قال إن اللغة الأدبية لم تعد كافية أمام ازدحام العالم رفعت سلام: أرفض البنية الأحادية في الشعر وأميل الى التكسير

اعتبر الشاعر والناقد صلاح بوسريف، استضافة المعرض الدولي للكتاب والنشر لواحد من أعمدة الشعرية العربية الحديثة رفعت سلام، لحظة شعرية استثنائية للإنصات الى صوت شعري مختلف، بصم تجربته الشعرية منذ بداياته بميسم التجديد والخلق الشكلي والمضموني رفقة جيل السبعينات بمصر. ورأى بوسريف أن اختلافه يتأتى من كونه يخرج عن سياق المشهد الشعري العربي بكتابة شعرية لا تنتمي الى ما نعتبره بالضرورة قصيدة، مشيرا الى أن شعره يجاور ويتصادى مع مختلف أجناس الكتابة الابداعية ، ولا يقف عند حدود اللغة بل يخرج عن اللغة باللغة وبما لا علاقة له باللغة، أي الرموز والإشارات والأشكال والرسوم والفراغات وعنصر التفضية، أي أنه شاعر يجعل العين الى جانب اللغة تمرح في الصفحة، ما يجعلنا أمام قراءة جديدة للشعر ترى أن الإيقاع ليس بالضرورة ما تخلقه اللغة، بل ما تخلقه العين أيضا.

وأضاف بوسريف أن صاحب «هكذا قلت للهاوية» حاول منذ ديوانه الثاني أن يشتغل على مشروع يمكن أن نطلق عليه «المخيف والصعب» في الكتابة الشعرية لأن شعره يتخلق في اللحظة ذاتها، ولا يخضع لنمط أي أنه لا يستحضر مثالا أو نموذجا، ولأنه يؤمن بأن عنصر الكتابة في الشعر هو أحد العناصر الاساسية المرتبطة بمشروع الشعر العربي اليوم، لافتا الى أن رفعت سلام واحد من الشعراء الذين يجرون اليوم الشعر نحو الكتابة.
وفي سياق الحديث عن سمات تجربة رفعت سلام الشعرية، وقف صلاح بوسريف على أن تجربة هذا الأخير تنصت الى البياض والفراغ والى اللغة وهي تُكتب، مضيفا أنه شاعر يحرص على تقييد الانكتاب في النص، ويعمل على التحلل منه حتى لا يترك اللغة تكتب نفسها في غياب الشاعر.
سلام الذي ينتمي الى جيل السبعينات المتمرد الذي اخترق المشهد الشعري المصري عن طريق المجابهة ، بدءا من طريقة الطبع والتوزيع الفردي والخاص خلال التظاهرات الثقافية، أسس مع شعراء الحساسية الشعرية الجديدة بمصر آنذاك مجلة «إضاءة77» وبعدها «كتابات» لفتح الطريق أمام كتابة شعرية جديدة، أعادت النظر في الكثير من المسلمات الشعرية التي كانت سائدة مع جيل الستينات .
ولأن تجربة سلام تتصادى وتنصت الى كل الحساسيات المجايلة والقادمة، عكس المقاومات التي تلقاها رفقة جيله، فقد تمكن من تطوير تجربته الشعرية، هو الذي يؤمن بأن لا يقينيات ولا مسلمات في الشعر، بل ظل مؤمنا بأن الممكن في الشعر هو اللغة التي نستطيع داخلها أن نخلق لغة أخرى، وهو الأفق الذي نخرج منه الى أفق آخر، وهو المدى البعيد الذي يمكن الذهاب به إلى شعريات مغايرة ومختلفة.
من جهته عاد الشاعر والمترجم المصري رفعت سلام بالحديث عن تجربته الشعرية الى منابع البداية، أي بداية السبعينات التي شهدت بوادر ظهور جيل جديد في الشعرية المصرية، جيل يكتب شعرا مختلفا عن السائد مع ما خلفه ذلك من صدام مع قامات شعرية كانت لها الريادة في الستينات يمثلها كل أمل دنقل، صلاح عبد الصبور، أحمد عبد المعطي حجازي، محمد عفيفي مطر، وهو الصراع الذي استمر الى منتصف الثمانينات، حيث تم الاعتراف بالأصوات الشعرية الجديدة التي كان يمثلها سلام رفقة حلمي سالم ، عبد المنعم رمضان.. قبل أن يجترح كل واحد منهم لنفسه مسارا شعريا مختلفا.
وفي سياق حديثه عن أعماله الشعرية، لفت رفعت سلام الى أنه اختار بعد ديوانه الأول الاتجاه الى كتابة القصيدة الواحدة ضمن عمل كامل كتجربة شعرية اختار التجريب داخلها، عبر اختيار الاشتغال على بنية نصية قائمة على أجزاء داخلية أو مقطوعات، وليس قصائد منفردة، وموضحا أن النص الممتد الذي يكتبه يتضمن عدة أصوات، كل واحد منها يتحدث بلغته ورؤيته للعالم.
وأبدى صاحب» وردة الفوضى الجميلة»و» أرعى الشياه على المياه» رفضه للبنية الأحادية في الشعر التي تختزل نفسها في الأنا الشعرية ولا تستوعب الأصوات المتعددة التي تتشابك وتتضارب في الذاكرة أو في الشارع.. الأصوات الحالمة ..الصاخبة.. الهامسة، التي تتجاور فيها الفانتازيا والحلم والخيال، مشيرا الى أنه حاول في أعماله ترجمة هذا التشابك. وفي هذا السياق، اختار تكسير أحادية الصفحة واستثمار الفراغ كما حصل في ديوانه «إشراقات رفعت سلام» حيث استثمر الهوامش المحيطة بالمتن للسخرية حينا أو للتعليق والمعارضة أحيانا، وكل ذلك بغاية تقديم عالم يضج بالتناقض والتشابك، لأن اللغة الادبية في نظره لم تعد كافية أمام ازدحام العالم، وهو ما جعله يقدم على مغامرة شعرية جديدة في 2008 في ديوانه «حجر يطفو على الماء» الذي تخللته رسومات من إنجازه، لها وظيفة شعرية، مضيفا أنه كان مؤمنا بأن هذا التمازج اللغوي – البصري- التشكيلي سينتج تركيبة مغايرة، تجعله بمنأى عن اجترار ما سبق في كتابته، مشيرا الى أنه ينتبه في كل مغامرة شعرية جديدة الى تقديم الجديد للقارئ، الجديد من حيث العمق والإضافة والتجاوز.


الكاتب : حفيظة الفارسي

  

بتاريخ : 16/02/2019

أخبار مرتبطة

743 عارضا يقدمون أكثر من 100 ألف كتاب و3 ملايين نسخة 56 في المائة من الإصدارات برسم 2023/2024   أكد

تحت شعار «الكتابة والزمن» افتتحت مساء الأربعاء 17 أبريل 2024، فعاليات الدورة الرابعة للمعرض المغاربي للكتاب «آداب مغاربية» الذي تنظمه

الأستاذ الدكتور يوسف تيبس من مواليد فاس. أستاذ المنطق والفلسفة المعاصرة بشعبة الفلسفة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ظهر المهراز ورئيسا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *