قصة : رقصة الظلام

 

بين طيات الامسيات التي أنساها الزمن .استفاقت جفون ليل دام باحدى الازقة المنسية وعلى طول الرغبات المدفونة بزواياه والصبحات المكمومة والهمهمات المتسللة وقعت احدى الخطى بين عثرات الظلام الدامس حيث التهم الصمت ألسنة الوجود وأحرقت سهامه أفواه الموت .
سارت متواطئة الخطى غير ثابتة في مسار أعوج ..مرتدية فستانا أسودا قصيرا بجوربين يكشفان عن ساقين نحيفتين بيضاوين ..لمع أحمر شفاهها فكشف عن شظايا زجاج محطم بالزقاق وعطر شد أنوف الاركان القابعة وراء حاويات الازبال فهبت تستنشقه .اتمت المسير حتى نهاية الزقاق ثم دلفت في نهايته وفجأة انكسرت زجاجات الصمت وحل محله ضجيج عارم لا تميز فيه بين الموسيقى والاصوات الصاخبة ..كان أشبه بهيجان بحر حانق .
انصهرت بين الحشود انسل ظلها بعيدا حيث سقطت بقعة ضوء صريعة فهب اليها يقتات على اخر قطرات النور السائلة من جرحها ..وبين الوجوه الملتحمة بالوجوه وشبه اشكال الاجساد التي تحركها حبال الشبق وتضرم النيران في ارواحها الجوفاء انزوت بنفسها وطلبت مشروبا كما اعتادت كل ليلة وكأسا بعد كأس ..رشفة بعد رشفة دنا الظلام منها وطلب رقصة ..هزت رأسها ببسمة وعيونها بنظرة وشفاهها بقبلة وارتمت بين ذراعيه وأحضانه .كيف لاحضانه ان توصف انها جرح فاغر تسيل منه الدماء في خطوط عريضة تخلق منه على هيئة البشر ..عيونه ينسل منها البريق كالخناجر حادة النصول تخترق جسمها الواهن وتدب في أنفاسها حتى ترميها على قارعة المجهول .
كانت في الماضي جاثمة وراء ذكرياتها الفوضوية ومتمنياته القوية وتهتف صارخة من تلك الاعماق لكن صوتها لا ينفذ الى العالم ولا تسمعه الاذان ولا يسرع الفجر بالحلول ولا تنتهي أوهام الليل المقتول.. ظلت ترقص وترقص خطوة الى الامام خطوة الى الوراء أطبق يديه عليها اكثر فاكثر وكان الزمن ثملا مترنحا لا يبالي فتجمد الوقت وصارت كالدمية تراقص ذلك الشبح الخبيث الذي يسجنها .
على غفلة من تلك الاطياف الشاحبة افترق قبس من نور فهب يحرق الاطياف فاحترقت وعاد الصمت من جديد .


الكاتب : شيماء بونوار

  

بتاريخ : 10/12/2018

أخبار مرتبطة

  على الرّغم من أن رولان بارثRoland Barthes، منذ أواسط ستينات القرن الماضي، أي في مرحلته البنيوية، كان قد أعلن

  الرواية الأولى كانت حلمٌا جميلا في البداية، ولكن ما إن صحوت منه حتى تحول إلى كابوس يقض المضجع، يسرق

ندوة حول «التاريخ وقيم المواطنة» بكلية الآداب بالمحمدية تنظم الجمعية المغربية للمعرفة التاريخية، بشراكة مع كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالمحمدية،

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *