في لقاء حزبي بمدينة أكادير عبد الحميد جماهري يبسطالخطوط العريضة للمرحلة التنظيمية الراهنة، ويحدد المهام التي تستدعيها الظروف الداخلية والخارجية

مهمتنا العاجلة الأولى، معالجةُ فقدان الثقة الذي بدأ يتسرب إلى نفوس المناضلين، وإقامة الدليل على أن الشعب يستطيع تجنيد نفسه بنفسه دون الحاجة إلى وصي

 

في لقاء حزبي نظمه الفرع المحلي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بمدينة أكادير، مساء الجمعة 14 يونيو 2019، تناول عبد الحميد جماهري،عضو المكتب السياسي،في موضوع”راهن الوضع السياسي ومهام الاتحاد الاشتراكي”معالم المرحلة السياسية الراهنة،وكشف عن ملامح خريطة طريقها،وحدد مهام الحزب، وآفاقه التنظيمية والسياسية.
وألح في بداية عرضه، على ضرورة انخراط كل الاتحاديين والاتحايات لاستعادة المبادرة الحزبية، والتوهج السياسي في هذه المرحلة التاريخية، من خلال تأطيرالشارع الاجتماعي، وطمأنته على مستقبله، وتخليق الحياة السياسية، وإنقاذها مما علق بها من شوائب.
وذكر جماهري بما قاله الشهيد المهدي من أن «مهمتنا العاجلة الأولى، معالجةُ فقدان الثقة الذي بدأ يتسرب إلى نفوس المناضلين، وإقامة الدليل على أن الشعب يستطيع تجنيد نفسه بنفسه دون الحاجة إلى وصي»…
راهن جماهري كثيرا، في كلمته القيمة،على ضرورة تحسين آلة التنظيم الحزبي، لأن بها سيتمكن الحزب من استعادة إشعاعه الوطني، خاصة أن هذه المبادرة التنظيمية الخلاقة، هي التي تميزبها حزبنا منذ تأسيسه، والتي بها استطاع أن يبسط فكرته الاتحادية، ويتغلغل في المجتمع بكل فئاته، ويكتسح جماهيره الشعبية.
وقال في هذا الشأن:”إن مدينة أكادير وساكنتها،كانت- دوما- حاضنة للفكرة الاتحادية منذ عقود من الزمن، بفضل الدينامية التنظيمية والسياسية التي تميز بها إخواننا في الاتحاد الاشتراكي بهذه المدينة المناضلة الشامخة، وبالتالي إذا تحسنت آلة التنظيم بأكادير،فسيتحسن وضعنا التنظيمي كثيرا على المستوى الوطني.
ولهذا،يجب علينا ونحن نحتفل بذكرى مرور 60 سنة على تأسيس حزبنا ،يضيف عضو المكتب السياسي،أن نعيد إلى مقراتنا الحزبية ذاك التوهج التنظيمي والسياسي السابقين،وأن نجعل جميع الاتحاديين المنخرطين و المتعاطفين وعموم الرأي الوطني يعتزون بمقراتنا الحزبية اليوم كما كانوا بالأمس.”
“مهام الاتحاد الاشتراكي زرعُ الأمل مجددا في نفوس المغاربة.”

في حديثه عن مهام الاتحاد الاشتراكي المنوطة به في ظل المرحلة الراهنة، استحضر عبد الحميد جماهري-في هذا الصدد- كلمة الشهيد المهدي بنبركة، التي تلخص كل تلك المهام،وتحدد خريطة الطريق لهذه المرحلة وآفاق المستقبل تنظيميا وسياسيا،مؤكدا أن حزبنا حدد مهامه الكبرى في إعطاء الأمل مجددا لمستقبل الشعب المغربي،كي يتجنب العديد من الانفلاتات التي تعيشها- للأسف- عدة دول عربية.
وذكرأن من مهام حزبنا اليوم داخليا ، التفكيرُ- جديا -في خيبة الأمل، التي تسربت إلى فئات عديدة من المجتمع المغربي اليوم،بحيث كانت من مؤشراتها،احتجاجات عديدة هنا وهناك بالحسيمة وجرادة وورزازات… وكلها تنمّ عن غياب تأطيرالشارع العام،وتقاعس الجميع عن تأطيرالمواطنين. من هنا ألح جماهري، على ضرورة استعادة دورنا التاريخي باستعادة تنظيمنا الحزبي، لأن له مكانته الأساسية في التأطير في الوضع السياسي الراهن.
“القضية الوطنية من أولويات المهام الخارجية للحزب”

