فيلم «النمر الأسود»: ثورة تغيير في أعراف هوليوود

يُعد فيلم «بلاك بانثر» (النمر الأسود)، الذي يتناول قصة أحد الأبطال الخارقين، عملاً سينمائياً ذا طابع ثوري، بل ويختلف عن الأفلام الأخرى المناظرة له بشكلٍ كامل وعلى العديد من المستويات، كما يرى الناقد السينمائي نيكولاس باربر.
لم يبدد صناع الفيلم وقتهم عبثاً، كما لم يتسم عملهم بالعشوائية. فمنذ أن بدأت شركة «مارفل» قبل عقدٍ كامل تقديم أفلامٍ تتناول أبطالها الخارقين الذين يظهرون في قصصها المصورة، كان هناك الكثير للغاية من الشخصيات الضخمة، بيضاء البشرة، التي تهيمن على أدوار البطولة، بينما تُسند أدوار الشخصيات المُساعِدة إلى أشخاصٍ سود البشرة، أو ينتمون لأقلياتٍ عرقية.
أما هذه المرة، فقد اختارت الشركة أن يحمل الفيلم اسم شخصية ملكٍ أفريقي يُدعى «تي تشالا»، يجسد دوره الممثل تشادويك بوزمان. ويحظى هذا الملك بقوةٍ وسرعةٍ مذهلتيْن بفضل جرعةٍ من دواءٍ سحري ورداءٍ مدرع يغطي جسده بالكامل.
ومن شأن ذلك، في حد ذاته، جعل هذا الفيلم ثوري الطابع، ولذا كان يمكن أن يشكل ذلك مسوغاً لأن يقرر مخرجه رايان كوغلر الذي شارك أيضا في كتابة السيناريو أنه ما من حاجة لكسر أي حواجز أخرى، وأن يحيط البطل «تي تشالا» بممثلين مساعدين بيض البشرة، ويجعله يحارب وحوشاً على الأراضي الأمريكية.
لكن ذلك لم يحدث، فقد كان لدى كوغلر – الذي أخرج من قبل أيضا فيلم «كريد»- وفريقه رؤيةٌ أكثر راديكالية بحق من أي تصور مماثل تبناه من قبل أي فيلم كبيرٍ أنتجته هوليوود.
فبداية، تدور غالبية أحداث «النمر الأسود» في «واكاندا»، وهي دولةٌ أفريقية مفترضة تشكل مسقط رأس البطل. وكما نعلم من مقدمة تمهيدية نُفذت بأسلوب الرسوم المتحركة، فإن هذه الدولة شُيّدتْ على جبلٍ من معدنٍ فريد الخصائص، إلى حد أنني لم أفهم كل مميزاته تماماً، ويُطلق عليه اسم «فايبرانيوم».
وبفضل هذا المعدن، تمكنت تلك الدولة من تحقيق قفزاتٍ تكنولوجية هائلة. ولكن وباعتراف الجميع، ليس على نحوٍ أكثر تقدماً بكثير من تلك القفزات التي حققتها شخصياتٌ خيالية أخرى تنتمي إلى عالم شركة «مارفل يونيفيرس» للإنتاج السينمائي، مثل شخصيتيْ توني ستارك، وبروس بانر.
بغض النظر عن كل ذلك، نعلم من سياق الأحداث أن «واكاندا» تُخفي عجائبها عن العالم الخارجي، الذي تبدو له مجرد دولة عتيقة يسودها الركود ويضربها فقرٌ مدقع، ويقطنها رعاة ماعزٍ يسكنون الأكواخ.
لكن الأمر يختلف في الواقع، فتحت قبةٍ ثلاثية الأبعاد، تقبع عاصمة هذا البلد، وهي عبارة عن نموذجٍ لمدينة فاضلة «يوتوبيا» فائقة التطور والحداثة، ترى فيها مركباتٍ أنيقة مضادة للجاذبية تمرق وهي تصدر أزيزاً من فرط سرعتها، بين ناطحات سحابٍ لامعة تكسوها نباتات خضراء وارفة.
وهنا يمكن أن تسأل نفسك عن آخر مرة شاهدت فيها فيلماً روائياً – سواء من إنتاج هوليوود أو غيرها – طرح فكرة أو افترض أن دولةً أفريقية، ربما تكون البقعة الأكثر سعادة وازدهاراً وتطوراً من الوجهة العلمية في العالم بأسره.
بجانب ذلك، يبدو العمل مُفعماً بفخرٍ وسرورٍ غير عادييْن بطابعه الأفريقي، بدءاً من الأنسجة المنقوشة الملونة التي اسْتُخْدِمت في أزياء الممثلين، والهتافات القبلية التي تصاعدت في بعض المشاهد، فضلاً عن قرع الطبول الذي تمت الاستعانة به في الموسيقى التصويرية، وصولاً إلى لغة الخوسا التي تحدثت بها الشخصيات في بعض الأحيان. ومع أن الممثلين أمريكيون وبريطانيون وليسوا أفارقة، فإن غالبيتهم سود البشرة.
