كنت في بلاد السعادة : عندما أسس بهلول دولة للفقراء 2

كنت في بلاد السعادة، بالسؤال الذي علق في ذهني وأنا أستمع إلى مختلف الآراء حول زمن جعل منه عشاق الحرية مركبا لرسم عالم اعتقدوا أنهم صناعه ،وهي البلاد التي سميت بأرض الفراعنة، تلك التي تحول فيها حفيدها إلى شاهد على عصر، حول الوجه بعيون تنظر إلى قرون خلت غير منسجمة مع قدميها التي هوت عندما ضاع حبل كان يجرها إلى الأمام، وذلك هو المأزق والوحل الكبير.

كنت في بلاد السعادة، بالسؤال الذي علق في ذهني وأنا أستمع إلى مختلف الآراء حول زمن جعل منه عشاق الحرية مركبا لرسم عالم اعتقدوا أنهم صناعه ،وهي البلاد التي سميت بأرض الفراعنة، تلك التي تحول فيها حفيدها إلى شاهد على عصر، حول الوجه بعيون تنظر إلى قرون خلت غير منسجمة مع قدميها التي هوت عندما ضاع حبل كان يجرها إلى الأمام، وذلك هو المأزق والوحل الكبير.
كل الذين التقيتهم يقرون أن المحروسة واجهت تحديا كبيرا في زمن الربيع المشؤوم، وحتى الذين كانوا من أنصاره غيروا رؤيتهم متوجهين إلى الانتصار لحقيقة المؤامرة على شعب مصر التواق إلى إصلاحات جوهرية من شأنها أن تنعكس إيجابا على وضعه المعيشي.
لا أحد من هؤلاء ذكر الرئيس بالاسم، لكنهم ذكروا لي أن الهدف من الذي حدث هو محاولة كادت أن تعصف بالبلاد والعباد، وأن حكم السيسي حال دون استمرار المخطط التواق إلى تفكيك المجتمع في سائر مصر لتفجيرها من الداخل، بكافة الأساليب التي كان أخطرها، هو إراقة دم الأبرياء من الشعب المصري.
كنت أسعى إلى توجيه السؤال إلى كافة الذين التقيتهم من مثقفين وسياسيين ومن عامة الشعب، ولأن السؤال كان مشروعا بالنسبة لي، بكل الثقل المهني الذي أحمله بقناعة قول الحقيقة للمتلقي، بالرغم من كل الانتقادات التي تواجهني كلما فعلت ذلك، بدءا بالزمن الصعب في الربيع الوهمي، الذي أعتز اليوم أني كنت ضده، وأني كنت من الأقلام التي لم تنطلِ عليها حقيقة المؤامرة الكبرى فيه، كما حقيقة المطالب المشروعة للشعوب في الحصول على العدالة الاجتماعية والكرامة، إلى زمن آخر بدأت فيه المكاشفة تلقي الضوء على وهم الشعارات، في أساليب الثورات التي ضخمت مشاهدها على الشاشات المعلومة في وطننا العربي وفي أوطان الجوار الأجنبي.
في الحقيقة، لم أكن أهتم كثيرا بتصريحات من يحسبون كلامهم، هؤلاء الذين التقيتهم في الأوساط الثقافية والسياسية وأنا بالقاهرة، بل الذي كان يهمني هو ما التقطته مسامعي على لسان أم عبد الرحمان، وأم محمد، ونهيلة، وفاتن، وانشراح، وأبو علي، وصفوان ومدحت، وآخرون، في الدروب والأسواق والممرات الواسعة والضيقة من فضاءات قاهرة المعتز.
كان الكثير منهم يتحدث بلغة اليأس والندم، كما لغة الاضطراب، التي سببتها عوامل عدم الإدراك للذي حصل للمحروسة، وهو الوعي الذي نضج عندما هجرت فنادقها وتدهورت عملتها وكسر اقتصادها وتأخرت مشاريعها وأقفلت الكثير من محلاتها، حتى أصبح قائدها يسابق فقط الزمن لإرجاع الحياة إلى مصر التي كان بالإمكان تصحيح وضعها في العدالة الاجتماعية دون ذلك الضجيج الذي جعل خفافيش الظلام تحط الرحال بالفعل في فضاءات الحداثة باعتبارها قلب الحياة في مصر الحرية الفعلية، التي أسست مسارها على حضارة عريقة، ضاربة في جذور التاريخ المصري، أو كما قال الزميل صالح سالم على صفحات جريدة الأهرام :» إن العراقة الحقيقية «في مصر» تعنى استمرارية التقاليد الحية والقيم الإيجابية والفعالية الحضارية، وليست مجرد امتداد زمني، ينعكس فى آثار مهملة أو لغات ميتة، فبهذا المعنى تصبح العراقة عبئا علينا بقدر ما ينطوى الماضى على تقاليد عتيقة وأعراف بيروقراطية معوقة لحركة التقدم ومسارات النهوض».