وعن مهام الحزب خارجيا،وقف جماهري،عند القضية الوطنية التي تحتل حيزا كبيرا من اهتمامات حزبنا وانشغالاته خارجيا على أكثرمن مستوى، بحيث أسهب حديثه في ذكرحيثياتها وتطوراتها والمآل التي انتهت إليها كل قرارات المبعوثين الأممين السابقين المكفلين بهذا الملف من طرف الأمين العام للأمم المتحدة،مبرزا جميع الخلفيات العلنية والمبطنة التي كانت تحكم تلك القرارات وانعكاساتها الخطيرة على الوضع الأمني بالمنطقة، موضحا -في هذا الإطار- أن من أصعب التقارير،تلك التي وضعها المبعوث الأممي الأخير،والتي تضمنت فقرات مسيئة للمغرب. واستعرض بعضا من تلك الفقرات المسيئة للوحدة الوطنية،حيث أشارالمبعوث الأممي الأخير،في تقريره الموجه إلى مجلس الأمن،إلى تدخل المغرب في عمل المينورسو،وعرقلته لمهامه،بل اتهمه أيضا ببناء جدارسري خلف الجدارالأمني المعروف منذ بداية وقف إطلاق النار.
لكن كل تلك المناورات التي تحاك علنيا وسريا والتي تضمنها التقرير المذكور رفضها مجلس الأمن،لأنها لا ترقى إلى حد إدانة المغرب بتلك الخروقات التي لا توجد إلا في ذهن المبعوث الأممي وفي ذهن من حملوها إليه من خصوم الوحدة الوطنية.
وقال جماهري:”إن من بين الأسباب التي دفعت المبعوث الأممي الأخير إلى تقديم اسقالته، موقفُ المجلس الأمن من تقريره، الذي لم يستند فيه إلى أدلة معقولة،ولهذا لما أدرك المبعوث الأممي في النهاية أن خطته غير ناجحة، قدم استقالته تحت تبريرات صحية،لاسيما وأنه رفض للمغرب مطلبه الواضح بضرورة حضورالجزائر كطرف أساسي في هذه المفاوضات لحل هذا النزاع المفتعل.
وأكد عضو المكتب السياسي أن ملف المغربي قوي في حججه ووثائقه، وصادق في مقترحه الجدي الذي قدمه من أجل إنهاء الصراع والنزاع في الصحراء المغربية، من خلال تقديمه للحكم الذاتي كأرقى مقترح لحفظ ماء وجه جميع الأطراف المتنازعة في هذا الصراع المصطنع.
وأشار إلى أن المغرب رفض كل المناورات التي تحاك ضده من طرف المبعوثين الأممين السابقين، وبادرعلى المستوى الخارجي إلى تنويع استراتيجياته السياسية والاقتصادية بتوقيع مجموعة من الاتفاقيات مع روسيا والصين والهند..
بل أكثر من ذلك، انفتح كثيرا وبشكل إيجابي على الدول الإفريقية، بحيث رجع إلى بيته الأول،لأخذ المبادرة من جديد،بعيدا عن سياسة التفويض التي كان ينهجها سابقا منذ انسحابه من المنظمة الإفريقية، ليبدأ من جديد في ممارسة سياسته الدبلوماسية علانية، موضحا مواقفه الصريحة والعلنية من هذه القضية.
“مهام الحزب داخليا ”

