في يومهن العالمي: تزويج القاصرات يرخي بظلاله على واقع المرأة بالمغرب وزواج «الكونطرا» هارب من القانون

يعرف المغرب تفشيا ملحوظا لظاهرة تزويج القاصرين، وقد سجلت وزارة العدل خلال سنة 2018 32.104 طلبات زواج، مقابل 30.312 طلبا في2016، وخلال الفترة مابين 2011 و2018، حصلت 85 في المئة من طلبات الزواج على الترخيص.

وتشكل الفتيات 94.8 في المئة من مجموع المعنيين بزواج القاصر( 45.786 كما أنّ 99 في المئة من طلبات الزواج كانتْ قدْ همّت الفتيات خلال الفترة 2007 – 2018.
هذه الإحصائيات لاتشمل سوى الزواج الموثق أما مايعرف بتزويج الأطفال عن طريق عقود أو مايطلق عليه إسم «زواج الفاتحة «أو زواج»الكونطرا»، وهو زواج بوساطة «عقود» تبرم بين رجال يعيشون غالبا خارج المغرب وأولياء الفتيات القاصرات، مقابل الحُصول على مبالغ مالية فلا توجد بشأنه إحصائيات رسمية.
تزويج الأطفال ظاهرة عالمية عرفت منذ القدم، في آسيا وأمريكا وإفريقيا وأوروبا وأستراليا، لكن هناك بلدان استطاعت القضاء عليها، سواء من الناحية القانونية أو الفعلية..وقد تم ربط هذه الممارسة بأسباب منها انعدام المساواة بين الرجال والنساء، والتمييزعلى أساسِ الجنْس، والنّزْعة الأبَويّة، ونقص التربية والتعليم، والإقْصاء الاجتماعي والفقر…إلخ. ويقدرالعدد السّنوي لزواج الأطفال،على الصّعيد العالَمِيّ، بحوالَيْ 14.2 مليون، معظمهم من الفتيات.
وحسب منظمة «أنقذوا الأطفال» (Save the Children) غيرالحكومية، فإنّه خلال كل سبع ثوان ترغم فتاة على الزواج.
وببلادنا خصصت أبحاث ودراسات ميدانية عديدة وموائد مستديرة في محاولة للإحاطة بحجم الظاهرة وأسبابها ومسبباتها وكيفية معالجتها والتصدي لها ودعت هذه الأبحاث و الدراسات في خلاصاتها إلى ضرورة محاربتها والقضاء عليها لما لها من تداعيات نفسية وجسدية واجتماعية على الأطفال وعلى الفتيات بوجه خاص، منها دراسة أنجزتها جمعية «حقوق وعدالة» كماسبق للمجلس الاجتماعي والاقتصادي والبيئي بتاريخ 18 يوليوز 2019 ،أن قدم رأيه في نفس الموضوع، وقدم دراسته تحت عنوان: «ما العمل أمامَ اسْتمرار تزويج الطّفْلات بالمغرب؟

تزويج الأطفال وتعارضه مع المواثيق الدولية

لقد صادق المغرب مثله مثل باقي دول العالم على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وهو الإعلان الذي تتعارض مادته 16 مع مثل هذه الزيجات و التي تنص على أنه «للرجل والمرأة ،متى أدركا سنَّ البلوغ، حقُّ التزوُّج وتأسيس أسرة، دون أيِّ قيد بسبب العِرْق أو الجنسية أوالدِّين. ]…[ لا يُعقَد الزواجُ إلاَّ برضا الطرفين المزمع زواجهما رضاءً كاملا لا إكراهَ فيه». يستنتج إذن من هذه المادة أن الزواج القسري هو زواج يعقد ضد ارادة أحد الطرفين والذي يكون في هذه الحالة طفلا قاصرا عاجِزًاعن التّعْبيرِ، عن دراية، عنْ موافقته الواعية والكاملة والحرّة على الزّواج. كما تعتبرالأمم المتّحدة الزّواجَ المُبَكِّر بمثابَة انتهاكٍ لحقوق الإنسان. الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، بدورها، تعرف الطفل بكونه كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة مالم يبلغ سنّ الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق عليه. وهكذا، فإنّ زواج الفتيات،الذي يعتبرعاديًا وشرعيًا في مجتمعات ميزتها اللامُساواة وانعدام احترام حقوق الطفل، يتحول إلى زواج قسْري وإساءة واستغلالا جنسياً للقاصرين وتمييزًا في حقهم في نظرية هذه المقاربة المبنية على الحق.
وفي ما يتعلق بالمغرب فقد كرس من خلال دستوره مبدأ المساواة بين الجنسين وحقوق الطفل وسمو المواثيق الدولية التي صادق عليها على التشريعات الوطنية، وتنص المادة 19 من مدونة الأسرة على أن أهلية الزواج تكتمل « بإتمام الفتى والفتاة المتمتعين بقواهما العقلية ثمان عشرة سنة شمسية.» لكن المدونة تعود وتنص في المادة 20منها على أن «لقاضي الأسرة المكلف بالزواج أن يأذن بزواج الفتى والفتاة دون سن الأهلية المنصوص عليه في المادة 19 أعلاه بمقرر معلل بين فيه المصلحة والأسباب المبررة لذلك بعد الاستماع لأبوى القاصر أو نائبه الشرعي والاستعانة بخبرة طويلة أو إجراء بحث اجتماعي».
هذه المادة تثير التساؤل حول أدنى سن يمكن أن يأذن به القاضي باعتبار أنها لم تحدد السن بالضبط التي يمكن أن يخول فيها القاضي للقاصر الزواج، حيث يمكن أن يرخص بذلك في سن 13 أو 14أو أقل، كما أن نفس المادة تنص على ضرورة البحث الاجتماعي والخبرة الطبية، وهذا المعطى يثير بدوره تساؤلات حول مدى تطبيق هذه المقتضيات خصوصا بالنسبة للخبرة الطبية أو الشهادة الطبية، ففي الواقع و في حالة زواج قاصر بإذن القاضي يكتفي طبيب الصحة العمومية بملاحظة القاصر بالعين المجردة ثم يقوم بملء استمارة يعترف فيها أن الفتاة القاصر مؤهلة للزواج ثم يضيفها إلى الملف، دون أي تشخيص طبي معمق بل حتى البحث الاجتماعي قليلا ما يفعّل، باعتبار الخصاص المسجل في المتخصصين الاجتماعيين الذين يمكن ان يضطلعوا بمثل هذه المهام. إذن فمقتضيات المادة 20 من المدونة تبقى شكلية فقط. كما أن هذا الاستثناء المنصوص عليه في نفس المادة أصبحت المحاكم تلجأ إليه بشكل كبير وعلى نطاق واسع وأصبح قاعدة بعد أن كان استثناء، حسب الأرقام التي تصدرها بين الفينة والأخرى وزارة العدل أو المندوبية السامية للتخطيط و غيرهما من الجهات المعنية بالموضوع.

بنية زواج القاصرات

يعتبر السن هو أهم سمة تميز زواج القاصرات ومن خلال مُعطياتِ المسح الوطني حول السكان وصحّة الأسرة لسنة2018، فقد تبين أنّ 1.7 في المئة من النساء المزوجات لم تتجاوز أعمارهن 15سنة وأن معظمهن زوجن ما بين َ سِنّ 15 و 17 سنة، أي حوال 99 في المئة منهن، وتقسم الدراسة التي أجرتها جمعية «حقوق وعدالة» زواج القاصرات إلى نقطتين، تتعلق الأولى بالسن في ما تتعلق الثانية بتوزيعهم حسب الإقامة والمناطق التي تنتشر فيها مثل هذه الزيجات.
فبالنسبة للسن أكدت دراسة الجمعية أنه ينخفض إلى 14 سنة، وعلى اعتبار أنه ليس لبعض هؤلاء القاصرات حالة مدنية يتم استنباط سنهن من تصريح الأبوين ومن بنيتهن الجسدية، وحسب نفس الدراسة فقد حددت سن القاصرات اللواتي تزوجن من2007 إلى 2018 في مايلي:
– 359بالنسبة للفتيات في سن14 أي نسبة87، 0في المئة من القاصرات المتزوجات.
– 2773 بالنسبة للفتيات في سن 15 بنسبة 7،6 في المئة.
– 11143 بالنسبة للفتيات في سن 16 أي بنسبة 26.91 في المئة.
– 27143 بالنسبة للفتيات في سن 17 أي بنسبة 65.52في المئة.
أما بخصوص مكان ممارسة هدا النوع من الزيجات فقد أشارت الدراسة إلى أنه على مدى 12 سنة(2007+2018) كان عدد طلبات الزواج بالوسط القروي أعلى منه في الوسط الحضري.
كما أبرزت الدراسة الميدانية لجمعية «حقوق وعدالة» أن جهة الدارالبيضاء-سطات هي الأكثر تأثرا بتزويج القاصرات بنسبة 19.86 في المئة، موضحة أن 8.14 في المئة من الفتيات المُستجوبات تزوجن عن 14 سنة، وهو رقم يتمركزفي جهتي الدارالبيضاء-سطات والرباط-سلا-القنيطرة.
ووفقا للإفادات الميْدانية التي استقتها الجمعية، فإن 51.47 في المئة من الفتيات القاصرات تزوجن في سنّ السابعةعشرة، و29.15 في المئة تزوّجن عن ست عشرة سنة، و11.24 في المئة كان عمرهن لايتعدى15سنة.