ومن بينهم، لوبيتا نيونغو، التي تلعب دور الحبيبة السابقة لـ»تي تشالا». وهي في هذا العمل، تظهر أخيراً على الشاشة شحماً ولحماً، بعد سنواتٍ جرى خلالها الاستعانة بها لتقديم الأداء الصوتي فقط؛ إما لحيوانٍ ظهر على الشاشة باستخدام الخدع الرقمية في فيلم «ذا جانغل بوك» (كتاب الغابة)، أو لكائنٍ فضائي شاهدناه في فيلم «ستار وورز: ذا فورس أواكينز» (حرب النجوم: صحوة القوة)، وكلاهما من إنتاج شركة «ديزني».
كما تشارك في «النمر الأسود» الممثلة داناي غوريرا مُجسدةً شخصية الحارس الشخصي لـ»تي تشالا»، وأنغيلا باسيت التي تؤدي دور والدته، جنباً إلى جنب مع لوتيشا رايت، التي تسرق الأضواء في مشاهدها من الممثلين الآخرين، عبر تجسيدها لشخصية الشقيقة الصفيقة للبطل، التي تجري أبحاثاً بشأن الأسلحة.
وإذا ابتعدنا قليلاً عن مسألة الأصل العرقي لفريق العمل، فإننا سنلحظ أنه يضم عدداً هائلاً من الشخصيات النسائية ذات السمات المميزة والقدرة على الإمساك بزمام المبادرة والمباغتة، وهو ما يجعل من «النمر الأسود» عملاً يختلف بشكل جذري عن أقرانه، في ما يتعلق بطبيعة الأدوار التي تُسند إلى ممثلات.
في المقابل، من الملحوظ قلة عدد الرجال في فريق العمل. من بينهم دانييل كالويا بطل فيلم «غيت أوت» (أخرج من هنا)، وهو يؤدي هنا دور المسؤول عن الأمن الداخلي في «واكاندا»، وكذلك فورست ويتيكِر الذي يجسد شخصية المرشد الروحي لـ»تي تشالا».
يمكنك هنا أن تسأل نفسك ثانيةً عن آخر مرة شاهدت فيلماً أمريكياً، يضم كل هذا العدد من الممثلين سود البشرة، ممن لا يوجد منهم من أُسْنِدَ إليه دور أحد رجال العصابات، أو مدمني الكوكايين.
أكثر من ذلك، لم يقنع كوغلر بمجرد تقديم فيلمٍ يتسم بصبغة أفريقية عن بطل خارقٍ، بل إنه قدم نسخةً ذات طابعٍ أفريقي لأفلام العميل السري جيمس بوند كذلك.
فعندما يعلم الملك المتوج حديثاً «تي تشالا» أن مرتزقاً أبيض البشرة يتحدث باللغات المحلية الأفريقية السائدة في مملكته، يعكف على بيع كتلةٍ من معدن الـ»فايبرانيوم» في كازينو بكوريا الجنوبية، يصل مع معاونيه على حين غرة للكازينو، وهم يرتدون ستراتٍ أنيقة وأردية نسائية ضيقة، لملاحقة المرتزق، الذي يُدعى يوليسيس كلاوا (ويجسد دوره آندي سِركيس، ويظهر في العمل وهو يمضغ بمرح كل عناصر الطبيعة المحيطة به).
ما يعقب ذلك لا يعدو مشاهد أُعِدتْ على نحوٍ مماثل – أو بالأحرى مشابهٍ للغاية ربما – لمشهد المواجهة الحاسمة الذي تضمنته أحداث فيلم «سكاي فول» لجيمس بوند.
كما نلمح في تلك المشاهد بعض السمات المميزة لأفلام العميل السري، من قبيل رؤية جواسيس يتمتمون لبعضهم البعض عبر أجهزة إرسال لاسلكية دقيقة للغاية، وأناسٍ يحملون حقائب معدنية تتكدس بداخلها قطع الألماس، بجانب مشاهدة بطل العمل وهو يصادف زميلاً قديماً من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي آيه) يُدعى إيفريت روس (يؤدي دوره الممثل مارتِن فريمان(.
وبمجرد أن ينتهي هذا الجزء الحافل بعلامات الإجلال والاحترام لـ»جيمس بوند»، يتحول «النمر الأسود» إلى فيلم خيال علمي يحمل طابع الفانتازيا، وتبلغ مشاهده ذات الصبغة المستقبلية – في ما يتعلق بصورتها السينمائية – ذروتها مع مشهد قتالٍ جوي أُعِدَ على غرار المعارك التي ظهرت في سلسلة أفلام «حرب النجوم».
لكن ذلك لا ينفي أن فيلمنا هذا يمثل عملاً درامياً ذا طابع جيوسياسي من العيار الثقيل. إذ يتبين أن ثمة تحالفاً يجمع المرتزق أبيض البشرة كلاوا، مع شخصيةٍ أخرى تُدعى إريك كيلمونغر (يجسد شخصيته مايكل بي.جوردان وهو من أبطال فيلم كريد).
