كتب لها وقع : القنبلة: الوجوه المتعددة للنساء الإرهابيات للكاتبة مايا بلومالباب

كان يا ما كان في قديم الزمان في مكان ما من هذا العالم المعمور كان هناك مسلمون ويهود ومسيحيون عاشوا مع بعضهم البعض، وشكّلوا حضارة استثنائية تنبض بالحياة. قد تبدو هذه القصة إحدى الحكايات الخرافية بالنسبة للأوقات المضطربة التي نعيشها حاليًا. وما يزيد هذه القصة إثارة وغرابة هو أنها قصة حقيقية تعجّ بالشخصيات البارزة والدروس التي تدعو للتأمل في زماننا هذا، بالإضافة إلى الإنجازات الفريدة والعثرات أيضًا.

 

يُعد كتاب مايا بلوم MIA BLOOM بعنوان القنبلة: الوجوه المتعددة للنساء الإرهابيات إحدى الإسهامات المهمة في الأبحاث المتعلقة بالأدوار العديدة التي تلعبها النساء في شبكات العنف المنظم خلافًا لأدوارهن الرسمية المألوفة.
وكما تلاحظ السيدة بلوم فإن فهم طبيعة أدوار النساء، وفهم تغيّر أدوارهن فهمًا أفضل هو أمر مهم جدًّا، ليس فقط لأسباب أكاديمية وحسب، بل من أجل رسم السياسات والإستراتيجيات، والمضي قدمًا في عالم معقد وعنيف على نحو مضطرد.
ففي الولايات المتحدة لم يكن القادة السياسيون و العسكريون مهيئين للأدوار المتزايدة والمتغيرة للنساء كانتحاريات يفجرن أنفسهن، ولأدوارهن بشكل عام في منظمات «إرهابية». ولقد منعتهم أفكارهم وأيديولوجياتهم وتوقعاتهم الذكرية من رؤية تلك التطورات؛ مما جعل الموقف ضعيفًا لمواجهة الأخطار المستقبلية.
تمت كتابة هذا الكتاب بغية وصوله للجمهور غير المتخصص، علاوة على المساهمة في المادة العلمية المتخصصة في هذا المجال. وتبتعد الكاتبة عن الكتابة بلغة متخصصة، وتقوم بتقديم سياق طويل وخلفية غنية، وتلقي الضوء على نتائج بحثها المختلفة في الدراسات السابقة. وتشير السيدة بلوم بشكل رئيسي إلى أن الإعلام والأبحاث السابقة تصور النساء كواجهة خلفية لمراكز حملات الإرهاب الحقيقية؛ أي كضحايا ساذجة يستغلها الرجال، والقادة من الرجال، وأصحاب الرأي من الرجال أيضًا. كما ويعد تحليلها خاليًا من الفوارق الدقيقة والطبقية، ويظهر دوافع النساء العديدة، والأدوار المهمة جدًّا التي تلعبها في مختلف الصراعات في العالم.
وفي النهاية تعطينا الكاتبة تحليلاً واضحًا ومتشعبًا عن ظروف النساء وأدوارهن المتغيرة بحيث لا ينبغي لنا طرح أسئلة بسيطة عن أدوار النساء في الصراعات الدينية السياسية مثل: هل النساء هناك بالإكراه أم باختيارهن؟
يقدم لنا عمل الكاتبة بلوم الإطارات المتداخلة لما تسميه «الكلمات الأربعة التي تبدأ بحرف R باللغة الإنجليزية بالإضافة إلى الكلمة الخامسة» (ص234). وتوضح لنا الكاتبة بأن النساء تنخرط في الصراعات والجماعات المختلفة في العالم لأحد الأسباب التالية: الانتقام والخلاص والعلاقات والاحترام والاغتصاب (revenge, redemption, relationships, respect, and rape). وتتداخل هذه الأسباب تداخلاً كبيرًا فيما بعد.
تبدأ الكاتبة كتابها بنبذة مختصرة عن تاريخ الإرهاب بما في ذلك استعمال روبيسبير Robespierre المنهجي للإرهاب والعنف لأهداف سياسية، وطيار وكاميكازيKamikaze اليابانيون الانتحاريون خلال الحرب العالمية الثانية. وتلاحظ الكاتبة أمثلة عن ادخال الإرهاب إلى القوى الغربية في الغرب. وفي فقرة «منطق الاضطهاد الخاص بها» توضح الكاتبة أنه «لولا مبالغة القوات الحكومية في ردة فعلها لما تمكنت الجماعات الإرهابية من الطموح لإعادة ملء صفوف عملائها السريين الذين فقدتهم» (ص 19). علاوة على ذلك، يبدو أن الانتحاريين الذين يفجرون أنفسهم يشكلون «خيار الملاذ الأخير عندما تصبح الجماعات ضعيفة جدًّا»(ص 19). ويعد الانتحاريون الذين يفجرون أنفسهم «القنبلة الذكية الأخيرة» لأنه بإمكانهم تعديل الأهداف والإستراتيجيات في الحال عند الضرورة.
وتتفحص الكاتبة نمط النشاطات الإرهابية للنساء في كل فصل من فصول الكتاب من خلال دراسة جماعة معينة في منطقة محددة. ففي الفصل الثاني تدرس الكاتبة عملاء الشيشان المسلمين السريين ضد روسيا وتستطلع ما تسميهم «انتحاريات الأرملة السوداء «THE BLACK WIDOW BOMBERS، وهن نساء نشطات غالبًا ما يكن انتحاريات يفجرن أنفسهن. وقد تكون بعضهن حوامل. ومن غير الواضح علاقتهن بشخصية الأرملة السوداء في ثقافة البوب التي نشأت كجاسوسة روسية خيالية في كتب الرسوم الهزلية في ستينيات القرن العشرين المنصرم التي تلقاها جمهور القراء من الذكور كامرأة قوية ومثيرة جدًّا. و تقدم الكاتبة العميلات الشيشان في دراستها لأزمة رهائن دار الثقافة في دوبروفكا DUBROVKA كعميلات من الدرجة الثانية مقارنة مع الرجال في تلك العملية. فقد كان الرجال، يحظون بالقوة الرئيسة ويتخذون القرارات، وكان من المتوقع أن يهربوا، بينما تم إرسال النساء إلى الداخل وكان يتوقع موتهن.
وفي الفصل الثالث نجد «الانتحارية الحامل»، حيث تقدم الكاتبة دراسة حالة الاقتتال المسلح العنيف لحركة المقاومة الكاثوليكية ضد الاحتلال البريطاني لإيرلندا. فقد قامت تلك النسوة بالتنكر كحوامل لإخفاء المواد وتجنب اكتشافهن من قبل الشرطة البريطانية، معتمدات في ذلك على الصورة النمطية الذكرية للنساء الحوامل على أنهن خارج نطاق الصراع السياسي العنيف. ومن خلال هذا المثال يمكننا ملاحظة أنه في المناطق التي تمتاز فيها النساء باستقلال أكبر قليلاً فإن النساء المنخرطات في الجماعات الإرهابية لديهن «فرصة أكبر» وخيارات أكثر أيضا للعلب أدوار قيادية.


الكاتب : ترجمة: عمر عجبق

  

بتاريخ : 30/05/2020