في سؤال باللغة الأمازيغية للفريق الاشتراكي في الجلسة الشهرية لرئيس الحكومة بمجلس المستشارين :الفقر والهشاشة هما الممولان الحقيقيان لكل الأعمال الإرهابية التي يعيشها العالم

تساءل الفريق الاشتراكي بمجلس المستشارين عن احتياج بلادنا ، إلى دراسات أو تقارير حول العالم القروي كي نعرف الواقع . وأضاف تدخل الفريق الاشتراكي في الجلسة الشهرية لرئيس الحكومة في موضوع “السياسات العمومية لمواجهة الفقر والهشاشة،خصوصا في العالم القروي “، الذي طرحه عبد الوهاب بلفقيه باسم الفريق باللغة الأمازيغية، مساء أول أمس” أننا لا نحتاج إلى دراسات أو تقارير حول العالم القروي بالمغرب كي نتعرف على واقع الفقر والهشاشة الذي تعيش فيه الساكنة، فمظاهر الفقر بادية على مختلف مجالات عيش المواطن القروي، وصعوبات الحياة اليومية متعددة وقاهرة، وانسداد آفاق تحسين الوضعية الاجتماعية واضحة”.

وأضاف: “أن قناعاتنا في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وكما نصت على ذلك أدبياتنا الحزبية، تنبني على احترام الحقوق الاجتماعية الأساسية بالدرجة الأولى، أي عدالة اجتماعية تقوم على التنمية الاقتصادية والاجتماعية، على دولة الحق والقانون، على احترام كرامة المواطن الإنسان، وتنبني على اعتبار المسألة الاجتماعية أولوية الأولويات، يتطلب التعامل معها من زاوية الحماية الاجتماعية وليس من زاوية المساعدة الظرفية “.
وسجل الفريق الاشتراكي، أن مقاربته للكرامة الإنسانية تنطلق أساسا من إشكالية الفقر والهشاشة، ومترتباتها الاجتماعية والسياسية، وما صار يشكله ذلك من تحد كوني، والجزم بأنه صار الممول الحقيقي لكل الأعمال الإرهابية التي يعيشها العالم: فالفقر، ليس فقط الافتقار إلى الدخل والموارد الضامنة لمصدر الرزق بل إنه يتجاوز ذلك ليشمل الجوع و سوء التغذية وضآلة إمكانية الحصول على التعليم،و الصحة وغيره من الخدمات الأساسية….كما أنه يشكل نوعا من التمييز الاجتماعي والاغتراب عن المجتمع، مما يؤثر بشكل واضح و جلي على المشاركة السياسية والمشاركة في اتخاذ القرارات، وأن معادلات جديدة تتطلب منا العمل والتفكير الجماعيين نظرا لتجاوزها قدرات الفرد الواحد والحزب الواحد، إنه تحدي معادلات الكوارث الطبيعية من برد قارص و جفاف و فيضانات ….، إنه تحدي ديمومة عيش الإنسان، وبالتالي نكون هنا ملزمين بالربط بين النمو الاقتصادي والإدماج الاجتماعي و الحماية البيئية”.
وأضاف بلفقيه : ” إن واقع الحال بالعالم القروي بالمغرب يكشف بالواضح أن جميع البرامج التي وجهت للنهوض بالعالم القروي، لا ترقي إلى سياسات عمومية تنموية. إنه الواقع المر الذي يبين أن الحكومة لا تملك نموذجا تنمويا يوحد مختلف قراراتها وتدابيرها ويعطي اندماجا وطنيا للاقتصاد المغربي”.
وشدد على أن الفريق الاشتراكي يدرك جيدا أن ازدهار المدن وتطور الحياة الحضرية ورقيها، لن يتم إلا بنهضة اقتصادية واجتماعية للعالم القروي وفك الارتباط بينه وبين مظاهر الفقر والتهميش،وبلورة بدائل وحلول متكاملة ومنسجمة ،تستثمر كل الإمكانيات الاقتصادية والثقافية والبيئية التي يزخر بها العالم القروي.
وإن الاختلالات التي يعاني منها المجال القروي ضخمة ولا مجال لعدها، وإن معاناة المواطنين بالوسط القروي والمناطق الجبلية مازالت كبيرة ويومية، لأنه واقع مخجل لنا جميعا ،ووضع يضر بصورة بلادنا، وقد دخلنا منذ سنوات للقرن الواحد والعشرين.
فلا مجال للادعاء بأننا حققنا ما يمكن الافتخار به لهؤلاء الملايين من المواطنين المعزولين والمهمشين والمغلوبين على أمرهم.
وسجل الفريق الاشتراكي نقص الحكومة في استثمار نتائج التجربة المتميزة التي انخرط فيها المغرب من أجل محاربة الفقر والهشاشة والإقصاء الاجتماعي من خلال المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وذلك بهدف وضع تصور واضح لتدبير صندوق التأهيل الاجتماعي للجهات خاصة في المجالات المرتبطة بإعمال الحقوق الاجتماعية بالنسبة للأطفال والشباب والنساء.
وإن المجهودات المبذولة مركزيا لا تكفي، لأن ما يتم التخطيط له مركزيا لا يجد طريقه إلى العالم القروي المتضرر، حيث سلوكات وعقليات أخرى وعلاقات سلطوية وعمليات انتخابوية وزبونية، تحرف الجهد العمومي عن أهدافه. إن المطلوب هو الضرب على أيدي المضاربين والمتاجرين في بؤس هذه الفئات، نحن أمام حالة قطاع منكوب، ولا يمكن السماح فيه بالمتاجرة ببؤس الناس والاغتناء على حساب أوضاعهم”.
