في ظل «الحرب» ضد تفشي فيروس كورونا خطوط أمامية وخلفية .. وأخرى للدعم والإسناد

 

ظهر فيروس كورونا في منتصف شهر دجنبر 2019 في مدينة ووهان الصينية وضرب عشرات الآلاف بها قبل أن ينتقل في البداية إلى دول أخرى قريبة كإيران، ثم فيما بعد إلى دول أخرى عبر العالم ، وصنفته منظمة الصحة العالمية في تصريح مديرها العام يوم الأربعاء 11 مارس في خانة الجائحة، بعدما انتشر في جميع أصقاع العالم كانتشار النار في الهشيم ساعة القيظ الشديد، واتخذت معظم الدول إجراءات وقائية واحترازية، وسارع المغرب، في خضم ذلك، إلى سن جملة من القوانين والعمليات الوقائية والداعمة، ضمن خطوات استباقية جريئة وسيادية من «منطلق المسؤولية والحرص على ضمان الأمن الصحي للمواطنات والمواطنين»، حيث تم إغلاق جميع المنافذ البرية والجوية والبحرية في وجه حركة السفر من وإلى الخارج ، وتم إقرار الحجر الصحي بمجموع التراب الوطني إلى غاية 20 أبريل 2020 ، وسن قوانين ملزمة بتقييد الحركة مشروطة بترخيص استثنائي لفرد واحد من الأسرة يحول دون الخروج من البيت إلا للضرورة القصوى كالعمل والتبضع والعلاج وشراء الأدوية، وسبقه توقيف الدراسة بجميع مؤسسات التربية والتكوين ومنع جميع التجمعات العمومية التي يشارك فيها 50 شخصا فما فوق وإلغاء جميع التظاهرات واللقاءات الرياضية والثقافية والعروض الفنية ومجموعة من الإجراءات التنظيمية التي تهم تدبير النقل العمومي بمختلف أصنافه وإغلاق العديد من الفضاءات والأماكن العمومية في وجه العموم ومنها المساجد والمقاهي والمطاعم والقاعات السينمائية والمسارح وقاعات الحفلات، والأندية والقاعات الرياضية والحمامات وقاعات الألعاب وملاعب القرب مع الإبقاء على حالة الفتح للأسواق والمتاجر ومحلات عرض وبيع المواد والمنتجات الضرورية للمعيشة اليومية للمواطنين؛ وكذا المطاعم التي توفر خدمة توصيل الطلبات للمنازل ، وتخصيص أرقام هاتفية لتواصل المواطنين مع فرق طبية ، وأحدث صندوق لمواجهة الجائحة العالمية بتعليمات ملكية «لتأهيل الآليات والوسائل الصحية، سواء في ما يتعلق بتوفير البنيات التحتية الملائمة أو المعدات والوسائل التي يتعين اقتناؤها بكل استعجال»، ودعم الاقتصاد وخصوصا «القطاعات الأكثر تأثرا بفعل انتشار فيروس كورونا، كالسياحة وكذلك الحفاظ على مناصب الشغل»، كما همت التوجيهات الملكية ، أيضا، توجيه الطب العسكري لدعم وإسناد الطب المدني بمختلف مستشفيات المملكة، مع اتخاذ إجراءات لحماية كل مكونات الاقتصاد الوطني وتعويض الذين مسهم الفقدان المؤقت للشغل، سواء في شقه المهيكل أو غير المهيكل وتدعيم القدرة الشرائية للفئات الهشة وتوفير مقومات المعيشة اليومية لمختلف الفئات الفقيرة ، إضافة إلى عامل توفير مستلزمات العلاج واقتناء المخزون الوطني من الدواء الذي بدأت في اعتماده العديد من الدول لمواجهة الجائحة … وإذا كان ما سبق يندرج ضمن الخطوات التي شكلت نموذجا في التدبير السيادي المحكم ، فإن جميع الخطوط تستلزم الإشادة والتنويه على درجة يقظتها في الاستجابة وتلبية النداء بكل وطنية صادقة ، والتي يمكن تصنيفها إلى خطوط أمامية وخطوط خلفية دون إغفال خطوط الدعم والإسناد …

