كتب لها وقع، القنبلة: الوجوه المتعددة للنساء الإرهابيات للكاتبة مايا بلومالباب

كان يا ما كان في قديم الزمان في مكان ما من هذا العالم المعمور كان هناك مسلمون ويهود ومسيحيون عاشوا مع بعضهم البعض، وشكّلوا حضارة استثنائية تنبض بالحياة. قد تبدو هذه القصة إحدى الحكايات الخرافية بالنسبة للأوقات المضطربة التي نعيشها حاليًا. وما يزيد هذه القصة إثارة وغرابة هو أنها قصة حقيقية تعجّ بالشخصيات البارزة والدروس التي تدعو للتأمل في زماننا هذا، بالإضافة إلى الإنجازات الفريدة والعثرات أيضًا.

تقدم لنا الكاتبة دراسة حالة «الكشافة» بين المسلمين الفلسطينيين التي تعدّ إحدى الردود على الاضطهاد الإسرائيلي. وكما في الحالات الأخرى فإننا نرى هنا تشكيل شبكات من أعمار متفاوتة حيث يعدّ الذين يموتون في سبيل قضيتهم شهداء، ويتم تعليم الأولاد على تبجيلهم وتبجيل أهدافهم، لأنهم مقاتلون في سبيل الحرية. إلا أن صورة العديد من النساء الفلسطينيات المشتركات في المنظمات العنيفة تختلف عن صور نساء أخريات عديدة. وتشكل النساء الانتحاريات في حزب العمال الكردي الذي ينشط في تركيا والجماعات (المماثلة) في سيريلانكا و الشيشان نسبة ضخمة من الانتحاريين بشكل عام (40% و25% و43% على التوالي) مع أنهن يلعبن أدوارًا صغيرة في التخطيط للعمليات، ويتم تدريبهن تدريبًا قليلاً أيضًا (ص 137). وتصور الكاتبة النساء في الجماعات الفلسطينية التي تستخدم العنف كوسيلة وهنّ على درجة عالية من الثقافة والاشتراك في رسم الإستراتيجيات والحرب الأيديولوجية العقائدية.
ويركز الفصلان الخامس والسادس على «الانتحاريين المستقبليين» من خلال دراسة حالة المشاركين في جماعة النمر الأسود BLACK TIGER من بين الجماعة التاميلية الهندوسية HINDU TAMILS في سيريلانكا والجماعة الإسلامية اللتان تشكلان «روابط أساسية» وتسعيان لتشكيل نموذج معين من الدولة المسلمة في إندونيسيا وجنوب شرق آسيا. وتواجه النساء في هذه الأمثلة اضطهادًا جنسيًّا أشد ضمن ثقافات أوطانها الأم تمامًا كالمجتمعات المماثلة لدراسة الحالة الأولى في الشيشان من حيث السلطة المتعلقة بالجنس البشري (الذكور أو الإناث) فأدوارهن في شبكات الإرهاب تقوم على تربية المحاربين وتعليمهم بحيث يقمن بنقل الأيديولوجية القومية والدينية إلى الجيل التالي. وغالبًا ما يتم المتاجرة بهن كما لو كن بيادق شطرنج، وتتزوجن من عملاء سريين لضمان علاقات أسرية أقوى بين أفراد المنظمات. ويلعب الاغتصاب والترمل أدوارًا مهمة بالنسبة للانتحاريات في هذه الجماعات، كما في الشيشان، حيث يضع الاغتصاب المرأة خارج حدود المجتمع. ويصبح الانتحار من خلال التفجير خيارًا في هذه الحالات، حيث يتم بيع النساء أو خطفهن في الغالب من قبل عصابات إرهابية؛ وهكذا ترى هذه النساء الانتحار كوسيلة جذابة نسبيًّا لتخليص أنفسهن. ويعد الاغتصاب تهديدًا مستمرًا للنساء اللاتي تعانين من الاحتلال، ويعتمد قادة الجماعات الإرهابية على ذلك لتجنيد النساء اللاتي عانين من هذا العنف. ويعد اغتصاب النساء في مجتمعاتهن الخاصة إحدى الإستراتيجيات أيضًا التي تستخدمها العديد من جماعات المقاومة العنيفة لثبوت فائدته كأداة تجنيد فعالة.
وتقدم آخر دراسة حالة في هذا الكتاب تحليلاً للقاعدة ونمو شبكات الجهاد العالمية. وتركز الكاتبة هنا على أدوار النساء «كمجنِّدات ومروّجات». ومع أن النساء ما تزال غير مسؤولة عن اتخاذ القرارات، إلا أنهن قد أظهرن فعاليتهن في إيصال الرسالة، وجذب أناس أكثر إلى الجماعات المتطرفة من خلال استعمالهن الإنترنت على وجه الخصوص.
تقدم الكاتبة في كتابها «القنبلة» نظرة واضحة عن المكانة المعقدة والمتغيرة للنساء في الجماعات الإرهابية في مختلف المناطق والصراعات؛ إذ تختصر قائلة: «تقدم الصور النمطية عن الجنسين جزءًا من التفسير؛ ويقدم الاحتلال جزءًا آخر، ويقدم الدين جزءًا ثالثًا». وتعدّ الصورة الكلية لدوافع النساء لهذه الأعمال وانضمامهن في تلك الجماعات «خليطًا معقدًا من العوامل الشخصية والسياسية والدينية تطلق شرارتها محرضات مختلفة في أوقات مختلفة» (ص235). وتلاحظ الكاتبة من خلال نظريتها عن الدوافع الأربع التي تبدأ بالحرف «R» باللغة الإنجليزية بأن السبب الذي يقدم للنساء مرارًا كي تلتحقن بالجماعات الإرهابية هو الثأر REVENGE» لموت أحد أفراد العائلة». وفي السياق الأيديولوجي، حيث تعيش النساء فإن بعضهن تفكر بالخلاص REDEMPTION من خطايا الماضي، وعادة ما تأخذ هذه الخطايا شكل العلاقات الجنسية التي قد تكون من اختيارهن في وقت سابق، أو تم إجبارهن عليها. وتلاحظ الكاتبة فيما بعد أن «أفضل مؤشر على أن المرأة ستشترك في أعمال عنف إرهابية هو علاقتها RELATIONSHIP مع أحد المتمردين أو الجهاديين المعروفين.» وتكتب عن هذا قائلة: «يقدم أحد أقارب المرأة دخولها إلى المنظمة، ويضمن الاعتماد عليها» (235). وفي أثناء سعي النساء للحصول على الاحترام RESPECT داخل مجتمعاتهن «يمكنهن إظهار تكريس أنفسهن للقضية والتزامهن بها كالرجال» (236). ويمكن للنساء أن تصبح نماذج يحتذى بها ليس فقط في مجتمعاتهن وحسب، بل أيضًا في عالم تكون فيه خيارتهن محدودة بسبب الاضطهاد الجنسي.
يمكن تطبيق هذه الدوافع الأربع على الرجال ولكن بدرجات متفاوتة وطرق مختلفة أيضًا. إن الدافع الخامس الذي يمكن إضافته هو الاغتصاب RAPE الذي يتقاطع مع الدوافع الأربعة للنساء. وتلاحظ الكاتبة «وجود زيادة في استغلال النساء جنسيًّا في الصراعات المنتشرة على امتداد المعمورة»(236). وتلقي الكاتبة بفرضية أن النساء لسن عنيفات بالفطرة إلى مزبلة التاريخ. ويعد السؤال فيما لو كانت النساء مكرهات أو مخيّرات على المشاركة في الأعمال العنيفة (الإرهابية) في سبيل حرية أوطانهن (أو الحكم الديني) سؤالاً أكثر تعقيدًا مما صورته وسائل الإعلام والدراسات الأخرى. وتقدم الكاتبة عملها هذا على أنه «مجرد مقدمة لتاريخ متواصل لعنف النساء على الأرض»(234). ويوضح الكتاب أهمية التحليل النقدي النسوي لفهم الاتجاهات المعاصرة في الجماعات الإرهابية والرد عليها. ونقترح على الكاتبة التفكير بضم دراسة حالة مسيحية في الولايات المتحدة في أعمالها المستقبلية، بالإضافة إلى إجراء مقارنة بالدعاية الحكومية التي تروج لدعم انضمام النساء للجيش ومشاركتهن بعمليات عنيفة.


الكاتب : ترجمة: عمر عجبق

  

بتاريخ : 01/06/2020