هي مصر التي تقلبت كثيرا على سطح التاريخ بين إمبراطورية الفراعنة والاستعمار الفارسي واليوناني والروماني وبعده الفتح العربي، وبعدهم كل السلط السياسية والعسكرية التي توالت على المحروسة، من أتراك وفرنسيين وبريطانيين، لتنتقل المحروسة إلى العصر الحديث مع محمد علي باشا يتلوها مسار كان الذهاب فيه من وإلى الدولة صعودا وهبوطا، يفرز مصر المتوجهة إلى بناء مستقبلها بحركة التنوير المتجددة، رغم كل التحديات التي واجهت مصر في بناء دولة المؤسسات بالديمقراطية المصحوبة بالوعي الشعبي الذي ينبغي أن يكون.
ولهذا نتفق مع الزميل صلاح سالم عندما قال في عموده على جريدة الأهرام :» …نعم استمرت مصر دولة منذ بدء التاريخ المكتوب، لكن تم بالتدريج تخفيض مستوى حضورها من إمبراطورية عالمية إلى ولاية فإمارة، فسلطنة حتى عادت دولة عادية. هنا يصبح التاريخ عبئا على الحاضر، والعراقة عائقا أمام الحداثة، لأن تقاليد النهضة التاريخية لم تستمر بل تقطعت حبائلها، ولم يبن زمن على زمن، فأكثر الفترات استقرارا وفعالية فى تاريخنا الحديث كانت ثلاثين عاما فى الحقبة الليبرالية، أو نحو عشرين عاما هى الأكثر فعالية من حكم محمد (1820ـ 1840)، تليهما الحقبة الناصرية الأكثر كثافة والأقصر عمرا (1956 ـ 1967)، بينما مثل عصر مبارك فترة استقرار راكد لا فعال، وهكذا تصبح مصر، جوهريا، أقل عراقة من فرنسا الثورة (1789 ـ حتى الآن)، ومن الولايات المتحدة، بنت العالم الجديد، التى حصلت على استقلالها عن التاج البريطانى ثم وضعت دستورها وراكمت تطورها على الأقل منذ (1776 ـ حتى الآن).»، لكن السؤال الذي يعلق في ذهننا: كم فقدت مصر من تنويرها وحداثتها عندما تركت خفافيش الظلام يسودون في الزمن العمودي في لقاءات سرية وعلنية مع المجتمع؟ لتظل مصر الدولة في زمنها الأفقي تبني دولة المؤسسات لتصحو يوما على دولة في قلب الدولة، تحكم بالدين والإحسان، هؤلاء الذين صورهم بالفعل صديقي وزميلي وليد يوسف في مسرحية «حدث في بلاد السعادة»، عندما قدم مشاهد من دولة الفقراء الذين دفعتهم الحاجة والإهمال إلى اختيار «بهلول» لحكم البلاد لأنه واحد من الشعب، وهو «بهلول» الحطاب الفقير الذي يبحث عن لقمة العيش، والذي ذهب للحاكم في قصره لكي يواجهه بمعاناة أهل البلد، فيصبح «بهلول» هو الحاكم، عندما غضبت المدينة وتسلل واحد من أبنائها إلى قصر الرئيس محاولا قتله بدعم ممنهج من الوزير المقرب إليه، الذي استغل ثقة الرئيس فيه، حد تسليمه شؤون إدارة البلاد.

 

 


الكاتب : بديعة الراضي

  

بتاريخ : 05/12/2018

أخبار مرتبطة

  ليست الدار البيضاء مجرد مدينة أو حاضرة من الحواضر العادية، بل هي حكاية من حكايات هذا الزمن..مستمرة في المكان

راي تماما كما هي الحال، بالنسبة إلى «جيمس فالهوس» أو «أوجينيا كويدا»، تعرض « كورزويل « لصدمة إثر وفاة أعز

وزير العدل البلجيكي يعبر عن ارتياحه لمستوى التعاون القضائي مع المغرب   بمناسبة انعقاد الاجتماع الثالث للجنة العليا المشتركة للشراكة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *