في رسالة ملكية للمشاركين في احتفالية الذكرى الخمسين لإنشاء منظمة التعاون الإسلامي بالرباط  : الدعوة لإحداث نقلة نوعية في مؤشرات جودة الحياة بالبلدان الإسلامية وبلورة توجه جديد للمقاربات التنموية المعتمدة

 

احتضن مقر وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، يوم أمس الخميس، احتفالية كبرى بمناسبة الذكرى الخمسين لإنشاء منظمة التعاون الإسلامي تحت شعار « المغرب.. تجديد وعمل».
وتميزت هذه الاحتفالية، التي شكلت مناسبة لإبراز مكانة المملكة المحورية في تعزيز العمل الإسلامي المشترك، وذلك من خلال مساهماتها المتنوعة ومشاركتها الفاعلة في أنشطة المنظمة، بحضور وزراء وممثلي ترويكا القمة الإسلامية (تركيا، السعودية، غامبيا)، وترويكا الوزاري (بنغلاديش، الإمارات، النيجر)، والأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، ونخبة من الشخصيات المرموقة في العالم الإسلامي، بالإضافة إلى ممثلي عدد من الدول والمنظمات الإسلامية وأعضاء السلك الدبلوماسي المعتمد بالمغرب، برسالة سامية دعا فيها جلالة الملك محمد السادس إلى اعتماد خارطة طريق جديدة، تمكن من الاستفادة من الثروات البشرية والطبيعية بالبلدان الإسلامية، بما يساهم في إحداث نقلة نوعية في مؤشرات جودة الحياة بالبلدان أعضاء منظمة التعاون الإسلامي.
وأوضح جلالة الملك، في الرسالة التي تلاها وزير الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، بمناسبة مرور نصف قرن على إنشاء منظمة التعاون الإسلامي، أن الأمر يتطلب «بلورة توجه جديد للمقاربات التنموية المعتمدة، يأخذ بعين الاعتبار، خصوصيات ومحددات النظام الاقتصادي العالمي، والاستفادة من التجارب الناجحة، التي راهنت بشكل أساسي على تنمية العنصر البشري وتأهيله». وشدد جلالته على أن الهدف الأسمى يظل هو «تحقيق الطفرة التنموية والحضارية المنشودة، في أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية».
وذكر جلالة الملك بأن تخليد الذكرى الخمسين لإحداث المنظمة يأتي في ظل ظرفية دولية دقيقة وجد معقدة، تطغى عليها الأزمات التي اندلعت في بعض الدول الأعضاء في المنظمة، والتي تفاقمت تداعياتها إقليميا، وتصاعدت بفعلها نعرات الانقسام والطائفية المقيتة، وتنامت فيها ظاهرة التطرف والإرهاب. لذلك، يضيف جلالة الملك، فقد أصبح من المُلح معالجة الأسباب والعوامل، التي أدت إلى هذا الوضع، المنذر بالعديد من المخاطر والعمل الصادق على حل الخلافات البينية، واعتماد الآليات الكفيلة بتحصين منظمتنا من مخاطر التجزئة والانقسام.
وأكد جلالة الملك أيضا، على ضرورة التصدي لمحاولات بعض الجهات استغلال هذا الوضع المتأزم لإذكاء نعرات الانفصال، أو إعادة رسم خريطة العالم الإسلامي، على أسس تتجاهل حقائق التاريخ والهويات، والتدخل في مصائر الأمم، وتهديد الأمن والاستقرار الدوليين.
وأبرز أن من شأن التشخيص الدقيق والموضوعي للوضع الراهن في العالم الإسلامي، وتقييمه بتجرد وعمق، أن يساعد على تجاوز هذه المرحلة العصيبة، عبر وضع الاستراتيجيات والبرامج التنموية الملائمة وتنفيذها، في مراعاة تامة للخصوصيات الوطنية، وعلى أسس التضامن والتعاون التي يقوم عليها ميثاق المنظمة.
وعبر جلالة الملك عن يقينه بأن الالتزام بالمبادئ والقيم والأهداف، التي تقوم عليها منظمة التعاون الإسلامي، والعمل الصادق على تعزيز روابط الأخوة والتعاون والتضامن القائمة بين شعوبنا، كفيل بإضفاء القوة والفعالية اللازمتين، لجعل هذا التكتل كالبنيان المرصوص، يشد بعضه بعضا.