وكيلمونغر هو عميلٌ سري أمريكي مخضرم ذو بنيان جسدي ضخم، وأسود البشرة. ولهذا الرجل ارتباط ما بـ»واكاندا»، ولديه كذلك بعض الأفكار المتعلقة بالتوجه الذي يتبعه هذا البلد على صعيد سياسته الخارجية. وهكذا، فبين مشاهد الانفجارات ومطاردات السيارات، تتخلل الفيلم نقاشاتٌ بشأن ما إذا كان يحق للدول ذات السيادة أن تتدخل في شؤون بعضها البعض أم لا.
وبخلاف فيلمٍ مثل «كابتن أمريكا: الحرب الأهلية»، فإن «النمر الأسود» تضمن بالفعل حرباً أهلية ضمن أحداثه.
من جهة أخرى، يمكن القول إن المخرج كوغلر ضَمَّنَ فيلمه كل أنواع الأعمال السينمائية، التي تُهمش فيها عادةً الشخصيات سوداء البشرة، وجمع تلك الأنواع جميعاً وجعل هذه الشخصيات في قلبها تماماً، وليس على هامشها، وذلك بقدرٍ كبير من الموهبة والجرأة.
المفارقة أن النوع الوحيد من الأفلام الذي لم ينجح المخرج في تقديمه بكفاءةٍ تامة هو ذلك المتعلق بـ»الأبطال الخارقين»، الذي ينتمي بطله إليهم من الأصل.
فمشاهد الحركة التي يتضمنها الفيلم لم تكن قط مثيرةً للغاية كما يُفترض، وذلك بمونتاجها متأرجح المستوى، واستخدام الخدع السينمائية المُعدة بواسطة الكمبيوتر فيها، على نحوٍ مفرط. وبجانب ذلك، كان «تي تشالا» مؤثراً بشكلٍ أكبر عندما يظهر على الشاشة كشخصٍ يقف بانتظار شيء ما وتبدو عليه سمات النبل، مُقارنةً بمظهره عندما يُقْدِمُ على أي شيء آخر خلال الأحداث.
المشكلة أن المرء يتوقع عندما يُقدم فيلمٌ تُسند بطولته إلى شخصية بطل خارق أن تُوضع على لسان هذا البطل جُمَلٌ حوارية بارعة وذكية، وأن تكون لديه بعض الخطط المبتكرة، وأن يجترح أعمالاً تجعلك لا تكاد تلتقط أنفاسك خلال المشاهدة؛ باختصار أن يؤدي أي شيء يمكن أن يُسبب الهوس به كبطلٍ أو بطلٍ خارق في واقع الأمر.
لكن «النمر الأسود» يبدو أقرب هنا إلى «نمرٍ أجوف». فمع كل القدرات التي يتحلى بها البطل، ويستمدها من الأدوات والآلات التي تبتكرها شقيقته، والعلاجات العشبية التي يُحضِّرها مرشده، نجده – وبشكل يفاجئنا – شخصاً سلبياً كثير الثرثرة بشأن أمورٍ مملة. كما نراه وقد اعتاد – وبشكلٍ أكثر من اللازم – خسارة المعارك وترك الأشرار يفرون بحياتهم.
على أي حال، فعندما يُنتج جزءٌ ثانٍ من هذا الفيلم، سيكون من الأفضل أن يُعدّل الدور الذي يلعبه بوزمان – هذا الممثل ذو الشخصية الكاريزمية – على نحوٍ يتيح له الفرصة لكي يُظهر تأثيره بشكل أكبر خلال الأحداث.
ولكن حتى لو كان «تي تشالا» لم ينجح كبطلٍ خارق في أن ينجز الكثير في الفيلم الذي كان بطلاً له، فإن كوغلر حقق إنجازاتٍ بقدرٍ غير معتاد.
فعلى المستوى السينمائي، يشكل «النمر الأسود» – باعتباره فيلماً من إنتاج شركة «مارفل» – عملاً ممتعاً مُفعماً بالحياة جُمِّعتْ عناصره بحذقٍ وبراعة. أما بوصفه خطوةً إلى الأمام على طريق منح الأشخاص سود البشرة تمثيلاً بشكلٍ أفضل على شاشة السينما، فيمكن القول إن هذا الفيلم يمثل انتصاراً مذهلاً بحق.
ناقد سينمائي


الكاتب : نيكولاس باربر

  

بتاريخ : 17/02/2018

أخبار مرتبطة

  يواصل المغرب مشاركته في الدورة 40 بمهرجان “نظرات إفريقية للسينما الإفريقية والكريول” بمونتريال الكندية إلى غاية 21 أبريل 2024،

“أرزة” هو فيلم من إنتاج Ambient Light يقوم ببطولته ديموند أبو عبود، بيتي توتيل، بلال الحموي، كاتي يونس ومنتج تنفيذي

أطلق النجم الفلسطيني سانت ليفانت، واسمه الحقيقي مروان عبد الحميد، أحدث أغانيه بعنوان 5am in Paris ، والتي تم تصويرها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *