كلمة السر الجديدة لمحاربة الفيروس القاتل

550 جهاز تنفس صناعي في المغرب لإبقاء المصابين

بالأمراض المزمنة على قيد الحياة

 

بينما تخوض شركات الأدوية العالمية الكبرى، بجميع أطقمها العلمية والتقنية، سباقا محموما ضد الساعة من أجل اكتشاف لقاح ناجع ضد «كوفيد19»، تجري داخل المستشفيات معركة كبرى اسمها: الخصاص المهول في أجهزة التنفس الصناعي للحفاظ على ضحايا الفيروس الذي ما زال يتفشى بوتيرة متسارعة؛ والسؤال هو: هل يتوفر المغرب، الذي وصل فيه معدل الوفيات إلى 6 %، على ما يكفي من هذه الأجهزة؟ وهل صحيح أن جهاز التنفس الصناعي هو الكفيل بالحد من عدد الوفيات؟
يتولى جهاز التنفس الصناعي عملية التنفس في الجسم، عندما يتسبب مرض كوفيد-19 في الفشل التنفسي إثر التهاب حاد في الرئتين. ويمنح ذلك للمريض وقتاً لمكافحة العدوى والتعافي، ومن ثم تنقذ تلك الأجهزة أرواح المصابين الذين يعانون من مضاعافات خطيرة بسبب الفيروس، خاصة إذا كانوا من أولئك الذين يعانون من الأمراض المزمنة كالربو والسكري وارتفاع الضغط؛ وهي الحالات التي قال رئيس مديرية الأوبئة بالرباط إنها الأكثر عرضة للوفاة.
ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية «يتعافى 80 % من المصابين بالفيروس من دون الحاجة إلى العلاج في المستشفى. إلا أن واحداً من بين كل ستة أشخاص تتفاقم حالته، ويمكن أن يعاني من صعوبة بالغة في التنفس. وفي هذه الحالات الصعبة، يتسبب الفيروس في تلف الرئتين. ويكتشف الجهاز المناعي للجسم ذلك ويوسع الأوعية الدموية حتى تدخل المزيد من خلايا الدم البيضاء. في المقابل، يمكن لذلك أن يتسبب بدخول السوائل إلى الرئتين، مما يعقّد عملية التنفس، ويسبب انخفاضاً في مستويات الأكسجين».

 

المغرب يتهيأ

ولتوفير فرص أفضل للبقاء على قيد الحياة بالنسبة للمرضى المغاربة الذين يعانون من مضاعفات خطيرة، وللتخفيف من معدل الوفيات (وصل إلى حد كتابة هذه السطور إلى….)، توصلت وزارة الصحة باعتماد مالي (2 مليار درهم من أجل شراء المعدات الطبية) من الصندوق الخاص بتدبير جائحة كورونا، موجه لاقتناء و550 جهازا للتنفس، و100 ألف عدة لأخذ العينات، و100 ألف عدة للكشف، وأجهزة للفحوصات بالأشعة، و1000 سرير للإنعاش، فضلا عن الأدوية والمواد الصيدلانية الضرورية وتغطية باقي النفقات.
وأكدت تقارير إخبارية أن المغرب سيرفع من عدد الأسرة المخصصة للإنعاش المقدرة حاليا بـ1640 سريرا إلى 3000 سرير، نتيجة اقتناء عدد من تجهيزات التنفس الصناعي وأجهزة الكشف السريع عن الفيروس.
وأكدت مصادر طبية أن معدل الحاجة إلى جهاز التنفس في المغرب لا تتخطى الـ 2 % من إجمالى عدد المصابين، مؤكدة أن عدد الأجهزة التي يتوفر عليها المغرب الآن كافية لإنقاذ العديد من المصابين الذين يوجدون في غرف الإنعاش.
وأضافت المصادر نفسها أن نقص أجهزة التنفس الصناعي هو أزمة على مستوى العالم ترتبط بتزايد عدد مصابى كورونا للأرقام الكبيرة والضخمة فى عدد من دول العالم والتى تفشي فيها المرض.
وإذا كان نبض العالم قد توقف عند ما يجري في الأبواب الخلفية للمختبرات، وعند ما ستسفر عنه التجارب السريرية والاختبارات الدوائية، وعلى رأسها عقار الكلوروفيل المضاد للملاريا، فإن معركة البقاء تجري الآن على قدم وساق على أسرة الإنعاش في مستشفيات العالم، حيث يعتبر جهاز التنفس الصناعي هو السلاح الحاسم للخروج برأس مرفوعة من آثار هذا الوباء.
ويستخدم جهاز التنفس الصناعي لدفع الهواء إلى الرئتين، مع زيادة مستويات الأكسجين. ويحتوي أيضاً على مرطب، يعمل على تعديل الحرارة والرطوبة في الهواء الطبي، بحيث يتوافق مع درجة حرارة جسم المريض.
ويتم إعطاء المرضى أدوية لإرخاء عضلات الجهاز التنفسي، حتى ينتظم تنفسهم بالكامل بواسطة الجهاز.
أما في الحالات التي تعاني أعراضا خفيفة، فيتم تزويد المصابين بأقنعة ذات فتحات تهوية تسمح بدفع الهواء إلى الرئتين.
وتستخدم الشفاطات، حيث يتم ضخ الأكسجين المضغوط عبر صمام، بشكل شائع أيضاً لعلاج المرضى، ويرجع ذلك جزئياً إلى أنها تقلل من خطر انتقال الفيروس عبر الهواء من رذاذ التنفس. ويعرف ذلك بالتهوية “غير الجراحية”، حيث لا يلزم وجود أنابيب داخلية.
وحسب الخبراء، فإن صناعة أجهزة التنفس الصناعي أصبحت بحكم ارتفاع الطلب عليها مربحة للغاية، ذلك أن “سعر الجهاز وصل إلى 400 ألف دولار، بعدما كان بـ270 ألف دولار فقط”.

الحاجة إلى جهاز التنفس

لا يستخدم جهاز التنفس الصناعي لعلاج المرض، ولكنه يستخدم أثناء العلاج لتثبيت حالة المريض، فمثلا في حالة مرضى فيروس كورونا فإن جهاز التنفس الصناعي لا يعالج الفيروس، ولكنه يسمح للمريض الذي تراجعت قدرته التنفسية على البقاء على قيد الحياة، ريثما يتعافى جسمه من الفيروس ويهزمه، أو ريثما تعمل العلاجات الدوائية. كما أن هناك العديد من الاستخدامات مثل:
-أثناء التعافي من الحالات الشديدة من فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19” عندما يحدث تراجع كبير في وظيفة الجهاز التنفسي.
-أثناء الجراحة عندما يكون الشخص تحت التخدير العام.
-بعد الجراحة وأثناء التعافي منها، إذ في بعض الأحيان يحتاج المريض إلى جهاز تنفس لمساعدته في التنفس لساعات أو حتى أيام —بعد الجراحة.
– أثناء فقدان الوعي.
– الغيبوبة.
– إصابات الدماغ.
– الانسداد الرئوي المزمن.
– وجود عدوى في الرئة.
– الالتهاب الرئوي.
– السكتة الدماغية.
– وجود إصابات في النخاع الشوكي العلوي.

هل العالم مستعد؟

هناك مخاوف جدية من أنه في حال حدوث ارتفاع كبير بأعداد المصابين بفيروس كورونا فإن المستشفيات ستمتلئ ولن تعود هناك أجهزة تنفس اصطناعي كافية، مما قد يقود إلى حدوث وفيات. ولذلك تحاول الحكومات في مختلف دول العالم زيادة عدد ما لدى خدماتها الصحية من أجهزة التنفس الصناعي.
مثلا في ألمانيا، حذر رئيس معهد روبرت كوخ، لوثار ويلير، الأحد الماضي من تجاوز أعداد المصابين بفيروس كورونا عدد أجهزة التنفس الصناعي في مستشفيات البلاد، داعيا إلى أخذ هذا المعطى بالحسبان.
وأضاف “يتوجب تهيئة المستشفيات بأفضل شكل ممكن.. ورفع الطاقة الاستيعابية لوحدات العناية المركزة إلى الضعف على الأقل، لاستيعاب أكبر قدر ممكن من مصابي كورونا”. وشدد ويلير على أن بلاده ما زالت في بداية الوباء، داعيا إلى أخذه على محمل الجد.
وبحسب معطيات دائرة الإحصاء الألمانية، فإن البلاد تضم 28 ألف وحدة عناية مركزة.
وفي الولايات المتحدة، طالب المسؤولون في ولايات تضررت بشدة من فيروس كورونا إدارة الرئيس دونالد ترامب وشركات التصنيع التعجيل بإنتاج أجهزة التنفس الصناعي للتكيف مع زيادة في عدد المرضي الذين يحتاجون للتنفس الصناعي.
وقد غرد الرئيس الأميركي دونالد ترامب على تويتر معطيا الضوء الأخضر لشركات فورد وجنرال موتورز وتسلا للمساعدة في تعزيز إنتاج أجهزة التنفس الصناعي.
وقالت مجموعة “بي أس إيه” الفرنسية التي تمتلك “بيجو” و”سيتروين” لوكالة فرانس برس، إنها تبحث “بجدية كبرى في إمكان” الانضمام إلى الشركات التي تصنع تلك الأجهزة الطبية.
من جهته، قال بيل دي بلاسيو رئيس بلدية نيويورك لتلفزيون (سي.إن.إن) الأحد إن المدينة ستحتاج إلى مئات أخرى من أجهزة التنفس الصناعي خلال أيام ومزيد من الأقنعة والملابس الطبية وإمدادات أخرى بحلول الخامس من أبريل المقبل.
وقال جون بيل إدواردز حاكم ولاية لويزيانا إن أجهزة التنفس الصناعي في نيو أورليانز ستنفد قرب الرابع من أبريل/نيسان ولا يعلم المسؤولون في الولاية إذا كانوا سيتلقون أي أجهزة أخرى من المخزون الوطني.
وأضاف لبرنامج (واجه الحقيقة) بقناة تلفزيون (سي.بي.إس) إن لويزيانا حاولت طلب 12 ألف جهاز تنفس صناعي من شركات تجارية وتلقت 192.
وتابع إدواردز “لم نحصل بعد على موافقة بالحصول على أجهزة تنفس صناعي من المخزون الوطني. سأستمر في الضغط من أجل هذا وأتمنى أن نحصل على بعض مما تبقى”.
وقال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للصحفيين الأحد إنه سيكون على المستشفيات التي لا تستخدم أجهزة التنفس الصناعي التخلي عنها، مشيرا إلى أن هناك اكتنازا لهذه الأجهزة.
كما قال ترامب الجمعة إن الولايات المتحدة ستنتج مئة ألف جهاز تنفس صناعي خلال مئة يوم، وأضاف أنه عين مستشار البيت الأبيض بيتر نافارو منسقا لقانون الإنتاج الدفاعي.
وقال مصدر صناعي لرويترز الأحد إن بريطانيا طلبت عشرة آلاف جهاز تنفس صناعي يصنعها ائتلاف شركات من بينها فورد وإيرباص ورولز رويس، في إطار جهودها لمكافحة فيروس كورونا.
وقال مايكل جوف الوزير البارز في الحكومة البريطانية الأحد، إن هيئة الصحة الوطنية البريطانية الممولة من الدولة لديها أكثر قليلا من ثمانية آلاف جهاز تنفس صناعي.

الشركات الطبية

تكاتفت شركات عالمية للمساعدة في إنتاج أجهزة التنفس الصناعي لسد النقص الشديد، ولمساعدة مصابين بالفيروس في البقاء على قيد الحياة. فمثلا قالت شركة فورد موتور الاثنين، إنها ستنتج خمسين ألف جهاز تنفس صناعي خلال المئة يوم المقبلة بمصنع في ميشيغان بالتعاون مع وحدة الرعاية الصحية في شركة جنرال إليكتريك ويمكنها بعد ذلك صنع ثلاثين ألف جهاز شهريا حسب الحاجة لعلاج المرضى المصابين بفيروس كورونا.
وقالت فورد إن التصميم المبسط لجهاز التنفس الصناعي يمكن أن يفي باحتياجات معظم مرضى “كوفيد-19” ويعتمد على ضغط الهواء دون الحاجة لكهرباء.
وقالت جنرال موتورز إنها تعتزم إنتاج ما يصل إلى عشرة آلاف جهاز تنفس صناعي شهريا بحلول هذا الصيف في مصنع في كوكومو بولاية إنديانا الأميركية.
كما قال رئيس “جنرال إلكتريك هيلث كير” كيران ميرفي، “مع تفشي الوباء في العالم، ثمة طلب غير مسبوق على المعدات الطبية، بما في ذلك أجهزة التنفس الصناعي”.
وتخطط الشركة الفرنسية “إير ليكيد” لزيادة إنتاج أجهزة التنفس الصناعي من خمسمئة وحدة في الشهر إلى 1100 في أبريل.
وأعلنت شركة “دريغر”، عملاق التكنولوجيا الطبية بألمانيا أنها ضاعفت عدد أجهزة التنفس الصناعي المنتجة لديها، في حين حصلت “لوفنشتاين” على طلبية حكومية تشمل 6500 وحدة خلال الأشهر الثلاثة المقبلة.
وقد بدأت في زيادة الإنتاج في فبراير بسبب الطلب الكبير على هذه الأجهزة من الصين.
وفي أميركا تعاقدت هيئة الإمداد والتموين التابعة لوزارة الدفاع الأميركية مع أربع جهات لشراء ثمانية آلاف جهاز تنفس صناعي، للتعامل مع الأعداد المتزايدة من المصابين بفيروس كورونا.
ونقلت يوم السبت وكالة بلومبيرغ للأنباء عن المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية الليفتنانت كولونيل سلاح جوى مايك اندروز قوله إن عملية الشراء ستتم على مراحل خلال الأشهر المقبلة .
وأوضحت الوكالة أن تكلفة تلك الأجهزة تبلغ 84.4 مليون دولار، وسيتم تسليم أول دفعة وعددها 1400 جهاز بحلول أوائل مايو/أيار المقبل.

أجهزة جديدة

هناك تجارب في بريطانيا على نموذج جديد من أجهزة التنفس طوّره فريق تشارك فيه شركة مرسيدس ويمكنه مساعدة مرضى فيروس كورونا ويخضع للتجربة حاليا في بعض مستشفيات لندن.
وتم استخدام أجهزة الضغط الإيجابي المستمر (سي.بي.إيه.بي) في الصين وإيطاليا لتوصيل الهواء والأكسجين إلى رئات المرضى ومساعدتهم في التنفس دون الحاجة لوضعهم على أجهزة التنفس الصناعي التي تمثل تدخلا طبيا أقوى.
وأجازت الجهة الرقابية المعنية أجهزة (سي.بي.إيه.بي) بالفعل وسيجري تسليم مئة منها إلى مستشفى يونيفرسيتي كوليدج في لندن لتجربتها قبل أن توزع على مستشفيات أخرى.
وتشير التقارير الواردة من إيطاليا إلى أن 50% تقريبا من المرضى الذين وضعوا على أجهزة (سي.بي.إيه.بي) لم يحتاجوا إلى أجهزة التنفس الصناعي التي تتطلب تخدير المريض الأمر الذي أتاح هذه الأجهزة الحيوية لآخرين كانوا في حاجة أكبر لها.
وقالت ريبيكا شيبلي مديرة معهد هندسة الرعاية الصحية التابع لمستشفى يونيفرسيتي كوليدج لهيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي)، “يمكن لمرسيدس صنع ألف جهاز في غضون أسبوع وإذا سارت التجارب على ما يرام فيمكن لهيئة الخدمات الصحية الوطنية أن تحصل عليها بحلول نهاية الأسبوع”.


الكاتب : سعيد منتسب

  

بتاريخ : 03/04/2020