وبعد أن تحدث جماهري بالتفصيل والتدقيق عن حيثيات ملف القضية الوطنية الأولى، تساءل عن مؤشرات مواقفنا الداخلية بخصوص القضايا الكبرى التي عرفتها بلادنا -مؤخرا -داخليا،مشيرا إلى أن المغرب عرف أحداثا كبرى في السنوات الأخيرة من أبرزها حركات 20 فبراير، و انتفاضة الريف ثم جرادة فزاكَورة وورزازات،فضلا عن احتجاجات أخرى اجتماعية فئوية ومسيرات مختلفة غاضبة، بحيث أصبح الشارع مسرحا للتفاوض على ملفات اجتماعية كبرى كالتعليم والصحة والشغل…
وأكد أنه وقعت انفلاتات هنا وهناك بين الفينة والأخرى،مما يستدعي طرح أسئلة وجيهة:
.أين دورالأحزاب والنقابات في كل هذه الحراكات السياسية والاجتماعية؟
. من المسؤول عن إبعاد الأحزاب والنقابات بدورها التاريخي وتحجيم دورها في تأطيرالجماهير؟
. هل يمكن أن يتكهن يوما أي حزب بالمغرب بقدرته على تأطير الشارع الاجتماعي وضمان الاستقرار وحده في هذا البلد؟
إن ما حدث من حركات واحتجاجات-يضيف جماهري-يستدعي أن تلعب الأحزاب المغربية والنقابات دورها التاريخي في التأطير والتوعية والتحسيس،ويتطلب أيضا تخليق الحياة السياسية، لأن “التأطير” و”التخليق” كفيلان بضمان الاستقرار وطمأنة الشعب المغربي على مستقبله.
*”استمرار المصالحة مسألة أساسية لحل كل المشاكل العالقة”

انتقل عضو المكتب السياسي،في عرضه الذي شهد حضورا متميزا من الاتحاديين والاتحاديات إلى حديثه عن المصالحات التي فتحها المغرب منذ حكومة التناوب التي ترأسها المجاهد عبد الرحمان اليوسفي،حيث بفضلها انتقل المغرب إلى تكريس الحقوق الاجتماعية والاقتصادية ،وبناء توجه جديد قوامه التنمية والتعليم والشغل والصحة، وتوزيع الثروة على الجهات، وتثبيت العدالة المجالية.
لكن مع ذلك-يضيف جماهري-مازالت هناك مؤشرات اجتماعية مقلقة و صعبة للغاية، جرّاء تزايد البطالة خاصة في صفوف خريجي الجامعات، وتضاعف عتبة الفقر، وتقلص نسبة النمو، بالرغم من مجهودات بذلتها الدولة لتقليص تلك الفوارق الاجتماعية و المجالية من خلال مبادرة تغييرمعالم التراب، بتنزيل الجهوية المتقدمة، وإعادة ترسيم التراب وتعريفه وتحديده، وتوزيع الميزانيات على الجهات للتأكيد بذلك على أنه لم يعد الفاعل المركزي هوالمتحكم في الاستراتيجيات والميزانيات بناءً على التقسيم الجهوي الجديد.
وذكر أن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، كان سباقا إلى الدفاع عن فكرة التقسيم الجهوي ومشروع الجهوية المتقدمة منذ المناظرة الوطنية، التي عقدت ببني ملال منتصفَ التسعينيات من القرن الماضي.
وقال:”إن كان حزبنا عراب الجهوية منذ أزيد من عقدين من الزمن، فإن قوة سياسية تقدمت بتقسيم جهوي جديد،على مقاس معين،لكن لم تقدر على حل المشاكل الاجتماعية التي تضاعفت اليوم”.واستدل على ذلك، بانتفاضة الحسيمة وجرادة، لأن هذه القوة قدمت نفسها كعراب للجهوية لم تنجح في سياستها ،لأن الجهوية الحقيقية، تقوم على عدالة مجالية من خلال حسن توزيع الثروة على الجهات والمناطق بدون تمييز أو إقصاء.
وهذا ما يطرح علينا اليوم كاتحاديين المساهمة -مجددا -في تصحيح هذا التقسيم، لكن: كيف سنشارك فيه؟طرحنا هذا السؤال، لأنه لا يتعلق بالحنين إلى الماضي وتمجيد الذات والتبجح بكوننا نحن من وضع الاستراتيجية والنموذج التنموي،التي مكنت المغرب من تخفيض مديونيته في عهد حكومة التناوب.
“الحزب منشغل بإيجاد حلول للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية”

وأكد أن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ،إذا كان قد لعب دورا في وضع الاستراتيجيات التنموية في حكومة عبد الرحمان اليوسفي،فإنه منشغل -اليوم – بفضل وطنية أبنائه وكفاءة أطر،بحل كل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي تتخبط فيها البلاد.
وذكر أن من بين المهام التي يضطلع بها حزبنا –حاليا- التفكيرُ في تحديث الإدارة المغربية وتجديدها، بهدف نجاح المخطط التنموي الذي نصبو إليه للخروج من الأزمة الاجتماعية والاقتصادية،إذ بدون إصلاح إداري لا يمكن أن نستشرف المستقبل.
“الإصلاح الضريبي مسألة أساسية لتكريس العدالة الجبائية”

