فيلم «The Greatest Showman».. رهان خائب على متعة تائهة

 

قبل الإعلان عن ترشيحات الدورة الأخيرة من جوائز الأوسكار، توقع البعض نصيبًا محتملًا للنجم هيو جاكمان وفيلمه الأخير «The Greatest Showman» في حفل التتويج، لكن ذلك لم يحدث.
ثمة رسائل سياسية ضمنية في «The Greatest Showman»، للإيحاء بأن هذا الفيلم أو ذاك يحمل بداخله شيئًا أكثر
من القشرة السطحية
ينتمي فيلم «The Greatest Showman» لفئة الدراما الموسيقية، مع قليل من الكوميديا يتسبب فيها الإيقاع المهرول
قصة فيلم «The Greatest Showman» تتناول حياة بي تي بارنوم (هيو جاكمان)، الرجل الذي كان مندوب دعاية فصار مُنظمًا شهيرًا لعروض السيرك في القرن التاسع عشر، ورحلة انتقاله من الفقر إلى الثراء، في إطار يشبه الحكايات الخرافية، حيث يتزوج بارنوم حبيبته (ميشيل ويليامز) ابنة الرجل الثري الذي اعتاد إهانته ويحاول تعويضها عن حياة والدها، إلى أن يحقق حلمه ويشتري منزل والدها وأملاكه، لكنها تتركه لتعود إلى والدها بعد شعورها بأن الشخص الذي أحبته وتزوجته صار شخصًا آخر بعدما جرت الأموال بين يديه.
ينتمي فيلم «The Greatest Showman» لفئة الدراما الموسيقية، مع قليل من الكوميديا يتسبب فيها الإيقاع المهرول، وهو من إنتاج استديوهات فوكس السينمائية، ويتحدث عن الأمل والحلم وأبرز المحطات في حياة بارنوم، ومراحل تكون حلمه وتناميه في داخله، وصوًلا إلى تحقيقه، فيبدأ بأغنية للبطل وهو طفل بعنوان «مليون حلم»، لينتقل بها من مرحلة الطفولة إلى الشباب وهو يحمل بداخله المليون حلم إياهم، ويتمسك بالأمل في تحقيق حلمه، عندما يأوي إلى الفراش يحلم بمنزل فيه غرف ممتلئة بأشياء من أماكن بعيدة تسعده هو وحبيبته.
ويتضمن فيلم «The Greatest Showman» أغنيات مبهجة، ربما هي السبب في الإبقاء عليه فى دور العرض لفترة طويلة، أبدعها ثنائى أغانى فيلم «لالا لاند»، بينج باسيك وجاستين بول. أما سيناريو الفيلم الذي شارك في كتابته بيل كندون (صاحب سيناريو واحد من أسوأ الأفلام الحاصلة على جائزة الأوسكار «شيكاغو» 2000)، يكتظ بموضوعات ثانوية تسقط الفيلم وتفقده القدرة على المنافسة في كل الفئات تقريبًا، لكنه احتفظ بمكانته كفيلم ترفيهي ملائم للمشاهدة الأسرية، بلا مشاهد أو الفاظ خارجة.
مشكلة فيلم «The Greatest Showman» أنه رغب في الرهان بكل شيء من أجل الحصول على أي شيء. فالفيلم هو الحصان الذي راهن عليه هيو جاكمان، بعد إعلان تخليه بشكل نهائي عن أداء شخصية «وولفرين»، التى حقق من خلالها نجاحًا تجاريًا كبيرًا على مدار السنوات الماضية. راهن هيو جاكمان على إمكانياته الغنائية والاستعراضية، وتفرّغ ثمانية أشهر لهذا الفيلم الذي بدأ عرضه عالميًا فى العشرين من ديسمبر/كانون الأول 2017 ليلحق بترشيحات الأوسكار، غير أنه لم يستطع سوى الحصول على ترشيح واحد في فئة أفضل أغنية «هذه أنا» للمغنية كيالا ستيل، ولم يستطع تكرار ما حدث معه في جوائز غولدن غلوب حين رُشّح لثلاث جوائز، أفضل فيلم كوميدي أو موسيقي، وأفضل ممثل، وأفضل أغنية أصلية، وفاز بالجائزة الأخيرة.
هيو جاكمان مُغنٍ مبهج يمتلك أدواته، وكان أداؤه فى فيلم «The Greatest Showman» جيدًا، لكن السيناريو أسقط الفيلم بإقحام العديد من القصص الثانوية، دون أن يخدمها دراميًا، فسقط الفيلم من حسابات الأوسكار كما من تقديرات النقاد. الأدوار الموسيقية الغنائية ليست جديدة على جاكمان، فقد قدم عام 2012 «Les Misérables»، وهو فيلم موسيقي درامي بريطاني، مقتبس عن المسرحية الموسيقية التي تحمل نفس الاسم للمؤلفين آلان بوبليل وكلود ميشيل شونبيرج وهربرت كريتزمر. والمسرحية مقتبسة بدورها عن الرواية الفرنسية «البؤساء» 1862 للكاتب الفرنسي فيكتور هوجو. أداء جاكمان في «البؤساء» حجز له ترشيحًا للأوسكار والغولدن غلوب للمرة الأولى والأخيرة حتى الآن. ربما لهذا السبب قرر الاعتذار عن أداء شخصية «اكس مان» التي كانت بداية انطلاقته إلى العالمية، والتركيز على الافلام الموسيقية، بعدما لاحظ الجميع تمكنه من أداء الأدوار الغنائية وإتقانه الرائع لها، لكنه أخفق حتى في الترشح للجائزة كأحسن ممثل.
