في حوار مع الكاتبة أسماء المصلوحي: الكتابة النسائية كرست حساسية جديدة في مقاربة النص

اكتشاف الذات أمر صعب، فما أدراك باكتشاف الآخر !؟ فهو أصعب تعقيدا من الأول إن لم يصرح! ورغم ما أسلفنا، فإن الإحباط والانكسار يوجبان علينا المحاولة والمجازفة، فالحياة بواقعها ووقائعها لا تحلو إلا إذا رسمت بطيف التحدي، وزينت بعبق الانكسار ثم الانبعاث من الرماد، فكلما تقدمنا خطوة نحو الأفق، كلما طوينا سنين من الفشل، ورسخنا أقدامنا في الجزء المخصص للنجاح.
على هذه الخطى انطلقت بعض الوجوه النسائية في نسج معالم تجاربها الإبداعية في محاولة لتكسير النظرة التقليدية للمجتمع المغربي عن إبداع المرأة وتمرد قلمها السيال عطاء وتألقا على النظرة والكلمة والقرار، فصارت المسلمات المجنونة أمواجا تضرب في صخر المقاومة والاستبسال، رافضة بهذا الانفتاح والتألق عطايا الفتات والتفقير المجتمعي لكل إبداعي نسوي.
عن تجربة الشاعرة والكتابة المبدعة «أسماء المصلوحي» في مجال الكتابة النسائية المعاصرة انطلقنا معها في رحلة حوارية، نكشف من خلالها عن معالم التجربة النسائية المعاصرة في مجال الكتابة والإبداع. راصدين بذلك تجربتها في هذا المجال، وأهم الظروف التي ساهمت في بناء شخصيتها، وكذا نظرتها لواقع المرأة المبدعة ومستقبل الكتابة النسائية المعاصرة في المغرب وباقي الوطن العربي، وأهم الحواجز التي تقف في وجه طموح الكاتبة المغربية في واقعنا الراهن. فكان الحوار على الشكل التالي:
p لابد لأي توهج ينير دروبنا من طاقة تغذي الجسد والروح. فمن هي الشخصية التي أثرت في حياة أستاذتنا؟
n الكاتب الطنجوي الكبير حسن بيريش هو الشخصية التي ألقت بظلالها على مساري برمته.حين التقيت بهذا الكاتب المتوهج والشخصية الباسقة، اكتشف في ما لم أكتشفه في نفسي، وتمكن من استخراج ما أزخر به من ممكنات وعطاءات. وخلال سنوات قليلة، تمكنا، أستاذي حسن بيريش وأنا، من تحقيق الكثير من الرهانات الثقافية، منها كتب مشتركة، وتكريس موعد سنوي في تطوان للاحتفاء بشخصيات مدينة تطوان، كما شكلنا الثنائي المعروف والناجح الآن في الساحة الثقافية المغربية. وأستغل هذه الفرصة لأشيد عاليا وبصدق كامل بهذه الشخصية الطنجوية (حسن بيريش) التي أعطت الكثير في مجالها، ووقفت إلى جانب الكثير من الأدباء في منطقتنا الشمالية.
* كل يوم يطوي صفحة من صفحات الحياة المتقلبة … ورغم هذه الصيرورة المتلاحقة، تبقى الذكرى عبقا راسخا، تحدثنا عما مضى، وتبلور لنا ما سيأتي. فحبذا لو حدثتنا عن شخصية الأستاذة «أسماء المصلوحي»
كلما وضعنا مسافة بين الاسم والذات، تضيق العبارة وتتقلص عوالمها بشكل مثير. لذلك يبدو لي عسيرا أن أتكلم عن ذاتي دون ان أسقط في نرجسية لا أطيقها بتاتا. أستطيع أن أقول إن أسماء المصلوحي كاتبة بدأ تطلعها يكبر تدريجيا، وظل طموحها يسكن الأعالي، ومع ذلك فإنها ترى أن الطريق طويل، وأن الخطوات سائرة، وهي كلما حققت مكسبا تطلعت نحو آخر بكثير من التحدي.
* لكل فعل ردة فعل، ولابد أن يكون لفعل الكتابة أسباب موضوعية جعلت مبدعتنا تندفع نحو هذا المجال، فما هي دوافعك التي دفعتك خوض غمار التجربة؟
منذ كنت طفلة استهوتني القراءة بشكل كبير. كنت أحرص على اقتناء مجلات وصحف وأطالعها بنهم كبير، وكانت القراءة بمثابة نضج مبكر. وكما تعلمون فإن القراءة تقود إلى بساط الكتابة، من هنا بدأت أخط حروفي الأولى على شكل ومضات تبدو لي الآن ساذجة ولا تعبر إلا عن انشداد للحرف البهي. لكن الكتابة الحقيقية جاءت بعد أن التقيت بالعراب المتميز حسن بيريش، الذي وجهني كتابة وقراءة، وبعدها أصبح يبدي اندهاشه مما أختزنه، لذلك شكل هو الشرارة التي أدت إلى كل هذا الذي تحقق الآن.