لقد أعلنتم عن “الاستراتيجية المندمجة للتنمية القروية”، يقول الفريق الاشتراكي ، وإن هدفها هو تعزيز البرامج والمخططات التي تهم محاربة الفقر والهشاشة في الوسط القروي، مع الرفع من وتيرة إنجاز المشاريع الاستثمارية والتجهيزات الأساسية والاجتماعية كالطرق القروية والماء الشروب والتعليم والصحة والمرافق الاجتماعية الأخرى، من أجل معالجة التباين في مؤشرات التنمية بين الوسط القروي والوسط الحضري،فأين أنتم من كل هذه المؤشرات؟
ووعدتمونا بأن الحكومة ستعمل على اعتماد استراتيجية مندمجة لتنمية العالم القروي من خلال لجنة وزارية تعتمد مساطر واضحة تمكن من انتقاء المشاريع التي ستحظى بتمويل صندوق تنمية العالم القروي.
واليوم يحق لنا أن نتساءل معكم من جديد، السيد رئيس الحكومة:
أين هي المعالم الواضحة المترجمة ميدانيا لهذه الاستراتيجية المندمجة للتنمية القروية؟ وما آثارها الفعلية على المغاربة المهمشين في القرى؟ وما نتائج هذه الاستراتيجية على الغالبية الساحقة من الساكنة ؟
فالوضع الصحي في قرانا مازال جد متأخر، وما زالت النساء تنقل للولادة في أوضاع حرجة على الدواب،كما أن نسب وفيات الأمهات والأطفال مازالت دون الأهداف التي تم تسطيرها، إضافة إلى انعدام التجهيزات الطبية والخصاص الكبير في الموارد البشرية والأدوية ووسائل الإسعاف والتأطير الطبي. والأوضاع البيئية مازالت جد متدهورة في الوسط القروي نظرا لانعدام برامج التطهير السائل والصلب، وسوء العناية بالمجال الغابوي وما يتعرض له من عبث واستنزاف…
وختم الفريق الاشتراكي تدخله أمام رئيس الحكومة : ” إن الحديث عن العالم القروي يبعث على الأسى والأسف، والسبب في ذلك هو العزلة التي تعاني منها عدة مناطق من بلدنا الحبيب، بفعل غياب الطرق أو رداءتها في غالب الأحيان(إذا ما وجدت). فنحن كفريق اشتراكي ننبه الحكومة إلى ضرورة التعاطي مع هذا الموضوع بكل ما يستحقه من أهمية ومسؤولية بالغة، لما له من انعكاسات قوية على جميع المجالات،إذ أن شق الطرق وإنجازها يعتبر مدخلا ناجحا وفعالا لحل عدد كبير من المشاكل المتداخلة والمترابطة، والمساهمة في تحريك عجلة الاقتصاد وتعزيز النمو والتماسك الاجتماعي.
لذا، فنحن نطالب الحكومة بالزيادة في الاعتمادات المرصودة لإنجاز وصيانة وتوسيع وتجديد الطرق، خصوصا بالمناطق النائية سواء بالجبال أو المداشر والقرى التي تشكو التهميش والنسيان. وندعوها إلى مواصلة ما تم تحقيقه في السنوات الأخيرة من إنجازات تتعلق بتوسيع شبكة الطرق السيارة التي تبقى غير كافية بالنظر إلى التحولات الاقتصادية والاجتماعية و النمو السكاني و حركة التمدن التي عرفتها بلادنا في السنين الأخيرة.
أما فيما يخص قطاع الكهرباء والماء، فرغم المجهودات التي يقوم بها المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب لتزويد العالم القروي بالكهرباء والماء، فإن هناك مناطق لم تشملها هذه البرامج وخاصة الجبلية منها والنائية، حيث ظلت هذه المناطق تعاني التهميش والإقصاء والعزلة، مما ساهم في نشوء اختلالات اجتماعية واقتصادية، تمثلت في النزوح نحو المدن الكبرى، وما يترتب عن ذلك من انعكاسات سلبية كنشوء مدن الصفيح والبطالة والجريمة، أليس من الواجب على الحكومة وضع خطط استعجالية تعطى فيها الأولوية لمشاريع تضمن استقرار المواطنين وتمكنهم من العيش بكرامة عوض التخطيط لبرامج ومشاريع ذات صبغة كمالية.
إننا كفـريق اشتراكي ملتزم بالوفاء لنهجه القائم عـلى التوجه الاجتـماعي الديمقراطي، لا يفوتنا في ختام هذه المناقشة أن نذكر الحــكومة بأن المشاريع القائمة والأوراش المفتوحة لن تجد طريقها لا بنظام جهوي قوي، لهذا فنحن ندعو الحكومة بأن تعمل على إخراج نموذج تنموي تشاركي جديد،ببدائل جديدة وممكنة لمحاربة الفقر الهشاشة،يكون من بين مؤشراته ، توزيع عادل للثروات،  فرض ضريبة على الثروات الكبرى، السيادة الغذائية وتحقيق الأمن الغذائي، توجيه الفلاحة نحو الاستجابة للحاجيات الأساسية للمواطنين بدل توجيهها نحو التصدير، خلق احتياطي (مخزون) مهم من المواد الغذائية، تطوير الخدمات العمومية في المجال القروي: صحة، تعليم، ماء، كهرباء، طرق…تحسين جودة ومجانية الخدمات العمومية. والتراجع عن السياسات الليبرالية المملاة من قبل المؤسسات المالية الدولية (الجبايات، التقاعد وباقي السياسات اللاشعبية المطبقة).


الكاتب : مصطفى الإدريسي

  

بتاريخ : 17/01/2019