وفي هذا الإطار، أوضح جلالة الملك أن تكثيف التعاون جنوب -جنوب، المبني على الثقة والواقعية والمنفعة المشتركة، وحسن استثمار الإمكانات المتاحة، وتبادل التجارب في شتى الميادين، من شأنه الرفع من قدرات دول المنظمة الإنتاجية، وتقوية اقتصاداتها، بما يخدم تطلعات شعوبها إلى الرخاء والازدهار والعيش الكريم.
واعتبر جلالة الملك أن هذه الاحتفالية، هي «في حقيقتها دعوة صريحة لتعزيز الوحدة والتعاون بين الدول الأعضاء بمنظمة التعاون الإسلامي، والانخراط القوي والفعال في صناعة القرار السياسي والاقتصادي الدولي، للدفاع عن مصالح دولنا وشعوبنا». كما أنها «دعوة ملحة لاستقراء استباقي للمستقبل، ووضع الاستراتيجيات والخطط الملائمة للأجيال القادمة، من أجل رفع التحديات الجسام المقبلة، وفي مقدمتها توطيد الاستقرار السياسي، والنهوض بالتنمية المستدامة، وضمان الأمن والغذاء وحماية البيئة وغيرها».
وبخصوص القضية الفلسطينية، جدد جلالة الملك محمد السادس، رئيس لجنة القدس، التزام المغرب الدائم، ملكا وحكومة وشعبا، بالدفاع عن القدس الشريف وفلسطين، على مختلف الأصعدة، السياسية والدبلوماسية والقانونية والميدانية، لصون الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
وقال جلالته بهذا الخصوص، «ذلك أن سعينا الدؤوب من أجل إيجاد حل للقضية الفلسطينية، وقضية القدس، نابع من قناعتنا الراسخة بأن السلام في منطقة الشرق الأوسط، يمر حتما عبر إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، على حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية».
ودعا جلالة الملك المنتظم الدولي للانخراط الجاد، في بلورة خارطة طريق جديدة، تمكن من تطبيق قرارات الشرعية الدولية، واتفاقات السلام المبرمة؛ وإيجاد حلول عملية للوضع المتأزم في الشرق الأوسط، من أجل إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وفق جدول زمني محدد، وفي إطار حل الدولتين، وبتطابق تام مع قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، ومبادرة السلام العربية.
وذكر جلالته بأنه ما فتئ يعمل كرئيس للجنة القدس، على نهج مقاربة تزاوج بين العمل السياسي الرصين، والمساعي الدبلوماسية، الهادفة لصيانة الحقوق الفلسطينية المشروعة، والعمل الميداني الملموس، من خلال مشاريع ميدانية، تشرف على إنجازها وكالة بيت مال القدس الشريف، لمساندة المقدسيين، ودعم صمودهم ضد سياسات التهويد الممنهجة، الهادفة لتغيير الوضع القانوني والتاريخي والديمغرافي للمدينة المقدسة، ومواكبة أولويات المقدسيين واحتياجاتهم المتجددة.
ومنذ تأسيس منظمة التعاون الإسلامي، بمبادرة تاريخية من جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني بمدينة الرباط سنة 1969، على إثر إحراق أجزاء من المسجد الأقصى المبارك، دأب المغرب على المساهمة الفعالة في أجهزة المنظمة على مختلف مستوياتها، لاسيما لجنة القدس الشريف التي يرأسها جلالة الملك محمد السادس، كما سبق له أن احتضن عدة مؤتمرات تاريخية واجتماعات رفيعة المستوى على الصعيد الإسلامي كقمتي الدار البيضاء الخامسة (16-19 يناير 1984) والسابعة (13 – 15 دجنبر 1994).
ويحتضن المغرب حاليا أجهزة منظمة التعاون الإسلامي التالية، المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو) بالرباط، والمركز الإسلامي لتنمية التجارة بالدار البيضاء، والمركز الإقليمي للبنك الإسلامي للتنمية بالرباط.


الكاتب : الرباط: يوسف هناني

  

بتاريخ : 13/12/2019