الأسباب المؤثرة
في زواج القاصرات

لايزال العالم القروي ببلادنا يعرف هيمنة كبيرة للأب أو الأخ على بنية الاسرة، كما بالحواضر بالدورالصفيحية، حيث تكون لهما الكلمة النهائية في تحديد مصير الأبناء والفتيات على وجه الخصوص، اللواتي يتم تزويجهن دون إرادتهن في مثل هده الأسر التقليدية، كما تمت ملاحظة تواصل تزويج الفتيات عن طريق «الكونطرا» التي يبرمها ولي الأمر، مع شخص يقطن غالبا خارج أرض الوطن مقابل مبالغ مالية في ما يشبه صفقة تجارية تكون فيها الفتاة هي السلعة في انتفاء تام لإنسانيتها وفي خرق بشع لحقوقها الإنسانية، وهذه الممارسة المخالفة للقوانين تغيب بشأنها أرقام وإحصائيات دقيقة، وتعتبر الأسر أن تزويج بناتهن في سن مبكرة هو وسيلة لحمايتهن ووقايتهنّ من الفقر والحاجة وتوفير الأمْن لهن وصوْن شرف الأسرة والمجتمع، كما تعتبرها من وسائل المُراقبة الجنسية للفتيات، والابتعاد عن «مخاطر» العلاقات الجنسيّة والحمْل خارج إطار الزّواج، ووسيلة من وسائل المُحافظة على الممتلكات العائليّةأوالزيادة فيها، وإقامة تحالفات قَبَلية وعائليّة وعشائرية.

المستوى الدراسي للفتيات القاصرات

يعتبر ضعف التعليم أو انعدامه لدى الفتيات القاصرات من السمات الأساسية التي تميزهن، وفي المسح الذي قامت به جمعية «حقوق وعدالة» تبين أن معدل متوسط التمدرس لدى المُستجوبات يصل إلى 34.64 في المئة بالوسط القروي مقابل 84.06 في المئة بالوسط الحضري، ونصف المُستجوبات لم يلجن يوما أقسام المدرسة (48.70 في المئة).
نفس الدراسة أوردت أن نصف الفتيات القاصرات لم يتجاوزن السلك الابتدائي، بينما 75.88 في المئة منهن تابعن دراستهن إلى حدود السلك الثانوي الإعدادي، و24.12 في المئة بلغن السلك الثانوي التأهيلي،في حين ترتفع هذه النسب في الوسط القروي،لتصل إلى 54.98 بالنسبة للفتيات اللائي يغادرن المدرسة في المستوى الابتدائي و79.1 في المئة بالنسبة إلى القاصرات اللائي بلغن السلك الإعدادي.

الوسط العائلي

يلعب الوسط العائلي الذي تعيش فيه القاصرات دورا أساسيا في الإسهام، بشكل ملحوظ، في تفاقم الظاهرة، وفي هذا الصدد أظهرت الدراسة أن86.47في المئة من آباء وأمهات الفتيات القاصرات مازالواعلى قيدالحياة، مقابل 13.53 في المئة غادروها، كما أن 6.27 فالمئة من الأمهات تطلّقن بصفة رسمية بعدما تزوجن أيضا دون بلوغ سن الرشد، في حين توجد عائلات تخلى عنها الزوج دون أي طلاق رسمي، مع التأكيد على أن أكبر نسب الطلاق تتمركز في جهتي طنجة-تطوان-الحسيمة والدارالبيضاء-سطات.
و بخصوص المستوى الدراسي لأهالي الفتيات القاصرات فقد أوردت الدراسة أن 74.35 في المئة منهم أميّون، يتمركزون بشكل خاص في جهتي الدارالبيضاء-سطات ومراكش-آسفي، بينما الأمهات اللائي تزوجن أيضا دون بلوغ سن الرشد حينئذ يُقدرن بـ71.96 فالمئة، تتوزع بين 58.92 فالمئة بالوسط الحضري و78.53 في المئة بالوسط القروي، وتأتي جهتا الدارالبيضاء-سطات ومراكش-آسفي في الصدارة.
وحسب نفس الدراسة فقد صرّحت الفتيات القاصرات بأن أمهاتهن تزوجن خلال فترة عمرية تتراوح بين 15 و18 سنة (معدل 43.39 في المئة)،حيث يصل «زواج الفاتحة» لدى هذه الشريحة المجتمعية إلى 33.89 في المئة، مقابل 62 في المئة من الزواج الموثق أمام المحاكم.
أما آباء الفتيات القاصرات،فتُبرزالدراسة أن 75.72 في المئة منهم يزاولون عملاً مؤدى عنه،ويشكل العالم الحضري ماقدره 77.66 في المئة و74.63 في المئة بالعالم القروي، بينما الآباء العاطلون عن العمل يناهزون 23.14 فالمئة،على أساس أن البطالة تتمحور في جهتي الدارالبيضاء-سطات وفاس-مكناس.
بعد الزواج تعيش الفتيات إما مع أسرة الزوج أو في مسكن مستقل مع الزوج ،وتشير إحصائيات الجمعية إلى أن 32.02 في المئة من الفتيات القاصرات يقطنّ لدى عائلة الزوج، و45.32 في المئة يسكُنّ في محل سكني يمتلكه الزوج، و20.69 في المئة يقطنّ في محل مُكترى من لدن الزوج.
العيش مع عائلة الزوج يتسم، في أغلب الأحيان، ببروز مشاكل يومية تعاني منها القاصر، تصل في مرات متعددة إلى الاعتداء الجسدي والمعاملة السيئة من لدن عائلة الزوج، حصوصا بالوسط القروي، التي تعتبر زوجة الابن الصغيرة بمثابة خادمة أو مساعدة لربة البيت أي( أم الزوج)، وتوكل إليها أعمال منزلية شاقة ويومية، وإن لوحظ أي تقصير من لدنها فإن المشاكل تبدأ في الظهور، وقد تصل إلى تطليق القاصر في مدة قصيرة وإعادتها إلى أسرة أبيها مثل أي بضاعة كاسدة دون أن يكون لها حق الشكوى.
ووفقا لبيانات المحصل عليها في الدراسة فقد أكدت أن 27،38في المئة من المبحوث معهن يحافظن على علاقات جيدة مع الأسرة فيما أكدت 80،17 في المئة أن الأمر مختلف بالنسبة لهن في المقابل أكدت 93،43 أن العلاقة طبيعية.

العوامل المفسرة لتزويج القاصرات

تساهم عدة عوامل في تفاقم الظاهرة وتنقسم إلى عوامل اقتصادية وأخرى اجتماعية ويعتبر الفقر والهشاشة أهم العوامل الاقتصادية التي تشكل دافعا نحو الزواج المبكر خاصة بالوسط القروي ، لأن هاجس تقليص عدد الأفواه المحتاجة للإطعام في الأسرة والفائدة التي ستجنيها من الصداق يدفع هذه الأسر إلى تزويج بناتها بشكل مبكر، ثم هناك عامل عدم التمدرس الدي يفاقم بدوره، حسب منظمة اليونسف، الزواج القسري.
فالفتيات اللواتي لم يتلقين تعليما جيدا هن عرضة للزواج المبكر قبل سن البلوغ، غياب الحالة المدنية عامل آخر يسهم في هذه الظاهرة حيث إن الشخص غير المصرح به رسميا ليس له اسم أو تاريخ أو مكان ازياد أو أصل، ومن النقط السوداء أن 682،83 مغربيا غير مصرح بهم في الحالة المدنية ابتداء من 31 ماي 2018، وغياب ها التصريح يؤثر على القاصر التي سيتم تزويجها عرفيا بعيدا عن أي مراقبة رسمية، أما العوامل الثقافية فتتمثل في سلطة الأب و الأخ وهيمنة المجتمع الذكوري.
لزواج القاصرات نتائج كثيرة وسلبيات شتى منها التخلي عن الدراسة، حمل المراهقات، العنف الزوجي ووفيات الرضع والأمهات القاصرات. و قد خلصت دراسة جمعية «حقوق وعدالة» إلى ضرورة محاربة الظاهرة والقضاء عليها، سواء تعلق الأمر بالسلطات الحكومية أو المجتمع المدني أو الهيئات الدستورية المستقلة مثل المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أو المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وقدمت حلولا منها الغاء استثناء سن 18 سنة معتبرة إياه في طليعة الحلول التي يجب العمل بها أو الإبقاء عليه مع إحاطته بتدابير وقائية، كما دعت الدراسة إلى ضرورة محاربة زواج الفاتحة الذي لا يزال مستمرا بشكل جلي خصوصا في العالم القروي .
وفي الأخير شددت على ضرورة أن تساهم السياسات العمومية في القطع مع زواج القاصرات عن طريق محاربة الفقر وفك العزلة عن المناطق الجبلية وتحسين التعليم وتحسين الحماية الاجتماعية والصحية وإتمام تعميم الحالة المدنية وتنظيم حملات التوعية بالنسبة لجمعيات المجتمع المدني .


الكاتب : إعداد: خديجة مشتري

  

بتاريخ : 07/03/2020