خط المواجهة

على مستوى الخطوط الأمامية التي تشكل خط المواجهة، بالليل كما بالنهار، تجندت الأطقم الطبية والصحية عسكرية ومدنية ومعها عناصر الوقاية المدنية وتخندقت في خندق واحد متسلحة بما وفرته لها الدولة من إمكانيات ولوجستيك للوصول إلى المصابين بالفيروس وتشخيص الحالات وفرض العزل الطبي وتقديم العلاج لضحايا الجائحة ، وفي نفس الخطوط الأمامية رجال الجيش والأمن الوطني والدرك الملكي والقوات المساعدة والسلطات الإقليمية والمحلية من عمال وباشوات وقياد وخلفان وأعوان السلطة… لتنظيم الحملات التحسيسية وإلزام المواطنين بالامتثال للحجر الصحي وتنفيذ قوانين تقييد الحركة وتأمين وفرة المواد الغذائية بأسعارها المقننة والتصدي لكل عمليات الاحتكار أو التلاعب في المواد أو في أثمانها، وأيضا الجسم الإعلامي بحضوره الوازن الذي يبحث بحثا عن المعلومة ويعمل على إيصال الخبر في حينه تنويرا للرأي العام ومواكبة لكل الإجراءات والعمليات ومساهمة في توجيه المواطنين للالتزام بالحظر الصحي….

دعم وإسناد

بالنسبة لخطوط الدعم والإسناد التي تشكل الجبهة الداخلية المتراصة، فقد انخرط قطاع التربية والتكوين بكل مكوناته من إداريين وتربويين ومفتشين وهيآت التدريس لضمان الاستمرارية البيداغوجية والتحصيل الدراسي وفق برنامج التعليم عن بعد الذي اعتمدت فيه قنوات تلفزية وطنية رسمية ومنصات إلكترونية عديدة، على اعتبار أن التوقيف المؤقت عن الدراسة ليس عطلة استثنائية وليس من باب تسبيق العطلة الربيعية، وحتى يتمكن التلاميذ والطلبة من الاستفادة من دروسهم بشكل اعتيادي في بيوتهم بما تمليه ظرفية المرحلة.
وفي نفس الخطوط كانت السلطة القضائية بكل طواقمها حاضرة بقوة للحرص على تنفيذ القوانين المسطرة وإلزام الجميع بها . ووقفت جمعيات المجتمع المدني لأداء جملة من الأدوار، بدءا من الدور التوعوي والتحسيسي ، مرورا بالإسهام في حملات التعقيم وإلى غاية الدور الاجتماعي إزاء فئات المشردين والفئات المعوزة . كما ساهم الباعة والتجار والمخابز وأرباب النقل في ضمان توفير المواد الغذائية وكل مستلزمات الحياة اليومية ومعهم الصيادلة تأمينا للوضع الصحي العادي، إضافة إلى الأحزاب السياسية والمجالس والهيآت المنتخبة التي سعت إلى توفير مخصصات مالية من ميزانيتها سواء لاقتناء وسائل أو مواد التعقيم أو لدعم الفئات الفقيرة…
بينما الخطوط الخلفية تشكلت من الفلاحين في مزارعهم والعمال في وحداتهم الإنتاجية لتأمين الحاجيات الغذائية بمختلف أصنافها، ومن المرافق الإدارية والخدماتية التي تؤمن السير العادي للمرفق العمومي وللخدمات التي يحتاجها المواطن مع توفير الحد المطلوب من التباعد الاجتماعي…

نقطة انطلاق جديدة

إذا كانت هذه الظروف الصعبة ، قد أبانت عن حس وطني من الطراز العالي وانخراط كافة فئات المجتمع استجابة للإرشادات والتوجيهات الاحترازية الرسمية، فإنها تشكل نقطة انطلاق نحو العمل مستقبلا على وضع آليات واستراتيجيات وطنية للتعامل الاستباقي مع مختلف الطوارئ غير المنتظرة مثل الكوارث الطبيعية (الفيضانات، الزلازل، الحرائق…) والأوبئة من خلال خلق جهاز حكومي رسمي سيادي دائم، إما على شكل وزارة للطوارئ أو وكالة وطنية للطوارئ أو مندوبية سامية للطوارئ ، تكون من بين مهامها التأطير المجتمعي للتعامل مع مختلف الطوارئ كإجراء مناورات تدريبية وورشات تحسيسية عبر الأجهزة الحكومية وجمعيات المجتمع المدني بشكل دوري على مدار السنة ، وأيضا يكون من بين مهامها تدبير المخزون الاستراتيجي للدولة من أدوية ولوجستيك وتكوين الموارد البشرية المتخصصة، ولها ميزانية قائمة للتدبير اليومي العادي وبصندوق خاص ودائم تضخ فيه أموال الدعم المتحصل من الدولة ومن الجهات المانحة….


الكاتب : عبد الكريم جبراوي

  

بتاريخ : 07/04/2020