وقال عضو المكتب السياسي :”إن من المهام التي علينا أن نناضل من أجلها، ضرورةُ الإصلاح الضريبي، فلايمكن التخلي عن هذا الإصلاح الذي يدخل ضمن أجندة حزبنا، باعتباره حركة إصلاحية ذات مضمون اجتماعي.
لذلك، علينا أن نحقق الاقتصاد التضامني .وهذا لن يتأتى-طبعا-سوى بإصلاح ضريبي وعدالة جبائية، بالتخفيف من الثقل الضريبي على المقاولات الصغرى والمتوسطة وعلى الفئة المتوسطة التي تعاني من ارتفاع الضريبة على الدخل”.
وشدد جماهري على ضرورة مباشرة هذا الإصلاح الضريبي لأهميته في تقليص تلك الأزمة،مؤكدا أنه لاينبغي أن تركز الضريبة على الأجراء والتجار الصغار والمتوسطين فقط وتلزمهم بالأداء،في حين يتملص منها الكبار. فهذا يعتبرحيفا ضريبيا غيرعادل على الإطلاق، مستدلا بذلك على أن المغرب توجد به 240 ألف مقاولة، لكن 240 مقاولة منها هي التي تؤدي الضرائب بشكل ملتزم، بناء على ما جاء في تقرير وزير المالية الأخير.
واستنتج من خلال هذه الأرقام الرسمية المعلن عنها، أن الرأسمال ليس وطنيا وقاعدة الغش كبيرة جدا،وبالتالي فالدولة متهمة ،بالتواطؤ وغض الطرف عن التجار الكبار المتملصين من الجبايات،إلى أن تثبت براءتها،مضيفا أن المغرب لم يحدد -إلى يومنا هذا -ضريبة معقولة على الشركات والمقاولات الكبرى،خلافا للأجراء وموظفي الدولة الذين يتم اقتطاع ضريبتهم من دخلهم الخام.
واستدل على ذلك بكون الدولة أعفت المنعشين العقاريين من الضريبة، لكن المواطن/الزبون الذي يشتري الشقق من ذاك المنعش، لم يتم إعفاؤه من الضريبة، وهذا تعامل غير سليم في نظر الاتحاد الذي يطالب- اليوم -بإصلاح ضريبي شامل، وبعدالة جبائية تطبق على الجميع بشكل معقول وعادل.
قال عضو المكتب السياسي:”من مهامنا الراهنة، المساهمةُ في إنجاح الحوار الاجتماعي بما يخدم فئات الشعب المغربي وأجرائه وموظفيه، لأن حزبنا قبل كل شيء، قوة سياسية وإصلاحية يستمد قوته من قوة جماهيره”.
وفي الشأن ذاته، ذكر أنه سبق لحزبنا أن تقدم بمذكرات من أجل الإصلاح الدستوري، وقدم مقترحات بشأن ذلك، بعدما ثبت له وجود غياب الثقة بين الفاعل السياسي والدولة، وتأكد لديه من خلال مجموعة من المؤشرات أن مشروع إصلاح الدستور ما بين 1996 و2007،قد استنفدَ ما كان منتظرا منه، مما جعل حزبنا يبادر-يضيف جماهري-إلى فتح نقاش مع حلفائنا حول الإصلاح السياسي، لكنه وجد- في النهاية- أغلب الأحزاب السياسية غير معنية بذلك، لأنها كانت لا تعتبرذلك الإصلاح أولوية من أولوياتها، وهنا ازدادت الأمور صعوبة بأن تضاعفت أزمة الثقة بين الفاعل السياسي والدولة.
واستدل على ذلك، ببروز حركة 20 فبراير،التي واجهت مطالبها جميع الأحزاب، في حين كان الاتحاد الاشتراكي الحزب الوحيد الذي صادق على مطالب هذه الحركة في المجلس الوطني المنعقد في شهر مارس 2011.
نحن نملك كل الشرعية والمشروعية التي يجب طرحها باعتبارنا قوة سياسية، يضيف جماهري، ونملك الشرعية في مناقشة الإصلاحات السياسية والدستورية، والاتحاد لن يتنازل عن هذه المهمة لأنها من أولوياته.
لقد طرحها لما كان في المعارضة، وأعاد طرحها لما أصبح في الحكومة، وطالب بالتدقيق في الإصلاحات الدستورية في حكومة بنكيران، واليوم يطرح المطلب ذاته في الحكومة الحالية، فهو حزب إصلاحي قدره أن يكون ذلك، ويستمر في المطالبة بالإصلاحات السياسية والدستورية.
“الدعوة إلى تحسين الآلة التنظيمية للحزب”

ودعا عبد الحميد جماهري الاتحاديين والاتحاديات إلى تحسين الأداة الحزبية، التي يمكن أن تقوم بمشروع الإصلاح الجهوي والإصلاح الضريبي والإصلاح التربوي والإصلاح السياسي المرتقب.ورأى أن قوة الاتحاد، تكمن -دائما -في تقوية نفسه من أجل مواجهة الواقع المختل، وتحليله، وإيجاد موقع ثالث في القطبية التقابلية التي تسم السياسة الحالية.
فهناك تقابل بين قُوى رجعية محافظة وبين قوى ديمقراطية تحديثية، لكن الميزان المختل، مال إلى فائدة القوى الرجعية، ومن ثمة كانت هناك تعثرات عديدة تعذر معها التوازن في تحقيق إصلاحات في التعليم، وتفعيل الأمازيغية، وتفعيل اللغات.
وحث عضوالمكتب السياسي كافة الاتحاديين على مغالبة أنفسهم من أجل إعادة قوة الحزب تنظيميا وسياسيا، والانخراط في تربية الجماهير وتأطيرها، بهدف استعادة مكانة الحزب في المجتمع، والانشغال بقضايا المغاربة،لأن مشاكلنا الداخلية ليست هي أولويات المغاربة، لذلك علينا العودة إلى مشاكل الناس والفئات المسحوقة والفقيرة، ولعلنا قد لا مسنا هذا الوعي لدى الاتحاديات والاتحاديين بكل جهات المملكة.
وألح على ضرورة تنظيم وهيكلة اليسار المغربي كقوة سياسية بالمغرب، تكون بعيدة عن التجاذبات السياسية المفتعلة، من أجل تكوين تيار ثالث يساري. وهذا يتطلب الجرأة السياسية الاستثنائية. ويتطلب المصالحة مع الذات، وتقديم نقد ذاتي، بعيدا عن النرجسية المقيتة، والأنانية المفرطة التي ساهمت بشكل سلبي في التباعد بين الفرقاء اليساريين.
“الدعوة إلى المصالحة مع الحزب والسياسة والقوات الشعبية”

وختم كلمته القيمة، بحديثه عن المصالحة بحث الاتحاديين والاتحاديات بمدينة أكادير،على أن يبادروا إلى لمّ الشمل، ورص الصفوف، والتصالح مع بعضهم البعض، ومع حزبهم، وتصالح الاتحاديين والعاطفين مع السياسة ومع القوات الشعبية بالعودة إلى قواعدهم الحقيقية التي وجدوا أنفسهم، ولأسباب كثيرة ذاتية وموضوعية، بعيدين عنها، وحثهم على مساندة خطاب الحقيقة التي كانت السمة الأساسية التي ميزت حزبهم منذ تأسيسه إلى الآن.
وعلى الدولة أن يكون تفكيرها حقيقيا ومنبعثا من داخل المجتمع الذي يعرف –اليوم- تحولا ونضجا، وعلى الأحزاب أن يكون خطابها منسجما مع موقع المجتمع، لتجنيب البلاد تصدعات، بنهج سياسة واضحة وشفافة وواقعية، سماتها الأساسية التضامن والنزاهة وتوزيع الثروات بعدل، وترسيخ مبدإ العدالة الاجتماعية بين الفئات والمناطق والجهات.
إن المصالحة الاتحادية مع الحزب والسياسة والقوات الشعبية، مسألة أساسية اليوم-يقول عبد الحميد جماهري-لأنها هي المنطلق لاستعادة التوهج الحزبي تنظيميا وسياسيا، لحزب سياسي كبير له تاريخه و رقعته النضالية. لذلك، يجب أن نضع معايير للمصالحة، بوضع أفكار ومشاريعَ لها، من خلال مأسسة كتلة اتحادية، و مأسسة تدبير الاختلاف والاتفاق.فالمصالحة،،تتطلب الصبر والتفكير، لأنها تتعلق بحزب كبير خلق من رحم الشعب بكل فئاته وتناقضاته، .ومن ثمةَ لا مناص من الاتفاق على وحدة التحليل، ووحدة التفكير، لحل مشاكلنا الداخلية وصراعاتنا الواهية، لاسيما أن من ميزات حزبنا في الماضي، وحدةُ التحليل ووحدة التفكير.
قلت:” إن عودة الحزب ضرورية، لأنه قدم نموذجا اقتصاديا مهما بعد الاستقلال في عهد حكومة عبد لله إبراهيم،ونموذجا تنمويا واقتصاديا واقعيا في عهد عبد الرحمان اليوسفي.
واليوم، يدعو إلى تبني نموذج جديد قوامه ترسيخ الدولة الاجتماعية بالدفاع عن القطاعات الاجتماعية الكبرى كالتعليم والصحة.
ويدعو إلى نموذج واقعي لاغيبي، يتفق عليه جميع مكونات الحكومة الحالية، بإيجاد صيغة واقعية لمشكل المقاصة، وتوزيع الثروة، وتفعيل وإنزال ترسيم الأمازيغية، والعدالة الجبائية، وتوزيع السلطة،وطرح معايير الترشيح في الانتخابات”.
وختم جماهري عرضه القيم بقوله: “مشروعنا الفكري، يوجد -اليوم -في الحقل الديني والسياسي والاجتماعي والاقتصادي”.
وتجدر الإشارة إلى أن هذا اللقاء الحزبي التواصلي، تمكن في افتتاحه بكلمتين:
الأولى ألقاها مسير الجلسة وعضو مكتب الفرع الحزبي محمد شوكري، اعتبرفيها هذا اللقاء يدخل في سياق ترسيخ شعار”البناء وإعادة البناء” الذي تبناه الفرع الحزبي الجديد، الذي استطاع أن يخلق دينامية جديدة، من شأنها أن تسهم في التسريع من وتِيرة إعادة البناء التي ينشدها كل اتحادي واتحادية بالمدينة.
والثانية، ألقاها كاتب الفرع الحزبي محمد طاسين الذي رحب بقدوم عضو المكتب السياسي عبد الحميد جماهري،وبين خلفيات اختيار مكتب الفرع لهذا الموضوع، نظرا لأهميته وراهنيته في هذه المرحلة الصعبة،التي تحتاج لمّ الشمل،ورص الصفوف،والعمل على إعادة البناء للدفع بقاطرة الاتحاد إلى الأمام، من أجل استشراف مستقبل زاهر لكل الاتحاديات والاتحاديين، من أجل بناء الحزب،وبناء الوطن على أسس قوية تقيه مختلف الرّجات.
وذكركاتب الفرع، أن من بين علامات المصالحة الحزبية مع المناضلين والسياسة والقوات الشعبية، المبادرةُ النبيلة التي خلقها الفرع مباشرة بعد تجديد هياكله،التي قام بها في شهر رمضان المعظم، بالقيام بزيارات متتالية لاتحاديين قدماء للاطمئنان على وضعهم الصحي، وسيعقبها تنظيم حفل تكريم كبير لكتاب الفرع الحزبي السابقين في الأسابيع القادمة.
وتفاعل جميع الاتحاديين والاتحاديات بشكل إيجابي مع العرض السياسي التحليليالذي قدمه عبد الحميد جماهري،من خلال مساهمتهم في العديد من المداخلات، تراوحت في عمومها بين طرح الأسئلة والإدلاء بأفكار تدعو كلها إلى استحضار المرحلة، والتفكيرفي البحث عن صيغ تنظيمية وسياسية كفيلة باستعادة الإشعاع الحزبي لحزب كبير لعب دورا كبيرا في الحياة السياسية المغربية منذ الاستقلال إلى اليوم.


الكاتب : عبداللطيف الكامل

  

بتاريخ : 19/06/2019