p الكتابة النسائية في عالمنا العربي تجربة تستحق التنويه، فهل ترين أنها ستتألق أكثر مستقبلا بالرغم من كل الظروف؟ وماهي الوجوه التي ترينها رائدة في هذا المجال؟
n ينبغي القول إن الكتابة النسائية خدمت الأدب بشكل كبير وعميق، باعتبار أنها كرست حساسية جديدة في مقاربة النص، والتعاطي مع العالم وفق رؤية جوانية تنطلق من الذات لتخاطب الآخر. حين أتصفح المسار الذي صاغته الأقلام النسائية مغربيا وعربيا، تتبدى لي أسماء كثيرة لا يمكن إلا الإعجاب بما حققته من تراكم أدبي متنوع ومختلف. في المغرب، ثمة مالكة العاصمي، ووفاء العمراني، وقبلهما الرائدة خناثة بنونة، دون أن ننسى الحفر الذي مارسته الناقدة رشيدة بنمسعود. في المشرق، ثمة نوال السعداوي التي قلبت كل مفاهيم الرؤية الذكورية نحو المرأة، وأحلام مستغانمي التي كتبت دواخل المرأة انطلاقا من شبوب الذاكرة
* صدرت لأستاذتنا مجموعة من الأعمال الإبداعية، فحبذا لو حدثتنا عن بعضها.
بدأت شاعرة وأصدرت ديواني الأول «رياحين الحب»، وهو عمل شعري ينطلق من هواجس الحب عند المرأة في علاقتها مع الرجل. بعدها دخلت غمار البورتري، بتشجيع من رائده حسن بيريش، وتمكنت من كتابة الكثير من البورتريهات التي أنتظر صدورها في كتب.
بعد ذلك، جاءت تجربة الكتابة المشتركة مع أستاذي وعرابي حسن بيريش، حيث أصدرنا معا الكتب التالية: «مصطفى مزواق وتر تطوان الخالد.»، « المهدي الزواق رجل الإجماع.» ، « رشيد برياح أسطورة الراي».ثم جاءت ثلاثية أعلام تطوان التي حملت عنوان «أسماء وأعلام في ذاكرة تطوان / نصوص سيرية». وقد صدر منها الجزء الأول، وأنا بصدد إصدار الجزأين الثاني والثالث منها قريبا.

p صدر لك مؤخرا كتاب قيم تحت عنوان: «أسماء وأعلام من ذاكرة تطوان»، فحبذا لو حدثتني عن ظروف التأليف وأسبابه وجديده.
n هذا الكتاب أملاه الحرص على صيانة ذاكرة مدينة تطوان عبر شخصياتها وأعلامها قديما وحديثا. ثمة كتب كثيرة تعاطت مع أعلام تطوان، بيد أن كتابي يمتاز بإحاطة أوسع وأشمل. وأعتقد أن عشقي لتطوان هو من أملى علي الدخول في غمار تأليف ثلاثية عن أسماء وأعلام في ذاكرة تطوان العالمة المعطاءة .

p كيف تنظرين إلى أفق التجربة الشعرية والروائية في بلدك، وهل ترين أن المرأة انفتحت بالشكل المطلوب على هذه المجالات الإبداعية، أم مازال من المبكر الحكم على هذا الأمر؟
n في مختلف المجالات حققت المرأة المغربية جدارتها ومكانتها وتميزها المنظور لكل العيان. في الشعر، كما في النقد، كما في الرواية، تبدت الكتابة النسائية حافلة بالرؤى الجديدة والتعاطي المتمكن من أدواته، والأسلوب المختلف. وحين نتصفح المشهد الادبي في المغرب، نرى أقلاما نسائية تتصدر الساحة بنتاج يرفل في الإجادة. لم يعد ثمة مجال ما لم تنفتح عليه المرأة وتترك فيه بصمتها الواثقة والراسخة. وهذه حقيقة يصعب نكرانها.

p كيف تقيميين أداء المؤسسات الثقافية في بلدك؟
n ثمة جهود تبذل من أجل الرقي بآداء المؤسسات الثقافية وتجويد خدماتها. المشكلة تكمن في أمرين إثنين: الأول: غياب رؤية شمولية ذات بعد استراتيجي للفعل الثقافي باعتباره محركا للتنمية. الثاني: ضعف الإمكانات المالية التي تقف عائقا في وجه المؤسسات الثقافية.
p ماذا تعني لك هذا الكلمات:
n الآخر :هو المكمل للذات. لا يمكن تحقيق الأنا بدون الارتباط بالآخر والتلاقح معه.
– الحب: هو أساس الوجود وإكسير الحياة.
– الطبيعة: تلك الأنفاس التي تجعل الحياة أقل ضراوة، وتذهب بنا نحو ما يجعلنا منسجمين مع ذواتنا.
– الحياة: تلك الغريبة المدهشة المراوغة، التي لا تستقر على حال. مرة تمنحنا ابتسامة، ومرة تصفعنا بوجع.
– النهضة: القاطرة التي عبرها نصل إلى رهاناتنا. بدونها سوف نظل نراوح مكاننا بدون أي خطوة إلى الأمام.
* كلمة أخيرة للأستاذة أسماء المصلوحي.
جزيل الشكر والتقدير لهذا الحوار الذي جعلني قيد بوح يعتمل في الدواخل.


الكاتب : حاورها: موسى المودن

  

بتاريخ : 22/10/2019