقه مسطرة قضائية بصفته متهما أو ضحية دون موافقة منه سواء كان معينا باسمه أو بصورته أو يمكن التعرف إليه من إشارات أو رموز استعملت في النشر على أن تجري المتابعة في الحالتين بناء على شكاية من المعني بالأمر على أن تكون الأفعال موضوع هذا المادة قد ارتكبت قبل إدانة الشخص المعني بالأمر بحكم مكتسب لقوة الشيء المقضي به.
فالضمانة الأساسية التي يتمتع بها المفترض براءته بمقتضى قرينة البراءة تكمن في كون عبء إثبات إدانته يقع على عاتق أجهزة العدالة، أجهزة البحث و التحقيق خاصة. للأسف، يتم مرارا وتكرارا الإجهاز على هذه الضمانة وخصوصا من بعض وسائل الإعلام التي باتت ترتكب فظاعات حقيقية في حق المتهمين والضحايا على حد سواء بل وفي حق معتقلي الحق العام الذين تتم ملاحقة خصوصياتهم داخل زنازينهم، والأمثلة على ذلك لا تعوزنا.
هرولة نحو الإدانة مع تسرب أخبار المتابعة أو الاعتقال، وتأويلات وتحليلات وتكييفات تنداح وجهة الإدانة المسبقة، وتشهير بالمتهمين والمعتقلين يتجاوز نشر الهويات الشخصية إلى نشر الصور بما فيها صور أفراد الأقارب أحيانا. وهذا وجه بشع لانتهاك أخلاقيات المهنة من طرف بعض المنابر الصحفية والإعلاميين.
وحسب الأستاذ نور الدين الشرقاوي. محام بهيئة أسفي « البراءة هي الأصل وبالتالي لا يمكن الاتجاه في التناول الإعلامي نحو الإدانة بأي حال من الأحوال سواء بالتكييف أو التلميح أو التأويل. كما يجب احترام أخلاقيات المهنة التي تستحضر أدبيات حقوق الإنسان وضمانات المحاكمة العادلة. حيث يقع على عاتق الجهاز القضائي حصريا إثبات إدانة المتهم الذي يبقى بريئا إلى أن يثبت العكس بناء على حكم مكتسب لقوة الشيء المقضي به « .
واعتبارا للأبعاد الخطيرة التي تتخذها تداعيات التناول الإعلامي المنحرف للقضايا الجنائية بشكل يبدد قرينة البراءة ويمارس التشهير في حق المتهمين والمعتقلين مع نشر الكثير من المعطيات بما فيها المغالطات والافتراءات تحت مسمى « المصادر الموثوقة» بهدف التأثير على الجهاز القضائي في أحيان كثيرة، يجوز التساؤل بشكل قوي وملح حول الأثر الرادع للعقوبة المطبقة على هذا النوع من التجاوزات والمنصوص عليها في المادة 303 من الفرع الثالث الخاص بالقواعد العامة لسير الجلسة حيث حددت في غرامة تتراوح بين خمسة آلاف وخمسون ألف درهم؟؟
سنقف بشكل موجز عند ثلاث حالات لنحيل القارئ على أرشيف التناول الإعلامي لثلاث قضايا من طرف بعض المنابر، ليلمس بشكل مقلق بل ومؤلم في عدة لحظات حجم الانتهاك الذي تعرضت له حقوق المتهمين في محاكمة عادلة وفي احترام قرينة البراءة.

حالة قاصر الصويرة

الكل يذكر قضية قاصر الصويرة التي تفجرت بداية متم سنة 2016 ، وكيف تمت الإدانة المسبقة للمتهمين بل والمسارعة إلى الإفصاح عن هوياتهم من خلال نشر مجموعة من المعطيات ذات الطابع الشخصي وتوظيفها في اتجاه رسم «بروفايل» يعزز اتجاه الإدانة حتى قبل أن تصدر في حق المتهمين أحكام إدانة مكتسبة لقوة الشيء المقضي به.

قضية البرلماني مرداس

قضية قتل البرلماني مرداس تجاوزت الإدانة المسبقة، إلى ملاحقة المتهمين داخل زنازينهم بشكل يوثق لانحدار خطير على مستوى التناول الإعلامي لهذا النوع من القضايا. وسأذكر هنا كيف استباح موقع الكتروني بشكل يومي حقوق متهمة على ذمه القضية عبر تتبع خيوط أنشطتها اليومية بشكل مقزز بما في ذلك عدد السجائر التي تدخنها.

الوكالة الوطنية لتامين الصحي

قبل فترة وجيزة تم توجيه الاتهام لكل من المدير العام للوكالة الوطنية للتامين الصحي وصحفي سابق بالقناة الأولى من أجل جناية «الارتشاء عن طريق القيام بطلب مبالغ مقابل القيام بعمل من أعمال الوظيفة «.بعض المواقع الالكترونية تجاوزت نشر الخبر إلى نشر الهويات كاملة مع الصور والتاريخ المهني للمتهمين مع تكييف البروفايل والمعطيات المتوفرة في اتجاه الإدانة القبلية للمتهمين.
وإذا كانت المتابعة في هذه الحالات تجري بناء على شكاية من المعني بالأمر، فان مسؤولية النيابة العامة تبقى ثابتة في ظل التسريب العمدي لمعطيات قضايا في طور التحقيق. كما تبقى مسؤولية المجلس الوطني للصحافة ثابتة كذلك في ضبط وردع هذه الانتهاكات التي تنتج أضرارا دائمة على المستوى الاجتماعي، والمهني والنفسي طبقا للقانون رقم 90.13 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم1.16.24 بتاريخ 30 من جمادى الأولى 1437 الموافق ل 10 مارس 2016 والذي ينص حرفيا على مسؤولية المجلس في النظر في القضايا التأديبية التي تهم المؤسسات الصحفية والصحافيين المهنيين الذين اخلوا بواجباتهم المهنية وميثاق أخلاقيات المهنة والنظام الداخلي للمجلس والأنظمة الأخرى التي يضعها.