كتاب لصمويل هنتنجتون بترجمة جديدة بعد نصف قرن على صدوره

يحظى كتاب «النظام السياسي في مجتمعات متغيرة» لمؤلّفه الأميركي صمويل هنتنجتون صاحب كتاب «صراع الحضارات» ذائع الصيت، بأهمية خاصة جعلته واحداً من «كلاسيكيات العلوم الاجتماعية، في أواخر القرن العشرين»، حسب فرنسيس فوكوياما، الذي صدَّر للكتاب بمقدمة قال فيها: «إنه لشرف عظيم لي أن أكتب التصدير لطبعة جديدة ورقية من كتاب صموئيل هنتنجتون».
وعلى الرغم من مرور قرابة نصف قرن، على صدور الكتاب، للمرة الأولى، إلا أن تفنيد نظريات التحديث، التي سبقت ورافقت تأليف الكتاب، جعل هنتنجتون يظهر بمظهر المتحدِّي لمنظَّرين في الاجتماع السياسي، حتى الآن، عندما رأى أن وجود النظام السياسي ضرورة للتطوير الاقتصادي والتطوير الاجتماعي، على اعتبار أن التطوير الاقتصادي والتطوير السياسي «ليسا جزءاً من عملية تحديث واحدة تؤخذ على أنها قطعة واحدة» كما ورد في استنتاج لفوكوياما الذي اعتبر أن كتاب هنتنجتون قد «أصاب نظرية التحديث في مقتل».
ويعطي فوكوياما مثالاً استقاه من الثورة الإيرانية الخمينية، كنموذج لما يمكن حصوله إذا كان الحراك الاجتماعي يسبق التحوّل إلى مؤسسات سياسية. حيث ربط بين تحديث «سريع ومفرط» اصطدم مع قوى تقليدية فاعلة، وظهورِ الراديكاليين الإيرانيين الذين سيطروا في ما بعد على مقاليد السلطة في إيران باعتبارهم «ثورة إسلامية».

المؤسسة السياسية يمكن أن تتحقق بدون ديمقراطية
مغزى كتاب «النظام السياسي» الذي رصد متغيرات سياسية ودولية وفكرية وايديولوجية واسعة، وربط ما بين التغيير والاستقرار المؤسسي، إلى حد بعيد، يتمحور في شكل خاص، على كون التطوير السياسي يمتلك منطقه الخاص والمستقل عن التطوير الاقتصادي، على خلاف نظريات كثيرة سبقت وعاصرت هنتنجتون، كانت ترى إمّا وحدة بين هذه التحولات، أو ترابطاً ما، أو علاقة سببية تمنح أولوية للاقتصاد على حساب التطوير السياسي. وهو الأمر الذي نقضه المفكر الأميركي، بإسهاب، في كتابه الذي صدرت ترجمة جديدة له عام 2017، عن دار التنوير، وبـ 559 صفحة من القطع الكبير، ونقله إلى العربية الدكتور حسام نايل، بترجمة سلسة وإيضاحات وحواشي، ساهمت بإزالة أي لبس يمكن حصوله في حالة نقل المصطلح، أو بعض السياقات الكتابية، من الإنجليزية إلى العربية.
لقد صدم هنتنجتون أبناء جيله من المثقفين الأميركيين، بصفة خاصة، والغربيين، بصفة عامة، عندما أكّد أن تطوّر الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد السوفييتي، من الناحية السياسية، كان على «قدم المساواة»، وعندما أشار إلى أن «المؤسسية السياسية» يمكن أن تتحقق بدون «ديمقراطية». على اعتبار أن النظام السياسي والديمقراطية «لا يتوقف أحدهما على الآخر، بالضرورة». حسب ما أشار فوكوياما في تصديره الذي انتهى فيه إلى أن كتاب «النظام السياسي في مجتمعات متغيرة» قد يكون «المحاولة الأخيرة الجادة لإنتاج نظرية كبرى في التغيير السياسي».
ويقول هنتنجتون في هذا السياق: «في الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى والاتحاد السوفييتي، أنظمة حكم مختلفة، كلّها تمارس الحكم، وفي كل بلد منها، يوجد مجتمع سياسي يحقق توافقاً شاملاً فيما بين الشعب على شرعية النظام السياسي». مؤكداً أن في تلك البلاد، توجد «مؤسسات سياسية قوية ومتماسكة وقادرة على التكيّف».
النظام الفكري الذي يحكم هنتنجتون، يقوم على مبدأ «المؤسسة السياسية» بغض النظر عن المسميات التي يستتبعها إطلاق وصف «مؤسسة» على كيان سياسي ما، إذا كان ديمقراطياً أو غير ديمقراطي. وهو في ذلك يرى سلطة فاعلة للتأسيس السياسي الذي سبق وجعله يمتلك منطقاً خاصاً منفصلاً عن النظام الاقتصادي.

تغيير أجيال القيادة يعزز الطابع المؤسسي
ويحدد هنتنجتون معايير لإضفاء الطابع السياسي «المؤسسي» بدءاً من ضرورة وجود اجتماع سياسي توافقي يعتمد على «قوة التنظيمات والإجراءات السياسية في المجتمع». ثم يحدّد ما يسميه «القابلية للتكيف» باعتبار القدرة على التكيف ترفع «درجة الطابع المؤسسي» وكلّما زاد تصلّبه «انخفض مستوى طابعه المؤسسي».
لكن، هل تكفي المرونة وعدم التصلّب لإضفاء الطابع المؤسسي، على جهة أو تنظيم أو مؤسسة؟ يحدّد هنتنجتون ثلاث وسائل يمكن من خلالها قياس عمر تنظيم، تتعلق بالزمن، ثم بالأجيال، ثم بالوظيفة.
فمن جهة الزمن، يؤكد المؤلف أنه كلما طال أمد وجود تنظيم ما أو «إجراء ما»، ارتفع مستوى طابعه المؤسسي». مشيراً إلى أنه كلما كان «التنظيم أقدم» كلما كان وجوده مرجّحاً في فترات زمنية لاحقة.
أما المقياس الثاني لقابلية التكيف وإضفاء الطابع المؤسسي، فيحدده بعمر الأجيال، والقدرة على استبدال قادة بآخرين. ويوضح المؤلف دلالة وجود القيادات من أجيال جديدة في الحكم باعتبار أن «إحلال مجموعة من القادة محل مجموعة أخرى، مثلا للتغلب على أزمة انتقال السلطة» ستكون أمراً «هاماً من حيث قابلية التكيف المؤسسي، لكنه ليس كأهمية تغيير أجيال القيادة، أي إزاحة مجموعة من القادة بمجموعة أخرى ذات تجارب جدّ مختلفة».
إلا أن المؤلف يرصد حالات «لأحزاب سياسية وأنظمة حكم» بقيت لعقود تحت «قيادة جيل واحد»، مشيراً إلى أن مؤسسي التنظيمات «سواء أكانت أحزاباً أم أنظمة حكم أم نقابات» هم «شبّان في الغالب».
وبعد تأكيده على أهمية حلول قادة جدد، من أجيال جديدة، مكان قادة سابقين، كمؤشر لصحة الانطباع المؤسسي، يحدد الوسيلة الثالثة للحكم على ذلك الجسم السياسي أو التنظيم، وهي «النواحي الوظيفية». معتبراً أن «التنظيم المتكيف مع التغييرات الطارئة على بيئته، فينجح في إدخال تغيير أو أكثر ضمن وظائفه الرئيسية» وبذلك يكون «طابعه المؤسسي أعلى».


الكاتب : عهد فاضل

  

بتاريخ : 16/11/2017