وطالما تعلّق الأمر بالفوز بجائزة الأوسكار، فإنه من اللازم إرفاق كلمة الرسائل في فيلم»The Greatest Showman»، فهو فيلم رسائل بالدرجة الأولى، بمعنى أنه سيأخذ بأيدي مشاهديه ليخبرهم على طول الطريق بما يجب أن يكون وما لا يصح أن يُوجد. ورسالة الفيلم تتلخص، باختصار غير مخل، في الحث المكرر، مشهد بعد آخر، على تقديم الإيجابيات في قصص و تحديات الحياة دون الخوض في تفاصيل المعوقات أو أسبابها أو خلفياتها، ودون الخوض في أي أمور قد تثير الجدل أو تقتطع من جماهيريته في شباك التذاكر، لأن الفيلم خال تمامًا من أي مشهد حسّي أو لفظ نابٍ. على ذلك، فإن فيلم «The Greatest Showman» يحض مشاهده على عدة أشياء، مثل السعي لتحقيق حلمه مهما كان مستحيلا بشرط ألا يتخلى في سبيل ذلك عن زوجته الوفية المخلصة، وألا ينسى الأشياء الجميلة التي يقابلها أثناء رحلته، لأن «الكنز في الرحلة» كما نعرف جميعا، وعدم الحكم على الناس وفقا لخلفياتهم.
لكن فيلم «The Greatest Showman» يتمادى في تجاهل تفصيلات ما يحكي عنه، فتكون النتيجة ظهور الشخصيات وتصرفاتها وتطوراتها الدرامية بعيدة عن المنطق، الأمر الذي يستدعي انتقالاً سريعًا بين أحداث الفيلم أشبه بالهرولة دون إلقاء الضوء على خلفية الأبطال. شخصيات أساسية تظهر بصورة باهتة، مثل شخصية السمراء أن ويلر (زندايا) والمغنية ذات اللحية ليتي (كيالا ستيل)، ومع هذا كان أداؤهم جيدًا، مع الوضع في الاعتبار المساحة الزمنية المتاحة لهم، وحتى شخصية المغنية الأوروبية الأرستقراطية لم تكن واضحة، سوى في مشهد وحيد وُجد فقط لإكسابها بعض تعاطف المشاهدين.
التعاطف أمر مهم في أفلام الرسائل، لذلك ساهم التعمق نفسيًا داخل شخصية البطل في خلق حالة من التعاطف معه، خصوصًا مع البناء التقليدي للحكاية، لكنه تعاطف غير مكتمل مع اكتظاظ الأحداث وتسارعها. تتلاحق المشاهد كمن يقفز بين الأزمنة خطوات واسعة، لتأتي الأحداث فجائية وغير واضحة. ومع استخدام القطع المونتاجي بالاعتماد على النقلات الغنائية والاستعراضية، وعدم تركيز الاهتمام على شخص واحد؛ يتأثر التعاطف مع البطل سلبيًا، لكن هذا الأسلوب في الوقت ذاته ينتشل الفيلم من رتابة وملل متوقعتين في حكاية تقليدية بصورة قاتلة.
وبسبب الرهان الأوسكاري ذاته، ثمة رسائل سياسية ضمنية في فيلم «The Greatest Showman»، على الطريقة الهوليوودية في الإيحاء بأن هذا الفيلم أو ذاك يحمل بداخله شيئًا أكثر من القشرة السطحية لحكاية لا يُنتظر منها سوى قضاء وقت ممتع أثناء مشاهدتها على الشاشة. الرسالة التي يحملها فيلم «The Greatest Showman» لا بد أن تتصل، بشكل أو بآخر، بالرجل المجنون الجالس في المكتب البيضاوي، دونالد ترامب، وهي هنا تحث المشاهدين على تقدير الاختلاف، أو على الأقل التعامل معه بطبيعية تخفف الأضرار الممكن تصور حدوثها على النحو الذي يقدمه الفيلم، وتعيد، في جانب أساسي منها، التذكير بفكرة الحلم الأمريكي وصورة أمريكا الفاتحة ذراعيها لأي شخص مهما كان لونه أو جنسه أو دينه أو عرقه طالما سيتمسك بتحقيق حلمه على «أرض الأحلام الممكنة» ويقبل الآخرين كما هم.
الشخصيات «غريبة الأطوار» التي استقدمها بارنوم لتقديم فقرات مسرحية في فرقته أثارت خوف وقلق سكان نيويورك ولم يكن تقبل وجودهم سهلًا، حتى انتهى الأمر بهم إلى إحراق المسرح حتى لا يعيش هؤلاء «المسوخ» بينهم. الرسالة واضحة، فالرئيس الذي أصدر قرارًا بمنع دخول مواطني بعض الدول ويسعى لبناء جدار عازل بين الولايات المتحدة والمكسيك، لا بد أن مخيلته وإدراكه يمتحان من نفس المعين المغذي لعقليات سكان نيويورك التي يحكمها ضيق الأفق ووساوس النقاء والرفض المجاني لأي شخص مختلف عنهم. والمسرح المُعاد بناؤه في نهاية الفيلم وتصفيق الجمهور لإعادة افتتاحه، ليس سوى التتويج التأكيدي على أن أمريكا بدأت هكذا ويجب أن تظل وفية لمبادئها التي تأسست عليها قبل أكثر من 200 سنة.


الكاتب : محمد صبحي

  

بتاريخ : 14/07/2018